لمعيطي ادريس مشرف منتدي الخدمة الاجتماعية
التخصص : علم الاجتماع عدد المساهمات : 74 نقاط : 192 تاريخ التسجيل : 29/01/2010 العمر : 41
| موضوع: العلمية في العلوم الإنسانية نموذج الانثربولوجيا الإثنين فبراير 28, 2011 4:58 pm | |
| يطرح النقاش في مسالة العلمية سجالا واسعا في الساحة الابستمولوجية ما يستدعي الحديث عن القيمة والمنهج والتقدم , لكن النقاش سيتحول لا محالة في أفق آخر حينما نتحدث عن العلوم الإنسانية باعتبارها مباحث تستمد علميتها من قيمة الدقة والصواب والعقلانية والواقعية , هذه القيم أسست في مرحلة تاريخية سابقة شعار ثورات علمية ارتبطت بالفزياء والرياضيات والبيولوجيا • هذه القيم تقدم نفسها في العلوم الإنسانية كأحكام مبدئية تتفق حول خصوصية مبحث ما : كعلم الاجتماع • وكمنهج ترتبط العلوم الإنسانية عموما بأليات وأدوات متوفرة نتجت عن التقليد العلمي المعاصر , كما أنها في نهاية المطاف تنكشف هذه القيم بشدة على المستوى الأفقي للمعارف المعاصرة وجعل الظاهرة الإنسانية منتظمة بشكل ما مع الظواهر الطبيعية • إن ما يفسر ذلك ويتفق معه مجموعة من الابستمولوجيين المعاصرين هو الطابع الحيوي للمعارف أو ما يسمى بتلاقح المعارف • هذا التلاقح يسمح بعمليات متعددة : أولا: إنشاء المفاهيم وتكوينها ما يخدم غرض المبحث والموضوع , ثانيا: توظيف هذه المفاهيم في الفهم والتفسير والتنبؤ , ثالثا: تناول أساليب ومناهج البحث الخاص بعلم ما • هذه العمليات تكون سيرورة معرفية , محطة تنتظم فيها العلوم الحقة أو الدقيقة معبرة عن نفسها في انتاجات , وكذلك العلوم الإنسانية بآليات واستراتيجيات معرفية وإنتاجات • وإذا كان هذا التلاقح يفسر مبدئيا حال معارف العالم المعاصر وحضارات الماضي , لكنه لا يكشف عن مسألة خاصة : كالعلمية في العلوم الإنسانية • لأنه سؤال يفترض التجزئة مجددا والبحث في قيمة الصدق والخطأ والعقلانية والواقعية والظاهرة , ومن أين تستمد صلاحية استدلالات الحكم والقضية والبرهان ؟ لذلك فان مفهوم التلاقح لا يخدم مصالح الغرض المعرفي الداخلي للعلوم الإنسانية , لأنه لا يفسر غياب المنطق الثنائي (صواب ≠ خطا ) , ويظهر منطق الترجيح مزيحا القيم الأولى ( الدقة ; الصدق ; العقلانية ; الواقعية ) أو متجاوزا لها بدرجات متفاوتة • أمام هذه التغيرات الحاصلة في العلوم الإنسانية التي تستدعي ضرورة النظر إلى قيمة (العلمي) في العلوم الإنسانية من زاوية المبحث والمنهج , والحال هنا يفترض نموذج الانثربولوجيا , ثم النظر في امتدادات البحوث الانثربولوجيا في الدراسات العربية عبر التقليد العلمي المعاصر من جهة والفكر العربي الإسلامي من جهة مقابلة , ونأخذ نموذجا لذلك المفكر الجزائري محمد أركون • المحور الأول : نموذج الانثربولوجيا • 1•1 المنهج • يأتي الحديث في سياق معطيات الدراسة في البحوث الميدانية للعلوم الإنسانية عن مفهوم الظاهرة • ولا شك أن دوركايم شكل تأسيسا تقنيا, وأداتيا, يمكن من ترجمة دلالية