تصور مقترح لدور الأسرة في التعامل مع تحديات ثورة المعلومات :
الأسرة في عالمنا المعاصر تعايش وضعية معقدة من التحولات الكبرى الحادثة في صلب الحياة الإنسانية المعاصرة، وهي بالتالي تواجه فيضاً متدفقاً من التحديات المصيرية، التي تنأى بها عن دورها الإرشادي والتوعوي الفاعل في زمن يختنق بتحولات العولمة والميديا وثورة الثقافة والمعلوماتية ، لقد أثرت صدمة التغير على الأسرة فوضعتها في حالة إحباط واهتزاز وتصدع ، أحاط بكيانها وأدوارها ورسالتها الأساسية في توجيه الجيل وتربية النشء ، وجعل مهمة التعرف على الطرق المناسبة للتربية مهمة في غاية الصعوبة ، خصوصاً وأن اتساع الفجوة بين الأجيال ازداد بسرعة فائقة ، لقد تقدمت المعلومات والمعارف بسرعة مذهلة مما جعل معارف الكبار تبدو قديمة وغير مناسبة لمتطلبات العصر وتطلعات الأجيال الصغيرة الأمر الذي أوجد صعوبة في السيطرة التربوية للأسرة على الأبناء في ظل الظروف المعاصرة والإمكانيات التقنية .
إن الدلائل كافة تعلن صراحة أن البشرية تتجه الآن وبسرعة رهيبة إلى عالم مختلف غريب ، مثير وبالغ الخطورة ، في الوقت الذي تتكثف فيه الدعوات المنادية إلى ضرورة تنشئة الأطفال على أسس تتمشى مع القيم والثوابت والمثل العليا وإنتاج مواطنين تمتد جذورهم في ثقافتهم الخاصة ، وملتزمين بتقدم المجتمع والمشاركة الفاعلة في مسار انطلاقة نحو غاياته الحضارية . وبقدر ما نضع حدوداً لطرائق التفكير والتخيل التي تجعل من السلوكيات ضرباً من ضروب التصرفات التي يحكمها منطق التعقل والتنظيمات الاجتماعية التي تعمل معاً لتحقيق مجتمع الرفاهية والرخاء لجميع الطبقات الاجتماعية ، وبالرغم من الأشواط التي قطعها المجتمع على بعض الأصعدة تظل الأسرة مسئولة عن قواعد السلوك وأسس التعامل في المجتمع سلباً أو إيجاباً ، فالحقيقة البارزة التي لا تغيب عن الأذهان أن حياتنا الاجتماعية قد عانت تغيراً قوياً وأساسياً ، فإذا أريد لتربيتنا أن تحتوي على معنى للحياة أيا كان ، فعليها أن تجتاز تبدلاً شاملاً وتغييراً في جو الأسرة الأخلاقي ، وتقديم عوامل أكثر فعالية وتعبيراً ، وتوجهاً صادقاً للذات، تلك ضرورات حتمية لتطور إنساني أعظم وبناء جيل قادر على التعامل بواقعية مع حياته ويمتلك القدرة على التخيل والحلم والافتراض الايجابي الذي يساهم في تطوير مهارات وتنمية وتطوير مجتمعه.
وتعد السنوات الأولى في حياة الصغار هي الأساس الذي تقوم عليه الحياة النفسية المستقرة المتألقة المتوافقة مع الحياة الاجتماعية لأبناء المستقبل ، والصغار يدركون من واقع البيئة الاجتماعية التي يعيشون فيها ، كيف يخضعون للأعراف والتقاليد والقيم التي تسيطر على الأسرة ، وكيف تنمو لديهم القدرة على الاندماج في الحياة الاجتماعية والنماء السوي دون خلل أو اضطراب ، وبناء الشخصية النامية عبر مراحل العمر المختلفة .
