المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
التنمية المجتمعات التخلف الاجتماع التغير موريس الجماعات المجتمع العمل كتاب التلاميذ الجريمة المرحله تنمية والاجتماعية الجوهري الاجتماعية الاجتماعي اساسيات الالكترونية الخدمة الشباب في العنف البحث محمد
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
محمود عبدالعليم
عضو نشيط جدا
عضو  نشيط جدا
محمود عبدالعليم


عدد المساهمات : 81
نقاط : 185
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

بطاقة الشخصية
حقل: 1

آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Empty
مُساهمةموضوع: آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .   آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالسبت سبتمبر 25, 2010 2:20 am

الكتاب : آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .
عرض أ. د. مصطفى محمد رجب
عن صحيفة الحرس الوطني

يحتل موضوع الحداثة موقعاً فكرياً بارزاً في عالمنا المعاصر، ويطلق مصطلح الحداثة بوجه عام على مسيرة المجتمعات الغربية منذ عصر النهضة إلى اليوم، ويشمل: الترشيد الاقتصادي والديمقراطية السياسية والعقلانية في التنظيم الاجتماعي، وهذه المسيرة قد أصبحت الآن محل مراجعة من جانب الفكر الغربي نفسه.
وفي واحد من أحدث مطبوعات المشروع القومي للترجمة التابع للمجلس الأعلى للثقافة (المصري) يتناول كتاب "نقد الحداثة "لـــ "آلان تورين" فكرة الحداثة، في شكلها الأكثر طموحاً التي تعني التأكيد على أن الإنسان هو ما يفعله. وقد جاء الكتاب في 477 صفحة من القطع المتوسط مقسم إلى ثلاثة أجزاء كل جزء يحوي عدداً من الفصول.
وقد أراد المؤلف منذ البداية أن يتحرر من أسر المدرسة الفرنسية في السوسيولوجيا وريثة أوجست كونت ودوركايم التي كانت تدرس الظواهر الاجتماعية، متمثلة في القاعدة الأولى في منهج دوركايم، باعتبارها "أشياء" لها وجودها المستقل عن الأفراد، بل لها قوة إلزامية على الأفراد.
في الجزء الأول "الحداثة المنتصرة" المقسم إلى ثلاثة فصول يتناول المؤلف الأيديولوجية الحداثية التي ترتبط بالصيغة، ذات الخصوصية التاريخية، للتحديث الغربي فهي لم تنتصر فقط في مجال الأفكار مع فلسفة التنوير فقد سادت أيضاً في المجال الاقتصادي، حيث أخذت صورة الرأسمالية وهي التي لا يمكن اختزالها إلى اقتصاد السوق وإلى الترشيد.
يتعلق اقتصاد السوق بتعريف سلبي للحداثة، فهو يعني اختفاء أي إشراف كلي على النشاط الاقتصادي، واستقلاله عن الأهداف الخاصة بالسلطة السياسية أو الدينية وعن آثار التقاليد والامتيازات. أما عن الترشيد فهو عنصر لا غنى عنه للحداثة، فيتحدد النموذج الرأسمالي للتحديث على العكس بواسطة فاعل مدير هو الرأسمالي. بينما اعتقد سومبارت أن التحديث الاقتصادي قد أدى إلى تفكيك كل أشكال التحكم الاجتماعية والسياسية، وإلى فتح الأسواق وتقدم الترشيد أي إلى انتصار الربح والسوق.
وعن النزعة التاريخية يتحدث المؤلف في النتيجة الرئيسية للتحديث الاقتصادي المتسارع التي كانت تغيير مباديء الفكر العقلي إلى موضوعات اجتماعية وسياسية عامة . فبينما كان القادة السياسيون والمفكرون الاجتماعيون في القرن السابع عشر مشغولين بالنظام والسلام والحرية في المجتمع، انشغل المفكرون طوال القرن التاسع عشر وجزء من القرن العشرين بتحويل القانون الطبيعي إلى إرادة جماعية، وتمثل فكرة التقدم أفضل تعبير عن هذا التسييس لفلسفة التنوير.
وكما يقول المؤلف فإن واجب المثقفين الأول اليوم هو أن الثورة كانت دائما نقيض الديمقراطية. إن الحداثة ليس هي انتصار الواحد ولكن اختفاؤه وتأسيس إدارة العلاقات المعقدة والضرورية بين التحديث وبين الحرية الفردية والجماعية.
وبعد هزيمة الفكر المسيحي والحق الطبيعي أمام فلسفة التنوير، ما هو شكل العودة للذاتية تلك العودة التي ينبغي لها أن تعقب النزعة التاريخية؟ ولمثل هذه الصيغة ميزتان: الأولى هي أنها تضعنا اليوم على مسافة متساوية من الفكر في كل من القرنين الماضيين وتجبرنا على الاعتراف بكل من نداء العقلانية وتحرير الذات الشخصية. والثانية هي أن نقبل وضع تأملاتنا - على حد تعبير المؤلف - في سياقها التاريخي، ليس بالقطع في صورة تدرج مراتبي لأشكال التحديث أو لمراحل النمو الاقتصادي، ولكن في بحث عن أشكال من التدخل يجريها المجتمع على ذاته ويمكنها أن تدعو إلى تحديد جديد للعلاقة بين الفعالية والحرية. أعطت الحداثة الأولوية لعملية تدمير الماضي وللتحرير وللانفتاح. ثم أعطت فلسفات التاريخ والتقدم محتوى وضعياً للحداثة.
