العدد(354)من سلسلة عالم المعرفة كتابا بعنوان العولمة والثقافة : تجربتنا الاجتماعية عبر الزمان والمكان للدكتور (جون توملينسون )JOHN TOMLINSONأستاذ علم الاجتماع الثقافي ومدير معهد التحليل الثقافي ،نوتنغهام ورئيس وحدة الأبحاث المتعلقة بالدراسات الثقافية،والاعلامية بجامعة ترينت في نوتنغهام وترجمه الدكتور إيهاب عبد الرحيم محمد.فحوى هذا الكتاب أنه على الرغم من أن العولمة تمثل اليوم موضوعا لكثير من المناقشات ،فان تلك المناقشات كثيرا ما تقتصر على خطابات معينة ضمن التخصصات العلمية المحددة. وفي هذا الكتاب –ولأول مرة- يحدث الجمع بين النظريات الاجتماعية ،والدراسات الثقافية في مقاربة واحدة لفهم العولمة.فكانت فصول الكتاب متكونة كالتالي:
الفصل الاول: العولمة والثقافة
الفصل الثاني:الحداثة العالمية
الفصل الثالث:الثقافة العالمية :الأحلام والكوابيس والشكوكية
الفصل الرابع: اللاتوطين :الحالة الثقافية للعولمة
الفصل الخامس:الاتصال المتواسط والتجربة الثقافية
الفصل السادس: احتمالية الكوزموبوليتانية
وسوف احاول عرض فصول هذا الكتاب بشي من التبسيط دون اخلال بمضمون هذا الكتاب وعمقه وقضاياه الحيوية التي تفرض نفسها على الحركة الثقافية العالمية اليوم وتلح على القاريء البحث عن اجوية شافية لاسئلة محيرة تضع المراقب في زاوية الباحث والقاريء.
العولمة والثقافة:
ان العولمة تقع في القلب من الثقافة الحديثة وتقع الممارسات الثقافية في القلب من العولمة،فلست أقصد القول بأن العولمة هي المحدد الوحيد للتجربة الثقافية الحديثة ،ولا أن الثقافة بمفردها هي المفتاح المفاهيمي الذي يفك مغالق القوة الدينامية الداخلية للعولمة،ولذلك فهو ليس ادعاء بان سياسات واقتصاديات العولمة ينتج عنها تقرير ثقافي يتخذ اولوية مفاهيمية .لكنه يتمثل في اثبات ان العمليات التحويلية الهائلة لعصرنا الحديث ،والتي تصفها العولمة ،لايمكن ان تفهم على نحو صحيح حتى تدرك من خلال المفردات المفاهيمية للثقافة.وان العولمة والثقافة كلتيهما مفهومان يتسمان بأعلى مراتب العمومية.وعلينا أن نضيف القول المأثور لوليامز بأن"الثقافة أمر عادي" استعمل وليامز هذه العبارة أولا ،بطبيعة الحال ،لمعارضة الاحساس النخبوي للثقافة كشكل حصري "خاص"من الحياة المتوافرة فقط للقلة من خلال "غرس"مدركات بعينها .والثقافة عادية ،اذن بالمعنى "الديموقراطي الانثربولوجي"حيث انها تصف "نمطا كاملا للحياة":فهي ليست ملكية حصرية للمميزين ،بل انها تتضمن كل سبل الممارسات اليومية.
وان الثقافة مهمة للعولمة من حيث المعنى الواضح لانها سمة جوهرية لكل عملية المرتبطية المعقدة .وقد قال ووترز "التبادلات المادية تجعل الامر محليا،والتبادلات السياسية تدوله ،والتبادلات الرمزية تعولمه.
الحداثة العالمية:
علينا أن نفهم الانتشار العالمي للحداثة من حيث انه علاقة مستمرة بين التماسف والتغيرية المزمنة للظروف المحلية والارتباطات المحلية (وهنا جدير بالقول يجب أن نعّود انفسنا على التغيير المستمرفي هذا العالم المتغير باستمرار ونربي اولادنا من اجل عالم متغير ومن أجل تغّيرالعالم لأن الشيء الوحيد الذي لايتغير هوالتغير الدائم )
اللاتضمين الثقافي...عولمة التجربة المحلية :
ويحدث ذلك خلال الهجرات القسرية بعد الحروب .."وبالطبع فان الحداثة تهجر الاشخاص بهذه الطريقة محدثة –كما في وصف مارشال بيرمان المفعم بالحيوية - اختلالات ديموغرافية هائلة ،تفصل ملايين الاشخاص عن مواطن أسلافهم ،وتقذف بهم الى حياة جديدة في النصف الاخر من العالم"،فاننا جميعا كما يقول جيدنز مازلنا نعيش حياة محلية بمعنى" ان المقيدات التي تتعلق بالجسد تضمن أن كل الافراد ،وفي كل الاوقات ،يوجدون ضمن سياق من الزمان والمكان"ويبدو بالنسبة اليّ ان هذه خاصية مميزة لمفهوم جيدنز حول العولمة.