وبما أن الأسرة تشكل خط الدفاع الأول في توجيه وحماية فلذات أكبادنا وتزويدهم بالمعارف والخبرات التي تلاحظ حاجتهم إليها وتنمية الشخصية المستقلة فيهم ، وتعويدهم على صناعة القرار والتنفيذ وتحمل مسؤولية النتائج وفي ضوء طبيعة العصر وما يعكسه من الثورة التكنولوجية في كافة مناشط الحياة الاجتماعية والتعليمية والتثقيفية والترويحية ، فإنه يتوقع من الأسرة المعاصرة مهما كانت درجة تعليمها أو ثقافتها العامة أو الخاصة بالكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا ، أن تعمل على تطوير معارفها ومهاراتها التقنية المعاصرة تدريجياً لتمكينها من التوجيه والإرشاد والإشراف على الأبناء خلال استعمالهم لهذه التقنيات الحديثة ولمشاركتهم ما يقومون به من تعلم وتثقيف بواسطتها والوقوف في وجه التحديات والمخاطر الداهمة ، وتشكيل درع واقي لحماية الأطفال وتوعيتهم والعمل على نشر الثقافة السليمة بينهم ولاشك أن الأدوار الأسرية للأم والأب والأبناء وعلاقات أفراد الأسرة إذا كانت مفقودة أو مشوهة تسودها الخلافات وردود الفعل وعدم الاهتمام ، فأطفال تلك الأسر يلجأون للإدمان على الإنترنت والكمبيوتر والألعاب الإلكترونية مؤدياً بهم ذلك إلى تمرير وقتهم ونسيان الأسرة ومشاكلها وتقليل فرص التفاعل معها لأدنى درجة ممكنة وتعميق الفجوة النفسية والعملية بالنتيجة التي تفصلهم عن الأم والأب ، حيث تضعف أو تنعدم الأدوار الأسرية للأب والأم والأبناء ، والتثقيف الأسري والعلاقات الأسرية ولا يبقى من هوية الأسرة الشرعية والنفسية والاجتماعية سوى شكلها الظاهري دون جوهرها الفعلي في الواقع .
تدل دراسات عديدة على أن الأفراد في المجتمعات الأوروبية والعربية والمجتمع الأمريكي يقضون ما يزيد على خمس وعشرين ساعة في الأسبوع في مشاهدة التلفزيون وتزداد هذه الفترة في أوساط المتقدمين في السن والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والخامسة عشرة. وتختلف هذه النسب من مجتمع إلى آخر، ولكن الدراسات التي اتجهت لتقييم آثار البرامج التلفزيونية على الأطفال، وعلاقتها بتصاعد العنف والجريمة، تؤكد تأثير الأفلام التي يتخللها لقطات عنف على إعادة إنتاج العنف من قبل الأطفال... إذ أكدت 67 دراسة على وجود رابطة قوية وواضحة في 75 بالمائة من حالات العنف في صفوف الأطفال،وتؤكد دراسة (Hodge and Tripp, 1986)على أن استجابة الأطفال للبرامج التلفزيونية لا تقتصر على التقاط مضمونها وتسجيله في أذهانهم بل أنهم يتجاوزون ذلك إلى قراءة محتويات البرامج وتفسير ما يشاهدونه، وتلاحظ هذه الدراسة أن الأطفال، حتى بمشاهدتهم لأتفه التفاصيل، فإنهم يربطون ما يشاهدونه بمنظومة من المعاني والمواقف التي تولدت في نفوسهم بفعل عملية التنشئة الاجتماعية، وعلى الرغم من إدراكهم بأن ما يشاهدونه ليس واقعيا ولكنهم يميلون إلى ربطه بمواقف ومشاعر واقعية وأحداث فعلية تعرضوا لها في حياتهم العائلية. ()
والأسرة عليها دور أساسي في توجيه أطفالها وتربية شخصياتهم الذاتية وتنمية صناعة القرار لديهم ، وتعويدهم عملياً على ممارسته في المواقف الأسرية والمدرسية والاجتماعية المتنوعة ، لكي يتمكن الأبناء من تحقيق أهدافهم الشخصية والأسرية بأقصى ما تسمح به ظروف الزمان والمكان ، بدون الوقوع في مخاطر : الإدمان على الإنترنت والتكنولوجيا المعاصرة ، أو الانزلاق في انحرافاتها ، أو الإذعان لمطالب وتأثيرات الأقران السلبية . () بالاضافة إلي إن وعي الأسر واهتمامهم بمتابعة استخدام أبنائهم للوسائل التكنولوجيا يعتبر من الأمور المهمة والتي يمكن أن تسهم في زيادة فهم الأبناء واستيعابهم لما يعرض عليهم سواء عن طريق الانترنت أو البرمجيات المعدة لهم . وهذا يتطلب أن يكون الوالدين على وعي وفهم وقدرة على معرفة ما يستخدمه أبنائهم من خلال هذه الوسائل لتزداد قدرتهم على متابعتهم ومشاركتهم أيضا ، وبالتالي يمكن أن يحقق هذا جوانب ايجابية في شخصية الأبناء وهو الأمر الذي يجب أن نسعى إليه(24). ودور الأسرة الذي يجب أن تلعبه للحد من التأثيرات السلبية للثورة المعلوماتية يتمثل في:
1- التنشئة المعلوماتية : وتعني فهم الأسرة لكيفية عمل الوسائل التقنيةالحديثة ( الحاسب الالي و الانترنت ،التليفون المحمول، البث الفضائي .. إلخ ) والكيفية التي تؤثر بها على حياتنا وكيفية استخدامها بصورة حكيمة و إيجابية.