وفي الجزء الثاني "الحداثة في أزمة" يتحدث عن مراحل الأزمة، فبقدر ما تنتصر الحداثة تفقد قدرتها على التحرير؛ فدعوة التنوير مؤثرة عندما يكون العالم غارقا في الظلام والجهل، وفي العزلة والعبودية. لا مفر من النفاذ لفكرة الحداثة، لأنها لا تتحد كنظام ولكن يمكن تعريفها، باستعارة تعريف "شومبيتر" للرأسمالية كحركة للتدمير الخلاق، الحركة تجذب من كانوا قابعين في السكون، وتؤدي للإرهاق والدوار إذا كانت مستمرة ولا تسير إلا بتسارعها الخاص.
ولأن فكرة الحداثة نفسها هي فكرة نقدية وليست فكرة بناءة فهي تنادي بنقد مفرط في الحداثة. وهو ما يحمي من الحنين إلى الماضي الذي نعرف كيف ينقلب بسهولة إلى مسار خطير.
وفي نقده للحداثة يقول المؤلف: إذا كان الفكر الحداثي، سواء في صيغته الليبرالية أو في صيغته الماركسية، يقوم على تأكيد الصلة بين تحرير الفرد والتقدم التاريخي معا وهو ما وجد تعبيرا له في الحلم بخلق إنسان جديد في مجتمع جديد، فإن نيتشه وفرويد قد حطما فكرة الحداثة، فلا يوجد هناك مبالغة في الإقرار بأن هذا التحطيم للحداثة كان نهائياً وأنه ما زال على قوته كما كان في نهاية القرن التاسع عشر، خاصة أن الفترة الكبرى للنمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية قد أدت إلى بعث فلسفات التقدم.
وقد أدى تأثير الحزب الشيوعي وخصوصاً في فرنسا إلى الاحتفاظ بمذهب التقدم يغلب عليه الطابع الأيديولوجي، إلا أنه لم يكن قوياً لدرجة تولد الثقة في المستقبل، بل على العكس لقد مارس تأثيراً وهو التنديد بالأزمة العامة للرأسمالية وبالإفقار النسبي، بل والمطلق وهو ما قضى على الفكر الاشتراكي الذي كانت الثقة في الطبقة العاملة الثورية بالنسبة له لا يمكن لها أن تنفصل عن الاعتقاد في الحركة الطبيعية للاقتصاد وعن مزيد من إضفاء الطابع الاجتماعي للإنتاج.
ثم يتناول المؤلف مخارج من الحداثة لم تسد فكرتها إلا قبل بناء المجتمع الصناعي، كان النضال ضد الماضي وضد نظام الحكم القديم والاعتقادات الدينية، والثقة المطلقة في العقل يعطي للمجتمع الحديث قوة وتماسكاً، سرعان ما زالا عندما حلت الخبرة محل الأمل، وعندما أصبح المجتمع الحديث واقعاً وليس فقط النقيض للمجتمع الذي أريد تدميره وتجاوزه.
إن تاريخ الحداثة هو تاريخ انبثاق الفاعلين الاجتماعيين والثقافيين الذي تخلصوا تدريجياً من الإيمان بالحداثة كتحديد ملموس للخير. فقد كان المثقفون بعد نيتشه وفرويد هم أول من رفضوا الحداثة، وكان التيار الأكثر تأثيراً في الفكر الحديث من هوركهايمر وأصدقائه في مدرسة فرانكفورت إلى ميشيل فوكو، قد ذهب بنقد الحداثة بعيداً، وانتهى بأن عزل المثقفين تماماً عن المجتمع الذي كانوا يصفونه باحتقار كمجتمع جماهير.
إن القرن العشرين هو قرن سقوط الحداثة حتى وإن كان هو قرن غزو التكنيك، ويسود الحياة الثقافية اليوم الرفض العنيف والمتأخر للنموذج الشيوعي الذي كان الأمل الكبير لهذا القرن، ليس فقط للمناضلين العماليين أو للحركات المعادية للاستعمار، ولكن لعدد كبير من المثقفين. ويسودها أيضاً رفض كل فكر التاريخ، كل تحليل للفاعلين التاريخيين ولمشروعاتهم، ولصراعاتهم وللشروط وللديمقراطية للمواجهة بينهم. يميل العالم الغربي في غمرة نشوته بانتصاره السياسي والأيديولوجي إلى الليبرالية، أي إلى استبعاد الفاعلين وإلى اللجوء إلى مباديء كونية للتنظيم، التي يطلق عليها، حسب مستوى التعليم: النشاط المهني للأشخاص المعنيين، المصلحة أو السوق أو العقل.
عالم اليوم الذي تراه بعض العقول موجوداً حول قيم "غربية" انتصرت على الفاشية والشيوعية وقومية العالم الثالث، إنه هو في الواقع ممزق بين العالم الموضوعي والعالم الذاتي، بين النظام والفاعلين. نرى منطق السوق العالمي ينتصب مواجهاً منطق السلطات التي تتحدث عن الهوية الثقافة. فمن جانب يبدو كلياً، ومن جانب آخر تبدو التعددية الثقافية بلا حدود. كيف لا نرى في هذه التمزقات الشاملة تهديداً مزدوجاً لكوكبنا؟ وبينما يستحق قانون السوق مجتمعات وثقافات وحركات اجتماعية، ينغلق هوس الهوية في تعسف سياسي شامل لدرجة أنه لا يستطيع البقاء والاستمرار إلا بالقهر والتعصب. وليس التأمل في تاريخ الأفكار فقط هو الذي يدعونا إلى إعادة تحديد الحداثة، إن المواجهة المكشوفة بين ثقافتين ونمطين من السلطة هي التي تجبرنا على أن نجمع ما انفصل دون الرضوخ للحنين للوحدة المفقودة للكون.