للظواهر الاجتماعية عبر الظاهرة الفزيائية , وما يرتبط منهجيا مع الإتساق الإستنباطي والإستقرائي في معالجة الوقائع الخاصة بعلم الاجتماع • ومن الظاهرة يسير الانثربولوجي كلود ليفي ستراوس إلى مفاهيم أخرى تؤسس للمنهج , بحيث يتحدث عن النماذج التي تؤلف موضوع التحليلات البنيوية الخاص • ويغدو المنهج هو معرفة قوام هذه النماذج , إذن فالمسالة ترتبط بالابستمولوجيا لان التعاريف : الاداتية – الإجرائية – المعالجة للنماذج لا تقتبس شيئا من المادة الأولى للدراسة الانثربولوجية , لذلك يرى ستراوس أن النماذج التي تستوجب تعينها بالبنية يجب أن تلبي استلزامات شرطية أربعة : 1- البنية كمنظومة تتألف من عناصر, يستلزم تغيرعنصرتغيرالعناصر الأخرى• 2- البنية تخضع لمجموعة من التحولات , كل تحول واحد يطابق نموذجا واحدا , إذن مجموعة التحولات يشكل مجموعة النماذج • 3- إذن العلاقات المكونة أعلاه تسمح بتوقع طريقة رد فعل النموذج , عند تغير احد عناصره • 4- وظيفة النموذج التي تسمح بصياغة جميع الوقائع الملاحظة وتبريرها • يقول بهذا الصدد كلود ليفي ستراوس في كتابه البنيوية : « المبدأ الأساسي هو أن مفهوم البنية لا يستند إلى الواقع التجريبي , بل إلى النماذج الموضوعة بمقتضى هذا الواقع » • فالعلاقة الاجتماعية إذن هي المادة الأولى المستعملة في صياغة نماذج توضح البنية الاجتماعية • وذلك يتم عبر ملاحظة الوقائع وإعداد الطرق التي تتيح استخدامها في تأليف نماذج , والتجريب عليها , عبر معرفة كيفية رد فعل نموذج معين من التغيرات • أولا ملاحظة الوقائع ووصفها على نحو دقيق • ثانيا تطوراتها العلائقية المادية • ثالثا علاقاتها مع المجموع • إذن التوفر على نماذج قابلة للصياغة الرياضية إما قيم حسابية أو إحصائية • وبعد منهج الظاهرة والنموذج والبنية يحضر مفهوم حاسم ينتج أفاق مشروعة لمبحث الانثربولوجيا لتفسير وفهم الانسان وانتاجاته المادية والرمزية , مفهوم التطور الذي يحضر في الانثربولوجيا وفي الفرضية السائدة في العلوم الإنسانية • وسنتمكن من معاينة قيمة المفهوم جيدا إذا استحضرنا نظرية النشئة والارتقاء لدارون بقواعدها الثلاث : أولا عمليات الحياة المتتابعة تنتج كائنات مختلفة عن أصولها , التنوع وعدم التكرار , التحول • ثانيا الخصائص التي تمكن الكائنات الحية أكثر قدرة على البقاء من بعضها البعض , التكيف • ثالثا الكائنات الحية الجديدة الارتقاء , أكثر قدرة على التكاثرية والاستمرار أطول من الكائنات الضعيفة التي تتعرض للانقراض السريع • وهذا ما سنجده امتدادا للمفهوم من خلال نص لموريس غودولييه في كتابه الذهني والمادي : « الكائنات البشرية على نقيض الحيوانات الاجتماعية الأخرى , لا تقنع فقط بمجرد الحياة في علاقات , بل إنها تنتج العلاقات لكي تعيش • وتبتكر على مدى وجودها سبلا جديدة للفعل والفكر , لتفكر وتعمل سواء بالنسبة لبعضها البعض أو بالنسبة للطبيعة المحيطة بها , ومن ثم فان البشر ينتجون الثقافة ويخلقون التاريخ » • لذلك