ويقول( نيديرفن بياتريس) " تشكّل كل من الحداثة والعولمة وصفة جاهزة " وهو يرى هذا على انه انجذاب يحتاج الا فصله عنوة.
الثقافة العالمية:الاحلام والكوابيس والشكوكية
ان ماركس –الذي يعد هنا منظر العولمة قبل حتى أن تصاغ هذه الكلمة- يجمع بين التحليل اللاذع لقوة الرأسمالية العابرة للحدود القومية ،التي يجب أن" تقبع في كل مكان ،وتستقر في كل مكان ،وتنشئ ارتباطاتها في كل مكان"وبين تناقض واضح تجاه آثارها الثقافية .وكان مدركا لكل ذلك البؤس الذي كانت الرأسمالية سببا فيه في أعقاب ظهورها ،ومظاهر الاشباع الزائفة والضحلة للنمط السلعي لكنه ،وعلى الرغم من ذلك ،يرحب بالطريقة التي قامت فيها الحقبة البرجوازية بمحو "حضارات" ما قبل الحداثة في الطريق نحو الثورة القادمة والعصر الشيوعي،ومن أجل تحقيق هذه الغاية ،فان ماركس سعيد تماما برؤية دمار الثقافات غير الأوربية.
اتسم العالم خلال عقد التسعينيات بمجموعة من "الثورات" التكنولوجية التي تضاهي تلك التي ألهمت الرؤى الخاصة بمفكري القرن التاسع عشر .وفي الواقع فان التوقع الشعبي للعجائب التكنولوجية دائمة التجدد ،وخصوصا في مجالات الاتصالات ،والحوسبة وتكنولوجيا المعلومات ،يبدو الآن أحد الجوانب المهمة لنسيج الثقافة الحديثة.
اللاتوطين :الحالة الثقافية للعولمة:
لقد استخدم كثير من المنظرين مصطلح اللاتوطين في ما يتعلق بالعمليات المعولمة في حين فضل آخرون مصطلحات ذات صلة مثل "ازالة الصفات المحلية" او "التهجير" لفهم جوانب هذه العملية .وعلى الرغم من وجود عدد من الاختلافات التأكيدية بين هذه الاستخدامات ،فانني أعتقد انه من الممكن تحديد معنى عاما لهذا المعنى للمصطلح،الذي يمكن أن يساعدنا في فهم التحولات الواسعة التي حدثت في العلاقة بين الثقافة والمكان في سياق الحداثة العالمية .ولذلك أرغب في استخدام مصطلح "اللاتوطين"بهذه الطريقة بالغة العمومية والشمولية ،لفهم ما يطلق عليه غارسيا كانكليني اسم "فقدان العلاقة الطبيعية"بين الثقافة والاقاليم الجغرافية والاجتماعية. وهنا مثال عن اللاتوطين ضربه لنا رايموند ويليامز :"ذات مرة كان هناك ذلك الرجل الانجليزي الذي عمل في المكتب اللندني لاحدى الشركات متعددة الجنسيات ،التي يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة .وقد قاد سيارته اليابانية الصنع ذات مساء عائدا الى منزله ،وكانت زوجته ،التي تعمل في شركة تستورد معدات المطابخ الالمانية ،قد عادت الى المنزل بالفعل.فكثيرا ما كانت سيارتها الايطالية الصغيرة أسرع حركة عبر حركة المرور. وبعد تناول وجبة الطعام ،التي كانت تشتمل على لحم الحمل النيوزيلندي،وجزر كاليفورنيا ،والعسل المكسيكي ،والجبن الفرنسي،والنبيذ الاسباني،جلسا لمشاهدة أحد البرامج على جهاز التلفاز الخاص بهما ،المصنوع في فلندا.كان البرنامج احتفاء استرجاعيا بحرب استعادة جزر فوكلاند .وبينما كانا يشاهدانه شعرا بتنامي الحس الوطني لديهما ،فقد كانا شديدي الفخر بأنهما بريطانيان.......(لاتعليق! الا هذه الاسئلة التي يجب أن يسألها كل فرد لنفسه)
فمن منا لايوجد في بيته جهاز هاتف ياباني أو كوري أو ألماني ومن منا لايوجد في بيته تلفاز صنع تايلند ومن منا لايوجد في بيته جهاز كمبيوتر امريكي ومن منالايوجد في بيته منبه او ألعاب أطفال أو أدوات منزلية كتب عليها(made in china) أي صنع في الصين وغير ذلك الكثير الكثير فلا غرابة فيما نقرأ أو نسمع وهذا عن الاجهزة فقط وما تحدثنا عن الاختراعات والتكنولوجيا فمن صنع الهاتف؟ ومن صنع التلفاز؟ ومن صنع الحاسوب؟ومن صنع وسائل المواصلات من سيارات وقطارات وطائرات؟