وفي الجزء الثالث "ميلاد الذات" يرى المؤلف أن انتصار الحداثة العقلانية قد رُفض أو نُسِي، أو حُبِس في مؤسسات قهرية، كلما بدا أنه يقاوم نتصار العقل، وماذا لو كان صلف رجل الدولة والرأسمالية، بدلاً من أن يخدم الحداثة يكون قد بتر جزءاً ربما هو الجوهري فيها، تماماً كما تدمر الطلائع الثورية الحركات الشعبية للتحرير بصورة انجح وأوثق من أعدائها الاجتماعيين والقوميين؟ فعلينا ألاّ نتأخر في إغلاق بعض الطرق التي تؤدي إلى إجابات زائفة، وأولها طريق العداء للحداثة. يقبل العالم الحالي فكرة الحداثة ويدعو إليها. يوجد فقط بعض الأيديولوجيين وبعض المستبدين يدعون إلى الجماعة المنغلقة على تراثها وأشكال تنظيمها الاجتماعي ومعتقداتها الدينية. لقد صارت كل المجتمعات تقريباً مخترقة.
والطريق الثاني الذي يجب علينا تجنبه هو ذلك الطريق الذي تشير إليه صورة "الإقلاع"، فقد كان الدخول في الحداثة يفترض جهدا، وانتزاعا من أرض التراث. ثم بعد مرحلة من الأعاصير والأخطار، يصل إلى سرعة رتيبة واستقرار يسمح بالاسترخاء وبنسيان حتى نقطة الرحيل ونقطة الوصول وبالاستمتاع بالتخلص من الأعباء العادية.
وهناك طريق ثالث مسدود، وهو الذي يطابق بين الحداثة، والفردية، بين الحداثة والقطيعة مع النظم التي يسميها لويس دومون كلية.
إن الصورة المنظورة للحداثة اليوم هي صورة الفراغ، صورة السيولة الاقتصادية، وسلطة بلا مركز، وصورة مجتمع بلا فاعلين. هل يمكن لنا أن نطلق كلمة فاعل على من يسلك طبقاً للعقل أو لاتجاه التاريخ ذي البراكسيس غير الشخصي؟ ألم يسقط لوكاتش في المفارقة عندما رفض أن يعتبر البرجوازية فاعلاً تاريخياً لأنها تنظر إلى نفسها وتهتم بمصالحها لا بعقلانية التطور التاريخي كما هو الحال مع البروليتاريا؟ وفي المقابل هل يمكن أن نعتبر العميل المالي أو الرأسمالي الذي يستطيع أن يتعامل مع الظروف ويقرأ مؤشرات السوق فاعلاً؟ بالنسبة للفكر الحديث يعتبر الوعي دائماً وعياً زائفاً. وقد حبذت المدرسة العامة في فرنسا، التي تمثل تعبيراً متأخراً ومتطرفاً للأيديولوجيا الحداثية المعروفة العلمية، تشكيل الشخصية.
ينطوي اليوم جزء من العالم على البحث عن هويته القومية أو الجمعية أو الشخصية والدفاع عنها، في حين أن جزءاً آخر على العكس، لا يؤمن بالتغير ولايرى العالم إلا كسوق ضخم تظهر فيه المنتجات الجديدة بلا توقف. ويعتبر العالم بالنسبة للبعض مؤسسة إنتاجية أو مجمع إنتاج، في حين أن البعض الآخر يجذبهم في نهاية الأمر ما هو غير اجتماعي، أي ما يطلق عليه الوجود أو الجنس.
في قلب الشذرات المحملة بالقيم المتعارضة للحياة الاجتماعية ينهمك في العمل جماعات كالنمل مقيدة بالعقلانية التقنية: منفذون، موظفون، فنيون، ذوو مراكز عليا أو دنيا... يدور كل شيء حول انشغالهم بغايات عملهم.
إن الحداثة الجديدة تجمع ما بين العقل والذات، كل منهما يندمج بالآخر كعنصرين متحدين ضمن العناصر الثقافية للحداثة المنفرطة. إن الحداثة التي كانت قد كتبت وأسقطت نصف حصيلتها بتطابقها مع نموذج غازي وثوري في التحدث، نموذج الصفحة الجديد الذي يلغي الماضي... يمكن لها أخيراً أن تجد نصفها الآخر، والحداثة ليست إلا علاقة وتوتر بين العقلانية والذاتية، بل إن غياب مثل هذا الاندماج بين هذين المبدأين أمر أساسي لتعريف الحداثة ولاستبعاد فكرة المجتمع وهدمها، ويستبدل بها فكرة التغير الاجتماعي.
وأخيراً فإن هذا الكتاب من الكتب المهمة. وترجع أهميته إلى أنه لا يتعرض لجانب واحد لهذا الفكر ولكن ينظر إليه من زوايا مختلفة، ولذا نجد أن العرض النقدي الذي يقدمه تورين يشمل الفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع والفلسفة السياسية وفلسفة التاريخ وعلم النفس.
ومن هنا تأتي أهمية الكتاب بالنسبة للقاريء العربي إذ يمكنه أن يلم إلماماً شاملاً بكافة أبعاد أشكال الحداثة المطروحة الآن على الساحة الفكرية، كما أن الكتاب يزود القاريء بنظرة جديدة إلى الفكر الغربي وذلك لأن تورين، في عرضه النقدي الواسع لتطور هذا الفكر، لم ينشغل بالكشف عن صواب فكرة ما وخطأ أخرى، وإنما يتناول الموضوع من خلال مبحث تاريخ الأفكار، وهو المبحث الذي يعنى بالكشف عن سياق ظهور الفكرة وازدهارها وأفولها وعن وظيفتها الاجتماعية في مرحلة تاريخية معينة.
وجدير بالذكر أن هذه الأفكار لم يقتصر دورها على المجتمع الغربي وحده وإنما امتد تأثيرها إلى العالم بأسره، ومما لا شك فيه أن هذا المنظور الجديد للفلسفات والنظريات الغربية بالغ الأهمية للقاريء العربي، خاصة أن مجتمعاتنا تضع استكمال عملية التحديث على رأس أولوياتها.
ولقد ساهم مترجم هذا الكتاب بالفعل في تزويد المكتبة العربية بكتاب يلقي مزيداً من الضوء على ما يعتري الفكر من مشكلات في بداية الألفية الجديدة.
نقلا عن : http://www.arabworldbooks.com/Reader...ue_review2.htm