نرى تفهم مدى حرص ستراوس على وضع خط فاصل بين الطبيعة والثقافة , فإذا أردنا أن نفهم ما هو الفن , الدين , الحق , المطبخ , قواعد الاحترام , اللياقة , يجب أن نتصور كل هذه المظاهر الثقافية كأنساق تتشكل بواسطة تمفصل العلامات على نموذج التواصل الإنساني • إذن من هذه النقطة المسجلة حول المفاهيم السابقة ( النموذج ; البنية ; التطور ) سننطلق من فهمنا لسيرورة تكون المنهج , ووعينا بهذه العملية يحتم علينا إمدادها بأشكال النظر والصراع والنقاش والتفاوض • وتظهر أحكام أولية حولها على إنها محاولة من اجل تحويل العالم السلبي بدون معنى, إلى الانطباع المجرد , الذي يبدو الفكر حبيسا فيه , إلى عالم ثالث تنتشر فيه العلامات والرموز الفائضة بالمعاني • إلى النقطة المسجلة حول علاقة المنهج بالبنية والنموذج والتطور , ومحاكمة العلم بمنهجه , تجعل الانثربولوجيا أمام وظائف استدلالية واستحضار مكونات البحث العلمي الصرف وهي : أولا ملاحظة ما حدث من اجل توقع ما سوف يحدث • ثانيا قيمة المنهج العلمي , هي الدقة الصورية الاكسيومية والمنطقية , ودقة المعنى العيني تطابق النظرية والواقع • وأمام هذا الاعتبار , هل يمكن المرور بالنموذج والبنية والتطور إلى مرحلة عسيرة من العلم هي :الخطأ , وهل يمكن للانثربولوجيا أن تحتمل الخطأ التجريب والميداني , بل هل يسمح لنا هذا المنهج السابق الانثربولوجي في حال الخطأ بمعاودة النظرية , وعلى أي مرجعية استدلالية • هل في النموذج آم في المفهوم , هل في البنية أم في معناها المختبري ؟ وما يزيد في الأمر مفارقة : هو طرح مالينوفسكي للدروس الصعبة التي تلقتها العلوم الإنسانية في صميم هذا الموضوع : السياسة الاستعمارية ; عمل البعثات التبشيرية بأنواعها وأعراقها ; صعوبة الاتصال الثقافي المباشر ; تناسخ الثقافات • وهنا نحن نستطيع القول ونحن مطمئنين في استدلالنا إن استمداد للعلوم الإنسانية مرجعيتها من العلوم الطبيعية كان قيميا في الأساس , والمنهج يعبر عن قوته الاستدلالية من خارج الموضوع , لكنه يصطدم بعوائق من داخل المادة •
2•1 المبحث • أما الآن سنبحث في امتدادات الوضع المفاهيمي والمنهجي للانثربولوجيا في سياق البحوث الاجتماعية المتعددة , والمباحث الأخرى التي تنتمي إلى مجال وميدان واحد تنهل منه وتتقاطع حوله , سيصبح السؤال المفروض ما أساس تعيين ونشوء مبحث ومبدأ تصنيفه وفصله عن البحوث الأخرى , بالأحرى ما نتائج الخطة التي نهجتها العلوم الإنسانية في مسالة المنهج ؟ سنطرح بدورنا السؤال على ستراوس , ولنرى ماذا يقول هذه القضية : « لقد ولدت الانثربولوجيا الاجتماعية من اكتشاف أن جميع جوانب الحياة الاجتماعية : الاقتصادي ; والثقافي ; والسياسي ; والقانوني ; والجمالي ; والديني تؤلف مجموعة دالة , ويتعذر فهم أي جوانبها بدون ردها إلى محلها وسط الجوانب الأخرى , هذه التقنية المستخدمة ليست نفعية تماما ولكنها وظيفية , ولفهم هذه الأخيرة تلحق بمجموع الوظائف اعتبارات سوسيولوجية وليست