2-المسؤولية الاتصالية: وتعني تأثير الأسرة في أهداف وبناء وسياسات الاتصال من خلال تبني مواقف وأفعال تجاه ما تبثه هذه الوسائل . وعلى مستوى المسئولية الاتصالية، يستطيع الوالدان أن يساعدا أطفالهما على الاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة من خلال وضع مجموعة من الأسس التي يمكن أن تسترشد بها الأسرة المعاصرة للقيام بدورها في التعامل مع الآمال والأخطار الناتجة عن ثورة المعلومات على أطفالهم وأهمها :-
§ على أفراد الأسرة (الأب والأم والأخوة الكبار) تطوير معارفهم التقنية وزيادة الألفة بينهم وبين التكنولوجيا المعاصرة وذلك تحت شعار (تعّلم وعلم أولادك المزيد عن الانترنت وفوائده وأضرارها وكيفية تجنب والوقاية من تلك الأضرار).
§ بالنسبة للحاسب الالي والانترنت ، وضع جدول لأوقات استخدام الانترنت وما يفعله الاطفال للاستفادة من الانترنت منذ وقت مبكر مثل ما يفعل الوالدان مع بقية الأنشطة الأخرى للطفل. و وضع حدود لأوقات استخدام الانترنت ، أي تحديد مدة بقاء الطفل أمام الشاشة، وهذا يتضمن ألعاب الكمبيوتر وخدمة الانترنت. والطريقة الملائمة لتحقيق ذلك تكمن في استخدام المؤقت الزمني؟ وعندما ينتهي الوقت فإن وقت استخدام الطفل للإنترنت قد انتهى بدون أيةاستثناءات. فالأكاديمية الأمريكية للطفولة توصي بألا يزيد عن ساعة أو ساعتين للبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو يوميا للأطفال الأكبر عمرا وبدون وقت للشاشة للأطفال الأقل من سنتين().، و ذلك لإتاحة الفرصة للأطفال لممارسة الألعاب الجسدية والحركة بعيداً عن الجلوس أمام جهاز الكومبيوتر ().
§ يجب أن نساعد أطفالنا على إدراك والتفريق بين الخيال والافتراض الذي يمكن تحقيقه وبين الخيال والافتراض الذي لا يمكن تحقيقه ، ويجب تقديم القيم الأخلاقية للأطفال في التعامل مع الآخرين والتي لا تشجع العنف ، وإعلامهم بأن عالم الألعاب والأفلام العنيفة لا يمثل عالم الواقع .
§ ينبغي أن تكون جميع أنشطة الأطفال في استخدام الانترنت تحت ملاحظة الآباء ،و جعل استخدام الكمبيوتر والانترنت مع الأطفال نشاطا عائليا ومناقشة الأطفال فيما يرون ويسمعون ويقرؤون ، يمكن مشاركتهم في اللعب حتي يشعروا باهتمام الاباء بهم . وعندما يكون الوالد شريكا مع الأطفال في تعاملهم مع وسائل الإعلام فإنه يستطيع مساعدتهم على التحليل والتساؤل ومقاومة معنى الرسائل بأنفسهم.
§ أن يوضع الكومبيوتر الذي يتيح هذه الخدمة في أماكن مفتوحة للأسرة وليس خلف أبواب مغلقة . وإذا سمح للأطفال بوجود الكمبيوتر في غرف نومهم ، لابد من معرفة ماهية المواقع والالعاب والبرامج ( مثل برامج الشات - لآن ليس جميع برامج الشات آمنه فهناك برامج شات ضارة وتعتمد علي الاباحية ونشر صور فاضحة مثل البال توك ، والكومفروج ، الاسكاي بي ، وغيرها – افلام وما ينطبق علي الشات ينطبق علي بقية الاستخدمات – الموسيقي التي يستخدمونها و مراقبة اختياراتهم . وإذا كان هناك مدخلا للانترنت فلا بد من مراقبة الأطفال أثناء استخدامهم له ( ليس من الضروري المراقبة المباشرة للطفل ولكن يجب أن يكون الولدين علي دراية بكيفية التعرف علي ما قام الاطفال باستخدامه من مواقع من خلال استخدام برامج تتيح ذلك أو من خلال ما يقوم الكبيوتر بحفظه وذلك بدون أن يشعر الطفل لأن غالبا ما يكون الاطفال علي دراية تامة بكيفية تنظيف الجهاز من المحفوظات بعد الاستخدام ).