محتويات الكتاب :

مقدمة المترجم
مقدمة المؤلف
الجزء الأول : الحداثة المنتصرة .
الفصل الأول : أنوار العقل
الفصل الثاني : النفس والحق الطبيعي
الفصل الثالث : اتجاه التاريخ
الجزء الثاني : الحداثة في أزمة
الفصل الأول : التفكك
الفصل الثاني : تدمير الأنا
الفصل الثالث : الأمة والمؤسسة والانتاجية والمستهلك
الفصل الرابع : المثقفون ضد الحداثة
الفصل الخامس : مخارج من الحداثة
الجزء الثالث : ميلاد الذات
الفصل الأول : الذات
الفصل الثاني : الذات كحركة اجتماعية
الفصل الثالث : أنا المتكلم ليست الأنا
الفصل الرابع : الظل والضوء
الفصل الخامس : ما هي الديموقراطية ؟
نقطة الوصول : صورة المجتمع .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Empty
مُساهمةموضوع: رد: آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .   آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالأحد نوفمبر 14, 2010 10:17 pm

الكتاب : آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .
عرض د. اسماعيل نوري الربيعي
عن صحيفة الزمان

يقولون بين العقل والجنون شعرة، فاصلة تقوم علي المفارقة والتباين الصارخ وبقدر ما يكون العقل مفتاحا لاطلاق الأسئلة داخل نطاق محددتهما توسع وكبر فضاءه، فان هذا المحدد لا بد أن يكون المسؤول عن الافصاح عن نيرة العقل داخل هذا النطاق، حيث الانفتاح علي آلية الحراك في مجال الوعي ما بين عمليتي التقلص والتمدد.
دشنت أوروبا القرن العشرين وهي في أشد حالات التوتر مع العقل والواقع ان التوتر هذا لم يكن ولادة مفاجأة، بقدر ما كان نتاجاً موضوعياً لحالة المخاض الفكري الذي ولدته حركة الأنوار التي تصدرت المشهد الثقافي وعبر المصدرية الفرنسية خلال القرن الثامن عشر والاستتباعات المعرفية التي تنامت خلال القرن التاسع وحالة الهيمنة التي فرضتها الثورة الصناعية ليبدأ الصدام العلني والمباشر بين كتلتين معرفيتين داخل نطاق فكرة التقدم حيث الاحتفاء البالغ بمنظومة العلم التجريبي الذي بات عينا واقعا لا يدخل بين يديه الشك، من خلال منتجات التقانة والتي غدت تتري علي مسرح الواقع في حين أن العقل ظل في برجه العاجي يعاني العزلة وسوء الفهم ولم يقف الأمر عند مستوي الفهم هذا بل تخطاه نحو خلخلة بناه وتقويض المعاني التي استند اليها عبر تنامي تيار الحس والتجريب وتعالي الأصوات النقدية المتصلة بالمفاهيم الكبري.
وضع العقل تحت شرط النقد المرير من قبل فلاسفة الغرب حتي تمت محاصرته بشدة عبر تكثيف معاني الحدس التي أصل لها برغسون من خلال إشارته الي عجز العقل عن توضيح تواصل الصيرورة كونه يركز علي الكلمات والمفاهيم في حين ان الحدس يفصح عن الديمومة لارتباطه الوثيق بالواقع، فيما توجهت الوضعية المنطقية نحو تكرس منطق التفكير العلمي عبر وسيلة التجريب مقصية في ذلك جميع المعاني التي لا ترتبط بهذه الوسيلة.
وسط هذه التبصرات الفلسفية برزت مدرسة فرانكفورت خلال أربعينيات القرن العشرين وعبر جهود ثلة من الفلاسفة الألمان كان الابرز من بينهم أدورنو الذي أعمل وسيلة النقد إزاء التيارات الفلسفية التي سادت أوروبا إبان تلك الحقبة، من خلال دعوته الي حيوية الفلسفة وذره للبني الثابتة المتعلقة بالفكر، وهكذا كثف نشاطه المعرفي في مجال سوسيولوجيا الاستهلاك الثقافي. ولم يبتعد زميله وقرينه هوركهايمر عن هذا الاتجاه بل كانت دعوي هذا الآخر الي ضرورة التماهي مع الواقع عن طريق كشف ملامح الاستغلال الذي يتعرض له الفرد والمجتمع، حيث ضرورة توجيه النقد نحو العقل بواسطة العقل، بعد أن تحول الي وسيلة للقمع، وعلي هذا صب جل اهتمامه نحو تصميم نموذج الفرد الحر الذي يستمد حريته عن طريق المشاركة مع المجموع، وعبر هذا المنظور كان تأكيده علي أن تغيير المجتمع يأتي من خلال الوعي العميق بتناقضاته.
تتجلي علي صعيد الواقع جملة من المخاضات المعرفية داخل نسيج العلاقات الاجتماعية، حيث تبرز الأفكار متقاطعة داخل ذواتها المفكر، فمسألة الانثروبولوجيا علي سبيل المثال تحمل في صميم بنيتها الثقافية موجهن، الحداثة وضد الحداثة، وعلي الرغم من سمة الحداثة التي تغلب عليها، الا أن تقاطع الانثروبولوجيا مع الوجود التاريخي للانسان من خلال تقديمها للطبيعة، يجعلها في أشد حالات التوتر بين الرغبة والقانون. أما ثقافة الاستهلاك والتي كانت ثمرة عن المجتمع الصناعي فقد أبرزت ملامح العقل الأدائي حيث الذاتية والنفعية في أعلي تقمصاتها، بدءاً من عملية التفكير وممارسة إجراءات الاستقراء والاستنتاج وصولا الي العناية بالمنهج علي حساب المضمون، حتي غدا الموضوع مجرد وسيلة يتم من خلالها الوصول الي المعرفة وبهذا فإن الذاتية الفردية ــ الجمعية غدت هي الغاية التي يمثلها هذا العقل وعبر هذا المنظور صار الاحساس والتجربة هو الأساس في المعرفي فيما تحدد الجانب الأخلاقي في المنفعة الذاتية ومن قوام هذا العقل الذاتي ثبت الغرب خطواته في مجال التقدم الثقافي حتي كان التطلع الي فرض معالم السيطرة وبروز النزعة الاستعمارية.
وهكذا برزت الاشتراطات الاستهلاكية في التنحي عن العقل وجعل الاختبار المباشر أصلا في الوصول الي الحقيقة، أما الفكر فقد تماهي مع الحس والتجريب ليظهر جليا تنحي القيم إزاء تصدر التنظيم للواجهة.