نقط تاريخية أو جغرافية ا والية أو نفسية – كيميائية , ويلتمس مجموع الوظائف بدوره مفهوما جديدا , مفهوم البنية » وحالة الانثربولوجيا الاجتماعية سيصبح على الأقل مبحثا إذا استطاع أن يبني مشروع على موضوع اختص به وهو موضوع معرفة • وان يحمل على عاتقه تعيين السمات والخصائص التمييز بين المباحث الكبرى كالانثربولوجيا والاثنولوجيا والاثنوغرافيا , أو حالة العلاقة بالتي تقيمها الانثربولوجيا مع مباحث أخرى باليات معينة مثل : علم الاجتماع ; واللسانيات • ويستحضر ستراوس عوامل متعددة : أولا التقليد العلمي الحاصل حول هذه المباحث في الجامعات الفرنسية ; والانجليزية ; والأمريكية • ثانيا استحضار المفاهيم المتكونة من وظيفية وسياق البحث الجامعي • إذن نستطيع القول مع أن العلوم الإنسانية تتشكل من مجموعة بحوث ودراسات تتمفصل وتفترق بالنظر إلى زاوية التراكم المعرفي الموضوعي عبر الجامعات في العالم , إضافة إلى ذلك يكون تكوينها ووظيفتها بالا ساس • الشيء الذي يفسر اعتبار ستراوس بعض الأبحاث في العلوم الإنسانية هي مراحل لبحث واحد • وكل تقليد علمي ينشا باستمرار على اهتمام مهيمن يتجه نحو نمط من البحث وهو لا يستبعد الأنماط الموازية الأخرى • خلاصة الأمر لا تعتبر العلوم الإنسانية علوما إلا في بادئ الرأي والفرضية الأولى , أما في الحقيقة فهي مباحث تطالب بحصر مواضعها وتوظيفها , وهذه الحقيقة قد تؤلم من يعتقد بوصف الدراسات ككل بالعلوم• كما هي الحال في لغتنا المتدوالة • ولذلك فان الانثربولوجيين يسارعون إلى توضيح ما ذا نقصد بمفاهيم والموضوعية والدلالة والصحة • أولا حيث تصبح الموضوعية في الانثربولوجيا تنشد موضوعية أخرى غير تلك التي تصرح في العلوم الحقة , إذ لا يتعلق الأمر هنا بفصل الموضوع عن الذات الدارسة بل معاينة القيم الخاصة بالمجتمع الملاحظ و التحرر من مناهج أفكاره , وبلوغ هذا العمل مرحلة الصياغة الصحيحة كمادة مرجعية لملاحظين محتملين• ثانيا من حيث الدلالة يستدعي هكذا منظور إعادة النظر في العلاقات البشرية عبر الحضارات حول معيار تصنيف المجتمعات ( البدائي , المتمدن , الكتابة , ما قبل الكتابة , التالية , غير الآلية ) أو نقطة زمنية توجه تحديد ما قبل , وما بعد • ثالثا الصحة إذا كان مفهوم الدلالة يعكس كون الانثربولوجيا موجهة في بدايتها إلى نظر الحاضر في الماضي , والرغبة في رؤية الماضي وفهمه عبر الانتاجات المادية والرمزية , فان مفهوم الصحة يكرس نظرة الحاضر إلى نفسه من خلال وسائل الاتصال المتعددة , ويمد الانثربولوجيا بوسيط يسمح بفهم القيم للمجتمعات المتغيرة المعاصرة • المحور الثاني : امتدادات البحوث الانثربولوجية في الدراسات العربية , نموذج أركون • 1•2 التقليد العلمي : البداية • يقر أركون بخصوصية وسياق بحثه العلمي في مقدمات كتبه التي يتعرض فيها لدراسة الفكر والثقافة العربية الإسلامية • فهو من جهة يذكر الظروف المحددة للسياق العلمي والفلسفي والسياسي لأطروحته التي تتجلى في دراساته