§ مصاحبة الأبناء في استعمالاتهم للكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا المعاصرة حيث تكتسب الأسرة تدريجياً الخبرات وما يفيدها في وعي ما يمارسه الأبناء على الإنترنت ، وتوجيه ما يلزم في تعاملاتهم مع التكنولوجيا المتنوعة المعاصرة في المعلومات والتربية والترفيه المفيد الهادف .
§ أن تضع الأسرة اتفاقات فيما بين أفرادها وخصوصاً الأطفال في استخدامهم للانترنت حول عدم الإدلاء بأية معلومات أو صور خاصة أو ملئ استبيانات أو إرسال بريد الكتروني أو استخدام مواقع الدردشة إلا تحت إشراف الوالدين .
§ أن تستخدم الأسرة البرامج المخصصة للحماية من التعرض للمواد والمواقع غير المناسبة أو أوامر التحكم في ذلك والمتوفرة ببرامج تصفح الانترنت .
§ أن تساعد الأسرة أطفالها لتوفير قائمة بالعديد من المواقع الجذابة والمناسبة له والتي تذخر بها الانترنت ، وبالطبع يجب أن تفحص الأسرة تلك المواقع جيداً قبل تقديمها للطفل(25) .
§ النظر للآثار الجانبية للانترنت على الأطفال والمراهقين والأثرالذي تتركه عليهم. وهذا مهم جدا إذا ظهر من الطفل أي من السلوكيات التالية: - أداء دراسي ضعيف- ضرب أو دفع الأطفال الآخرين التحدث مع الكبار بعنف- أحلام مزعجة باستمرار- الإكثار من تناول الأطعمة غير الصحية- التدخين أوتعاطي المسكرات والمخدرات. فالتعامل الواعي والعقلاني مع هذه الظاهرة هو من الضرورة بمكان لمواجهة عولمة ثورة الاتصالات وحماية الأجيال الناشئة من الآثار السلبية التي يمكن أن تحمل بين ثناياها إغراءاتها التي تجذب الشباب دون قيود أو ضوابط، ويجب أن يتعاون الأهل والمدرسة والمجتمع لإنشاء جيل سليم واع يرتقي بتفكيره ويحمل مسؤولياته في النهوض بالمجتمع إلى الأمام.
§ مناقشة الأطفال بصفة مستمرة فيما يشاهدونه أو يلعبونه وإمدادهم بالمعلومات والمعارف التي تجعلهم يتعاملون بايجابية فيما يشاهدونه أو يقومون باللعب والترفيه من خلاله . ومن هذا المنطلق يؤكد الباحث على أهمية توظيف التكنولوجيا المعاصرة بكل استخداماتها في تحقيق التنشئة المعلوماتية، وتنمية المهارات و التفكير وتأسيس الخبرات العملية لدى الطفل ، وذلك من منطلق استثمار طبيعة مرحلة الطفولة والتي تظهر في طبيعة الطفل ورغبته في البحث والسؤال والاستفسار لاستكشاف البيئة المحيطة ، ومن هنا يجب توظيف تطبيقات التكنولوجيا المعاصرة في:-
§ إكساب الطفل المفاهيم الأساسية عن نفسه وعن البيئة المحيطة شريطة أن تكون لهذه المفاهيم قيمة وظيفية في حياة الطفل ومراعية لسياق النمو .
§ تنمية بعض مهارات التساؤل ـ البحث ـ الاستقصاء ـ التجريب ـ الاستكشاف دقة الملاحظة وحب الاستطلاع .
§ توجيه الأطفال إلى استخدام الأسلوب العلمي في التفكير .
§ مساعدة الأطفال على اكتساب بعض الاتجاهات والاهتمامات العلمية والاستناد إليها في مواجهة المشكلات اليومية .
§ تنمية قدرات الطفل في التعامل مع ما يزخر به العصر من تحديات علمية ومنتجات تكنولوجية .