علي الصعيد الجماعي يتجلي مدي الصراع في صميم المؤسسة الانتاجية التي تماثلت فيها معطيات الواقع الاجتماعي، حتي إن التطورات التي نشأت داخل المؤسسة الانتاجية جعلت منها تتراجع وبشكل لافت، لصالح المؤسسة المالية التي أنطوت فيها معالم التنسيق والتنظيم، فيما يتبدي أثر الواقع الثقافي علي المستوي الجماعي في تصدر البعد القومي ومحددات مفهوم الأمة عبر جملة من الركائز الثقافية المستندة الي، الهوية، اللغة، الرموز. بل ان المحثات الداعية الي مبدأ الاستقلال علي سبيل المثال، يجعل من الأمة تتقاطع مع مدركات العقل من خلال جعل التحديث ثانويا مقايسة مع مفهوم الوجود القومي. وهكذا نجد بريطانيا وهي في أشد حالات التردد إزاء الوحدة الأوروبية أو الدخول في منظومة العملة الأوروبية الموحدة اليورو أو لقاء الأمة مع الأصوليات الأوروبية التي تفرزها ويا للمفارقة الديمقراطيات الأوروبية المعاصرة، ممثلة بوصول التيارات اليمينية الي سدة الحكم، كحالة برسكوني في ايطاليا أو النمسا، أو حتي تنامي الحركات اليمينية المتطرفة والتي باتت تفرد ملامحها علي صعيد الواقع المحلي مثل النازية الجديدة في ألمانيا والدعوات العنصرية في فرنسا والصدامات العرقية في بريطانيا.
ما بين فردي وجماعي تختلط الأهداف والمضامين داخل بنية الوعي، واذا كان قوام فكرة الحداثة يستند الي المزاوجة بين نظامي التغير والوجود لانتاج العقلانية والفردية، فإن ملامح الانفصال سرعان ما تتبدي واضحة علي مفاصل الواقع الاجتماعي الذي يتمثل في المضامين الفردية حيث سيادة قيم الاستهلاك، او المضامين الجماعية التي تبرز في مجال التفاعلات التي تظهرها مقومات المؤسسة الإنتاجية الحاكمة للواقع الاجتماعي ضمن مدركات نظام التغير، فيما يفرز الواقع الثقافي معطيات نظام الوجود عبر المضمون الفردي الذي يجسده مفهوم العرق، والجماعي الذي يحدده مفهوم الأمة وهكذا يظهر مجال العادات عبر المكون الفردي ــ الشخصي في مفاهيم العرق والاستهلاك الذي يتمفصل مفصلاً إزاء الجماعي المتضمن داخل نطاق المؤسسة الإنتاجية و التي تتصدر فعالياتها المؤسسة المالية ومفهوم الأمة.
لعل السؤال الأهم وسط هذه اللجة من التحديدات، يقوم علي البحث عن موقع العقل وقوانين الطبيعة لتقديم نموذج التحديث في مواجهة اليوتوبيا والأساطير والأيديولوجيا، لكن المهمة تبقي منقوصة بسبب حالة الانفصال الواضحة في مجالي الاجتماعي والثقافي ويقدر بالجملة، الانثروبولوجيا والمؤسسة الإنتاجية وقيم الاستهلاك والأمة من مضامين حداثية تتوجه بكل زخمها وثقلها نحو تعميق مفهوم التقدم، إلا أن ملامح الأزمة تبقي فاردة ملامحها علي واقع العلاقات، حيث التمايز الفاضح والمعلوماتية وثورة الاتصالات والقرية الكونية فإنه بالمقابل كان صاخبا بالحروب العالمية والتصفيات العرقية والتمييز العنصري والمجازي والقتل.
تري اين تنصب غاية الحداثة، في العمل علي وحدة المجتمع ضمن سياقات جديدة أم الحفز علي ظهور قوي ثقافية واجتماعية تكون لها المساهمة القصوي والأهم في بناء المجتمع الجديد، فالوحدات الاجتماعية وبحكم ارتباطها بركائز بنائها التاريخي، تشرنقت داخل مصالحها وأهدافها السياسية والثقافية والاقتصادية، وهكذا فإن التناقضات والصدامات بين القوي القديمة ستكون بمثابة المهماز والحافز، نحو خلق الشروط الموضوعية لولادة وظهور القوي الجديدة، لكن الأهم هنا يكمن في أن غاية الحداثة لا تتطلع الي بناء مجتمع جديد بقدر ما تصبوا الي ظهور القوي الجديدة في نظام التغير، من خلال الاتجاه نحو زيادة التبدل في أنماط الاستهلاك علي الصعيد الفردي والعمل علي اتساع مجال التنمية داخل المؤسسة الإنتاجية علي الصعيد الجماعي، وإفساح المجال أمام الجميع من أجل المشاركة السياسية من دون تمييز لعرق أو طائفة، وفتح الباب لتشكلات ثقافية واسعة في تكون الدول والأمم علي صعيد الواقع الثقافي المندرج ضمن نظام الوجود.
ومهما بلغت الحداثة من قوة الحضور والتأثير في المجالات المختلفة، إلا أن التحليل الوظيفي للجسم الاجتماعي، يفصح عن تداخل الحداثة مع ذاتها في مجال إحداث الخلخلة والتوتر والأزمة، بل ان رسالة العداء التي يطلقها الحديث لكل ما هو حديث، يكون بمثابة الأس الذي تقوم عليه معطيات النقد الذاتي، فالحداثة وسيلة وليست غاية، خصوصاً وأن عناصر التغير والوجود الكامن في فكرة الحداثة تقوم علي نهل قيمها من المحددات الاقتصادية والثقافية، فالأمر هنا لا يرتبط بغايات الفعل قدر خضوعه للمكان الذي توجهه المنفعة والمصلحة، فيما يخدم حقلاً بعينه، يمكن أن يقدم خدماته لحقل اجتماعي آخر يكون علي النقيض منه.
يمثل نيتشه مسارا شديد الخصوبة في نقده للحداثة، من خلال تلمسه لحالة الاضطراب الذي يسود العالم، وبهذا فإن مستنده المعرفي كان قوامه النص المفتوح الذي مثل ثورة علي العقل، عبر الاتجاه الي التفسير بالعقل، فالموضوعات في تصوره ما هي الا ظواهر لا علاقة لها بالجواهر، ومن هذا التأسيس الوضعي، كان ولوجه في مجال اعادة تفسير القيم والأخلاق، والتي عدها ظواهر فرضتها الحاجات الاجتماعية، بل كانت نظرته اليها مجرد وسيلة للخداع والتضليل، وفي هذا السياق كانت رؤاه التي صبها في بناء تصوره حول تاريخ التقدم الحضاري للبشرية والذي جعله محصورا للتنازع بين أخلاق السادة وأخلاق العبيد حتي كانت اشارته الي سيادة أخلاق العبيد وعرضية أخلاق السيادة ابتناء الي تقسيم تاريخي عمد اليه عن طريق رصد السمات العامة لكلا النموذجين.
المحدد المعرفي الذي يُطلقه نيتشه يقوم علي التأويل بحثاً عن المعني، من خلال التمييز بين نظام الوجود الذي يحتوي المعاني المجزأة عبر فعالية التأويل، ونظام الحياة المليء بالدلالات المحددة والخاضعة لفعالية التقويم. وبرصده لعلاقة القوة مع الواقع حيث حضورية المعني، فإن آلية الصراع ونتيجة الأخذ بالاعتبار قابلية كل قوة علي الاشتقاق عن طريق فعالية التأويل، حيث تجديد القيم اعتمادا علي إرادة القوة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Empty
مُساهمةموضوع: رد: آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .   آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة . Emptyالأحد نوفمبر 14, 2010 10:20 pm