وأبحاثه • ومن جهة أخرى يشيد بالأبحاث الاستشراقية التي تحضر كدراسات عن تاريخ الفكر والثقافة العربية الإسلامية , وتحضر كمادة أولية لا يمكن الاستغناء عنها , من حيث أنها تعرضت للموضوع وأنها ايضا إجبارية لكونها تقدم نفسها مراجع واضحة ومنهجية في فهم تاريخ الإسلام• لكنه في نفس الوقت يشيد بعملية ضرورية تناط بالدراسات العربية في الموضوع من إعادة مراجعة مفاهيم اداتية وعملية لفهم هذا الفكر وسيروته • إن العمل الاركوني هو يستدعي الشروط العلمية المعاصرة في أفق استراتيجية نقدية وتحليلية لمفاهيم من داخل الثقافة , ثقافة لم تتعرض حتى الآن للتحليل النقدي والتاريخي الصارم • 2•2 الفكر العربي الإسلامي • يحضر مفهوم الحدث الإسلامي في هذا المقام , الذي يستخدمه أركون بدلا من مصطلح إسلام الشائع لأنه يسمح بتجذير الثقافة ككل في التاريخية , ويميز بين العصر الكلاسيكي وعصر الأنماط عن الإسلام نفسه , بل وتزيل البداهة والخلفيات الاديولوجية التي تستمد سلطتها من التبجيل والتقاليد السائدة • هذا المفهوم سيستدعي وجوب الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية ليعكس المسافة الواضحة بين الحدث القرآني بكل تجلياته في القرن السابع الميلادي , وبين الحدث الثقافي الإسلامي الذي تبلور فيما بعد • إذن فرهان أركون الأساسي هو رصد عملية المرور من الحدث القرآني إلى الحدث الإسلامي عبر مناهج تدقق في حركية وملابسات المرحلة ( اللسانيات ; علم الاجتماع ; علم التاريخ ) • ولفهم الحدث القرآني يجب توطينه منهجيا بين مسارين , الأول قبلي : بدائي , القبائل المختلفة ثقافيا في شبه الجزيرة العربية , والثاني بعد القران يمثل ما يصطلح عليه لغويا « بنور الإسلام » , يفترض بداية جديدة موحدة لوحدة مركزية عقدية وسياسية ودينية • لكن بحوث الانثنوغرافيا , ستكتشف فيما بعد عن مخاض تعايش مستمر بين المجتمعات المتعددة اللهجات والأوطان والثقافات الشعبية التي تقابلها والأساطير , هذا التداخل الذي سيتجلى بشكل وضح فيما بعد • ولكل تلك الاعتبارات , يرى أركون أن الحادث القرآني يتجلى في ثلاث مستويات للدراسة : أولا الملابسات السياسية , المذهبية جمع وتكوين المصحف الرسمي • ثانيا الملابسات اللغوية , القران كموضوع لغوي • ثالثا وظيفة النبوة • إذن المرور إلى مرحلة الفكر العربي الإسلامي من هذا المنظور سيتطلب معاينة حجم الظواهر المنبثقة من الفضاء الأول والمتجسدة في صراع النماذج ( الوحي ; كلام الله ; السنة ) مع المنازعات الأولى في تاريخ الإسلام , وصولا إلى صدمة الفكر اليوناني والفكر المشرقي • وكهذه خطة , تسمح للدراسات المتعمقة في الموضوع , بإعادة ترسانة مهمة من المفاهيم إما المغلوطة أو الناقصة أو المتجذرة في ذهنية ثقافة لنفسها • إن حركية المفاهيم التي حاول أركون أن يؤسسها عمليا وتقنيا حول الثقافة العربية الإسلامية , وان كانت مهمة , إلا أنها تستلهم التأسيس لتقليد علمي حول الفكر العربي الإسلامي أكثر من كونها