" نحن نعيش في عالم تمثل فيه "النزعة الكوموبوليتانية الدنيوية" ،جزءا من التجربة "العادية".وقد بات من الممكن اليوم الوصول الى كل الثقافات ،مهما كانت بعيدة زمنيا وجغرافيا ،في صورة علامات أو سلع .واذا لم نختر التوجه الى زيارة الثقافات الأحرى فستأتي هي الينا كصور ومعلومات تعرض على شاشة التلفاز ..ولايحتاج أي شخص الى ان يكون متعلما ،أو ميسور الحال،أو مغامرا ليكون مسافرا عالميا عند هذا المستوى .خلال عقد التسعينيات ،أصبحالكل طوعا أوكرها وسواء بشكل واع ام لا –كوزموبوليتانيين"
الاتصال المتواسط والتجربة الثقافية:
أن تكون اليوم "غير متصل" يعني أن تكون شاذا....وأن يعيش الشخص في مكان لايوجد به هاتف هو أمر كثيرا ما يفهم على أنه اهانة ضمنية للاصدقاء ،والاقارب ،وزملاء العمل .كما أنه ينظر الى ترك السماعة مرفوعة بعيدا عن الحامل الذي تعلق عليه على أنه علامة على أن من يفعل ذلك هو مبغض للبشر .ويتوقع من العاملين في بعض المهن أن يقوموا بحمل "أجهزة تنبيه" تجعل من الممكن الوصول اليهم في أي وقت اينما يكونون،ومهما كان الذي يقومون بفعله" يسمح الهاتف بتحقيق الحميمية على الرغم من الانفصال الجسدي،تنطلق العلاقة فرد لفرد مبتعدة عن العلاقة وجها لوجه.يعد التحدث الى شخص ما عبر الهاتف امرا طبيعيا للغاية ،الى درجة اننا كدنا ننسى امر الوسط المتداخل.(وكثيرا ما نقول"لقد تحدثت الى فلان البارحة"من دون التفكير حتى حتى في اضافة انها كانت محادثة هاتفية.ونادرا ما نقول "لقد تحدثت"عندما نعني أننا قد كتبنا رسالة شخص ما).
الكوموبوليتانية:الفكرة،الايدلوجية،والغاية:
ان الاصل الاشتقاقي للمصطلح "كوموبوليتاني" واضح بما في الكفاية من الكلمة اليونانية كوزموس
وبولس kosomos التي تعني "عالم" polis تعني "مدينة"
.ومن ثم،فان الكوموبوليتاني هو ( مواطن عالمي ) فان تكون (مواطنا عالميا) بالنسبة الى اغراضنا هنا،يعني أن تكون لديك نزعة ثقافية ،والتي لا تقتصر على الاهتمام بالناحية المحلية المباشرة ،بل تعترف بالانتماء ،والمشاركة،والمسؤولية العالمية، ويمكنها دمج هذه الاهتمامات الاوسع في ممارسات الحياة اليومية.
ان المواطن الكوزموبوليتاني يحتاج أولا الى احساس فعال بالانتماء الى العالم الاوسع ،وبأن يكون قادرا على معايشة "هوية متماسفة":هوية غير محددة بشكل كامل بالناحية المحلية المباشرة ،ولكن بشكل حاسم تلك التي تتبنى معنى خاصا بما يوحدنا كبشر،وبالمخاطر والاحتمالات المشتركة،وبمسؤولياتنا المشتركة .وللتعبير عن ذلك بمصطلحات ملموسة بدرجة أكبر ،يمكن التفكير في الاختلاف بين الاخلاقيات المحلية الخاصة بما يسمى "الانانية"(اذا كان بعيدا عن بيتي فلا يهمني)وتلك الخاصة بأخلاقيات العناية العالمية بالبيئة.ومن ثم فان الخاصية الاولى للكوزموبوليتانية هي الادراك القوي للعالم على انه مكان "لايوجد به آخرون".ولكن حينها ستكون الخاصية الضرورية الثانية هي احساسا شبه معاكس : في صورة وعي بالعالم كمكان يحتوي على العديد من الآخرين الثقافيين.وما أعنيه بهذا هو أن المواطن الكوزموبوليتاني يجب أن يكون ملما بالتعددية المشروعة للثقافات ،وأن يكون منفتحا على الاختلاف الثقافي.ويجب أن يكون هذا الوعي انعكاسيا،فيجب أن يجعل الناس منفتحين على التشكيك في الافتراضات والاساطير الثقافية الخاصة بهم،وأننا يجب الا ننظر الى شقيّ هذه النزعة على انهما متضادان أو متخاصمان ولكن على اعتبار ان كلا منهما يقوي الآخر بصورة متبادلة ،وبالتالي يقنعننا باجراء حوار مستمر ،سواء مع أنفسنا أو مع الآخرين الثقافيين المتماسفين.....