ما قبل الحداثة وما بعدها


جاد الكريم الجباعي


يبدو سؤال الحداثة اليوم ساذجاً ومتأخراً عن موعده نحو ثلاثة قرون، لكن مصائر الحداثة "الغربية" من جهة، و "الحداثة" المتوحشة التي نعيش أسوأ مظاهرها والتي يخيل إلى الكثيرين أنها الحداثة بألـ التعريف من جهة أخرى تقتضي إعادة طرح السؤال من جديد: ما الحداثة؟ على أن التعارض الذي نفترضه بين الحداثة المحققة و"مثال" الحداثة وقيمها ومبادئها يذهب بنا بخط مستقيم إلى أهم خصائص الحداثة، أعني: النقد. والنقد هو سمة العقل الذي ينفي باطراد.

فقد قامت فكرة الحداثة على تأكيد "أن الإنسان هو ما يصنعه"، ولكي نتلافى الإيحاء "المادي" والميكانيكي لفعل يصنع، نميل إلى القول: إن الإنسان هو ما ينتجه، وما ينتجه الإنسان على نحو لا يفتر ولا يتوقف هو عالمه وتاريخه؛ فضلاً عن إنتاج وجوده الاجتماعي؛ فالإنسان ينتج ذاته في العالم وفي التاريخ ويحول مظاهر الطبيعة وعناصرها، ثم يستعيد موضوعية العالم والتاريخ والطبيعة في ذاته، ويعيد إنتاجها إلى ما شاء الله. ونؤكد مع ماركس أن الإنسان حتى اليوم هو عالم الإنسان، أي المجتمع والدولة. ومن ثم كان لا بد أن يتوافق "الإنتاج" الذي جعله تقدم العلم والتقانة والإدارة أشد فعالية مع تنظيم المجتمع الذي يحدده القانون، ومع الحياة الشخصية التي توجهها المنفعة، كما توجهها إرادة التحرر من جميع القيود. والتوافق بين الإنتاج الذي بات مشروطاً بالثقافة العلمية، وبين تنظيم المجتمع، والأفراد الأحرار إنما يرتكز على انتصار العقل وسيادته. ولذلك تكاد الحداثة أن تتماثل مع العقلانية، أو العقلنة. ولكن العقلانية كالحداثة مفهوم إشكالي، يتوقف في كل مرة على المعنى الذي نفترضه للعقل، وعلى مدى ما يتوفر عليه هذا المعنى من اتساق وتناغم أو من توتر وتنابذ بين العقلانية والذاتية، أو على ما يتوفر عليه من توتر بين الفرد الطبيعي المسوق بسائق حاجاته ورغباته وأهوائه ونزواته وأحلامه وتطلعاته الذاتية، والمواطن الذي يتوق إلى الحرية والعدالة والمساواة في نطاق جماعة ينظمها القانون بما هو تجريد العمومية وتعبير عن الكلية الاجتماعية وشكل التوسط الضروري للاندماج في الجماعة الإنسانية. أي على مدى اقتراب مفهوم العقل أو ابتعاده عن مفهوم الروح الإنساني في كليته وشموله. وتجدر الإشارة إلى أن الروح الإنساني يتجلى بقوة ووضوح في الثقافة بصفتها محتوى جميع العلاقات والبنى والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ ومن ثم يغدو من الضروري أن نموضع حرية الإنسان ورفاهيته وسعادته وذاتيته في المجتمع والدولة، لا بالتضاد أو بالتخارج معهما، كما كانت الحال في عهود ما قبل الحداثة. ومن هنا كان المجتمع المدني (المجتمع العلماني الحديث) والدولة الوطنية (= القومية) الحاملان أجنَّة (جمع جنين) المجتمع الديمقراطي والدولة الديمقراطية من أبرز تجليات الحداثة وأهمها.

ويبدو أن اقتران المجتمع المدني والدولة الوطنية بنمط الإنتاج الرأسمالي وما نجم عنه من تعميق استلاب الإنسان وتشييئه واغترابه عن ناتج عمله وعن ذاته، وما تمخض عنه تنافس الدول القومية وصراعها الضاري من ويلات وحروب ومن تدمير للإنسان والبيئة بمعناها الواسع، قد استدعى منذ وقت مبكر، ولا يزال يستدعي اليوم نقد الحداثة ومعارضتها؛ من دون أن يتنبه ذلك النقد وهذه المعارضة إلى العنصر الثوري الذي لا رجعة عنه في نمط الإنتاج الرأسمالي، أعني نمو العمل البشري وتحولاته النوعية حتى غدا أقرب ما يكون إلى العمل الذهني الخالص. فتغيرت من جراء ذلك طبيعة العمل والإنتاج الاجتماعي، وبنية القوى المنتجة، ولا سيما الطبقة العاملة الصناعية (البروليتارية)، وراحت الآلة الذكية تحل شيئاً فشيئاً محل العمل البشري بمعناه الكلاسيكي. على أن نقد الحداثة يذهب اليوم في ثلاثة اتجاهات: أولها، الاتجاه الذي بات يطلق عليه اسم "ما بعد الحداثة"، وهو في اعتقادي اتجاه محافظ، إن لم يكن ارتدادياً، على الرغم من سمته "العلمية"، وسوف نتناوله بدراسات مفصلة تكشف الصلات المقنَّعة بـ "العلم" بين ما بعد الحداثة وما قبلها. والثاني هو الاتجاه الذي يطلق عليه اسم "الليبرالية الجديدة"، أيديولوجية العولمة الاقتصادية الجارية والمتسارعة، بل أيديولوجية الرأسمالية المتوحشة في إهابها الأمريكي؛ ولهذا الاتجاه عنوانات رئيسة أهمها: "نهاية التاريخ" و "صراع الحضارات"، و "تحول "حرية الفرد" إلى مطلق مشرع ذاتياً"، بل لعل الأدق هو تحول حرية قلة من الأفراد إلى مطلق مشرع ذاتياً؛ في مجتمعات تشدد ثقافياً على الحد الأقصى للقناعات الفردية، وعلى الحد الأدنى للقيم الأخلاقية، بل لعلها لا تشدد على هذه القيم، ولا تعبأ بها؛ فتنفصل فيها الحرية عن المسؤولية المدنية. والثالث هو الاتجاه النقدي الذي يعيد إنتاج تقاليد الحداثة ومبادئها وقيمها، في ضوء نمو العمل البشري وتغير بنية المجتمعات الصناعية، وتحول الرأسمالية إلى نوع من رأسمالية خالصة ومتوحشة. ويبدو لي أن هذا الاتجاه يقتضي إنتاج ماركسية إنسانية، تعيد الاعتبار لا للديالكتيك بوصفه منطق الفكر والعمل ومنطق الواقع والتاريخ فقط، بل للمثل الأعلى الأخلاقي الذي كان في اصلها وأساسها، أعني حذف استلاب الإنسان بجميع أشكاله: المقدسة وغير المقدسة.