تستلزم أهداف استراتيجية علمية أدركتها ثقافة بعد عملية تراكم موضوعي • لذلك سنجد في كتابات أركون الكثيرة وغالبيتها باللغة الفرنسية الإشادة بالتأسيس الأولي للمفاهيم وتوظيف المناهج المستجدة في الحقل العلمي المعاصر , ونفهم ايضا ماهية تشكل الأطروحات الاروكونية بمعية إشكالات الدراسات الجامعية في اروبا • خاتمة : بعد مراجعة لخصوصية المقام العلمي التي تستعرضه العلوم الإنسانية في مناهجها , ومدى رسو القيم المرتبطة بالحقل العلمي في الدراسات الحديثة تاريخيا , والتي تتناول مفهوم الانسان في الميادين والموضوعات المتعددة • اخذ فهمنا زاوية الاحتياط في الحكم على « العلمي » , وذلك لأنه ينطلق من الانثربولوجيا كمسار محايث لتطور المباحث الإنسانية الأخرى , يفترض أولا وأساسا استقلال المبحث للتناول مسالة منهج المبحث الذي يحضر في مباحث متعددة معبرا عنه بمدى نمذجة الظاهرة الإنسانية لاعتبارات قياسية من الظاهرة الطبيعية • لذلك السبب فان السياق الابستمولوجي لهذا التراكم المعرفي والذي لا يظهر بسهولة مبررا الجوانب الميدانية والتقنية في العلوم الإنسانية • يعطي في نفس الوقت المشروعية للجامعات الاروبية والأمريكية أن تشكل تقليدا علميا يعي شروط الأبحاث وتاريخها • وبناءا عليه يتم رسم سلفا قيمة الأبحاث وحدودها وأهدافها الميدانية • والسياق الابستمولوجي الغربي سيعكس في الأخير رغبة ثقافات في فهم محيطها بناءا على أرضية فكرية ومعرفية آنية تستمد مادتها الأولى من العلوم الدقيقة التي تشكل دعامات التقليد العلمي في اروبا • إن أركون في الحقيقة يشكل اكبر مثال عن هذا الحدث , من حيث طرحه لمسالة البحوث الاستشراقية وقيمتها الميدانية على أنها تندرج أساسا في النقاش المقدم حول العلوم الإنسانية , وان الأمر لا يتعلق بالرجوع إلى الخلف , والاستكانة واللجوء إلى ثقافة عايشت انحطاط وركود معرفي وحضاري • إذن فالمسالة عند أركون تستدعي تعديلا في مسار الرؤية والانطلاق من المراكمة المنهجية الحالية , تعديل مسار الرؤية هو تعديل لمسار وإشكاليات الفكر العربي الإسلامي في اتجاه مسألتي الوعي والتقدم • فالمثقف سيصبح هنا مطالبا بالجدة في المنهج وبقيمة الدقة والإنتاج , لكنه أمام ثقافة في الأخير هي ثقافته , لهذا يضطر المثقف الدارس والحامل لهذا المشروع , إلى النظر مجددا إلى هذا الحوار من ناحية المنطوق والشفهي والوجداني القيمي ليحضر مفاهيم الاستيعاب والتأثير والتأثر • وعندما سنستعرض الإغراض الإستراتيجية للعلوم الإنسانية التي تكون إما مصرح بها أو ضمنية أو مخفية , نكون إمام قيم السعادة والتقدم وإنتاج المساواة والعدالة والحرية والحقيقة إلى غير ذلك فالمثقف يجب أن يكون فهمه وتداوله للخطاب العلمي أن يستحضر مستوياته التي تعطي المشروعية للسياق الثقافي والحضاري لهذا الفكر أن يبدو مرتبطا بالمجتمع بشكل واضح , المستوى الأول : مرتبط بالغرض , والقيمة , الحوار والجمهور • المستوى الثاني : المنهج والأدوات الاستدلالية • | |
|