"العقل وحده هو الذي يوطد التوافق بين العمل الإنساني ونظام العالم"، كما يقول ألان تورين؛ ولكن فصل العقل عن العمل، أو تصور إمكانية مثل هذا الفصل، قد يؤدي إلى إعادة إنتاج التصور المثالي الذاتي للعقل، أو إرجاعه إلى ما كان هيغل يسميه الروح المطلق أو الفكرة الشاملة، ويؤدي من ثم إلى إعادة إنتاج ثنائية الروح والجسد، وثنوية الفكر والواقع، والوعي والوجود، وثنوية الإنسان والطبيعة؛ وتجاهل حقيقة أن الإنسان طبيعة تعي ذاتها وتعي أنها تعي، أي إنه طبيعة بوسعها أن تكون موضوعاً لذاتها. ولذلك يمكن القول: إن العنصر العقلي في العمل الإنساني، أعني العنصر الإبداعي، لا التكراري، هو ما يجعل هذا العمل متسقاً مع نظام العالم؛ لأن نظام العالم ونظام الفكر من ماهية واحدة. وقد عبر أبو حيان التوحيدي عن هذه الماهية بقوله: "الروح لطيف الجسد، والجسد كثيف الروح"؛ فعيَّن بذلك صيغة التعارض الجدلي بين اللطيف والكثيف، أي بين الروح والمادة، التعارض الذي لا يكون أحد حديه إلا بالآخر، ولا ينوجد إلا بوجوده؛ فليس هناك لطيف بلا كثيف ولا كثيف بلا لطيف، ومن ثم فإن مقولة الروح شقيقة مقولة المادة، إذا فهمنا هذه الأخيرة على أنها المجرد بامتياز أو المجرد إلى النهاية، حسب إنغلز، وإذا نظرنا إليها، أي إلى مقولة المادة، على أنها "مقولة فلسفية"، حسب لينين، تحيل على الوجود الموضوعي المتعين القائم خارج الرأس. هناك دوماً عالم خارج الرأس، ولكن ليس هناك رأس خارج العالم. وبذلك تغدو الذاتية التي يراد لها أن تعارض العقلانية مشروطة بالعقلانية ومحددة بها، فليس ثمة ذات من دون موضوع، بل ليس هناك من ذات خارج الموضوع الذي هو العالم والكون اللامتناهي.

وقد لا يستقيم هذا المعنى في الذهن ما لم ننظر إلى العقل على أنه عقل الواقع، أو عقل العالم، وعقل الكون. وهو المعنى المغروس في عملية الإنتاج التي أشرنا إليها، والتي تحيل على مقولة التموضع والاستلاب أو الاغتراب التي لم يعد في ضوئها من تاريخ للطبيعة مستقل عن عمل الإنسان وتاريخه، والتي من دونها لا يمكن أن تفهم مقولة القيمة بصفتها العمل البشري المجرد المتبلور في المنتج أو في البضاعة، بتعبير ماركس، ولا يمكن من ثم تقدير أهمية حكم القيمة الملازم لحكم الواقع حق قدره، أي لا يمكن تقدير أهمية الأخلاق ومطالب الذاتية حق قدرها. الرأسمالية التي قامت على التعارض بين رأس المال والعمل فصلت الأخلاق عن العمل والإنتاج، وجاء المذهب الوضعي الإيجابي ليعزز هذا الفصل. وأبرز تجلياته تمييز "الأيديولوجية" من "العلم" في مذهب ماركس، وتنحية الإنسان من مركز منظومته الفكرية ؛ وجاء المذهب "الثوري" ليحل مقولة الثورة الاشتراكية، والشيوعية، ودكتاتورية البروليتاريا، والأممية البروليتارية وغيرها محل الإنسان، فأنجز تلك القطيعة المشؤومة بين الماركسية والمثل الأعلى الأخلاقي. بيد أن الرأسمالية لم تكتف بفصل الأخلاق عن الإنتاج، بل تعدت ذلك إلى تنمية العنصر التكراري في العمل البشري على حساب العنصر العقلي الإبداعي، وقد بلغ ذلك ذروته في التايلورية التي كان شارلي شابلن من أبرع نقادها. كما تعدته إلى اعتبار "النظام"، أي نظامها ومعاييرها ومقاييسها النمطية عقلاً أعلى يجب أن تخضع له الدولة والمجتمع، فشلَّت بذلك قوة النفي التي هي أهم خصائص العقل.

ومع ذلك، لا محيد عن ربط الحداثة بالعقلنة، والنظر إليها على أنها اعتراف مبدئي ونهائي بسيادة العقل، والثقة بقدرته على جعل العالم جديراً بأن يكون عالم الإنسان. وبهذا المعنى يمكن أن يكون النقد لا سمة الحداثة فحسب، بل مناط حيويتها وقوتها فضلاً عن مشروعيتها. فإن مشروعية الحداثة تنبع من مشروعية النقد، نقد جميع الأوضاع القائمة في كل حين، وهو ما يضع أهمية الفكر النظري، ويؤكد الحاجة إلى الفلسفة.

الحداثة سعي لا يفتر في سبيل تملك العالم بالمعرفة والعمل، وافتتاح إمكانية التصالح بين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان وذاته، ولذلك كان ارتباطها وثيقاً بعملية الإنتاج الاجتماعي، بمعناها الواسع، فكل إنتاج هو تملك؛ يصح ذلك على إنتاج الخيرات المادية والثروة الروحية سواء بسواء. ولكن الحداثة المحققة لم تبرهن حتى اليوم، سوى بصورة سلبية، على اقتران النمو والديمقراطية كل منهما بالآخر بقوة العقل. بيد أن الديمقراطية كانت ولا تزال إحدى ممكنات الحداثة الرأسمالية، قبل أن تتحول الأخيرة إلى رأسمالية خالصة ومتوحشة؛ ومن ثم فإن ما كان عقلانياً ذات يوم يمكن أن يكف عن كونه كذلك. يتوقف الأمر في كل مرحلة من مراحل التطور على مركز ثقل النظام ونقطة ارتكازه، هل هي الإنتاج من أجل الربح أم من أجل تلبية حاجات المجتمع، وهل الإنتاج ذاته عامل تحرر وانعتاق أم عامل استعباد واستغلال فحسب؛ العمل الصناعي، قبل أن نتحدث عن المجتمع الصناعي، افتتح إمكانية تحرير الإنسان من الضرورات الطبيعية، ومن سيطرة السماء. ولكنه ما لبث حتى أنتج ضرباً من عقلانية أداتية خالصة، ونفعية بالمعنى الضيق للكلمة، أخذت تحل تدريجياً محل الرؤية العقلانية للكون والعمل. هذه العقلانية الأداتية ليست تخفيضاً للعقلانية فحسب، بل هي صيغة موافقة أو غبر معارضة للعنصرية وللتعصب القومي والأصولية الدينية ولنزعات الخصوصية الحصرية من كل صنف ولون. وفي مقابل العقلانية الأداتية كان هناك دوماً عقلانية متسقة مع روح النهضة والإصلاح والعلم والحرية تحفر مجراها بهدوء وعمق وثقة.

عرف أبو حيان التوحيدي العلم بأنه "صورة المعلوم في نفس العالم"، والعلم في هذا السياق هو العقل حتى ليمكن القول: إن العقل هو صورة المعقول في ذهن العاقل؛ وأياً كان الأمر فإن ما يعنينا هنا أنه لا علم بلا معلوم، أي لا ذات بلا موضوع. ومن ثم لا بد أن نموضع العقل في العالم أي في المجتمع والدولة؛ ولذلك كان المجتمع الحديث هو الذي ينظم نفسه ويتصرف لا تبعاً لوحي إلهي أو لجوهر قومي متعال أو لتقاليد وأعراف موروثة، بل وفق مبادئ مستمدة من ماهية الإنسان ومن علاقاته الجدلية بعالمه وبذاته، ومن تعدد مجالات الحياة الاجتماعية وتنوعها، ونموها المطرد. فليس من شيء في المجتمع والدولة ليس موجوداً في الإنسان بالقوة أو بالفعل. الإنسان هو الذي يحتل موقع المركز في المجتمع الحديث والفكر الحديث، ومن ثم فإن العقلنة التي هي سمة الحداثة الأبرز لا تنفصل عن الأنسنة ولا عن العلمنة. بل لعله يمكن تحديد الحداثة بهذه المحددات الثلاثة: العقلنة والعلمنة والأنسنة. وهي ثلاثة وجوه متكاملة لحقيقة واحدة مفادها أن الإنسان لم يعد يدور حول أي شمس سوى شمسه الخاصة؛ فالمجتمع والتاريخ والحياة الفردية لا تخضع لمشيئة كائن أعلى يجب الخضوع لها أو يمكن التأثير فيها بالسحر، بل تخضع جميعها لقوانين الطبيعة التي هي ذاتها قوانين العقل. هذه المحددات تجعل من الحداثة نسقاً مفتوحاً على احتمالات ليبرالية وديمقراطية وعلى قيم العدالة والحرية والمساواة، أو على سلطة مطلقة لعاهل مستنير يرى فيها الشعب المعني تعبيراً عن عمومية المجتمع، وفي قانونها الذي يصون حقوق الأفراد ويحمي حرياتهم الأساسية انتصاراً على الجهل والهوى، ومفتوحاً على الاستبداد أيضا، بقدر ما تغدو صنمية السلطة معادلاً سياسياً لصنمية السلعة، أي بقدر ما يذوي الروح الإنساني ويتحول البشر إما إلى زوائد لحمية ملحقة بالآلات وإما إلى كائنات منمطة ومجرد مستهلكين للسلع والثقافة والقيم سواء بسواء.

إن تساوق قوانين العقل وقوانين الطبيعة يضع تعريفاً للطبيعة يتعدى كونها مجال الوجود الفيزيائي، أو الواقع المادي الذي يمتاز من الواقع الفكري أو الروحي؛ فإن "الطبيعة لا تختص بكينونة الأشياء، وإنما بأصل الحقائق وأساسها. فإلى الطبيعة تنتمي جميع الحقائق ... القابلة لأساس ملازم لها ملازمة خالصة، والتي لا تستوجب أي وحي متعال، والتي هي أكيدة لذاتها وبديهية. هذه هي الحقائق التي نبحث عنها لا في العلم الفيزيائي فحسب، بل في العلم العقلي والأخلاقي، لأن هذه الحقائق هي التي تجعل من عالمنا عالماً واحداً مرتكزاً في ذاته مالكاً في ذاته مركز جاذبيته الخاص" . و "إن لمفهوم الطبيعة هذا، شأنه شأن مفهوم العقل، وظيفة رئيسية هي أن يوحد بين الإنسان والعالم .." ولعل تطور مفهوم البيئة وشموله البيئة الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وإعادة الاعتبار لمقولة الترابط الشامل بين ظاهرات العالم وقوانين الكون هي نوع من استعادة لمفهوم الحداثة يقتضيها شعور عميق بالمخاطر الناجمة عن تخفيض العقل إلى مجرد عقل أداتي ونفعي، وعن نمو عدم العقل الذي يضع عالمنا أمام مفترق، إما البربرية والهمجية، وإما إعادة إنتاج الحداثة في الفكر والعمل.

عالم ما قبل الحداثة كان عالم الأوهام والخرافات والأساطير وخضوع الإنسان لتصوراته الذاتية عن نفسه وعن العالم، ولنتاجات عمله، وكذلك عالم ما بعد الحداثة.



قوانين العقل وقوانين الطبيعة

كان لفكرة الطبيعة في عصر الأنوار معنى أوسع من معناها الشائع اليوم، ولا سيما حيث تسيطر رؤية وضعانية تختزل العقل إلى علم وضعي أيجابي أو إلى ما كان هيغل يسميه "الفهم". فالطبيعة لا تعني مجال الوجود الفيزيائي أو الواقع "المادي" الذي يجب تمييزه من الواقع "الفكري" أو "الروحي"؛ "فكلمة الطبيعة لا تختص بكينونة الأشياء، بل بأصل الحقائق وأساسها؛ فإلى الطبيعة تنتمي جميع الحقائق القابلة لأساس ملازم لها ملازمة خالصة، من دون مساس بمضمونها، والتي لا تستوجب أي وحي متعال، والتي هي أكيدة لذاتها وبديهية. هذه هي الحقائق التي نبحث عنها لا في العالم الفيزيائي فحسب، بل أيضاً في العلم العقلي والأخلاقي؛ لأن هذه الحقائق هي التي تجعل من عالمنا عالماً واحداً، تجعل منه كوناً مرتكزاً في ذاته، مالكاً في ذاته مركز جاذبيته الخاص".

إن فكرة الطبيعة، كما استخدمها فلاسفة عصر التنوير، تكاد تكون مرادفة لفكرة الخليقة في التصور الديني، ولفكرة الواقع في الاستعمال المعاصر، أو لفكرة الكون والوجود بمعناهما الكلي والشامل؛ وإن "لمفهوم الطبيعة بهذه المعاني، شأنه شأن مفهوم العقل، وظيفة رئيسية هي أن يوحد بين الإنسان والعالم، كما كانت تفعل فكرة الخليقة المقترنة في الغالب بفكرة الطبيعة أكثر مما هي معارضة لها. بيد ان هذا المفهوم يسمح للفكر والعمل الإنسانيين أن يؤثرا في هذه الطبيعة بمعرفة قوانينها ومراعاة هذه القوانين دون اللجوء على الوحي أو على تعليم الكنائس" .

"وإذا كان لهذا اللجوء إلى الطبيعة وظيفة نقدية ومعارضة للدين خاصة فذلك لنه يسعى إلى أن يمنح الخير والشر أساساً لا هو بالديني ولا هو بالبسيكولوجي، بل اجتماعي فحسب. فالفكرة التي مفادها أن المجتمع هو مصدر القيم، وأن الخير هو ما ينفع المجتمع والشر هو ما يضر تكامله وفعاليته، هذه الفكرة عنصر جوهري في الأيديولوجية الكلاسيكية للحداثة" .



الطابع النقدي للحداثة

تظل دعوة الحداثة قوية وفعالة ما دامت نقدية؛ فهي دعوة ثورية، كما كانت في عصر الأنوار، ولكنها ليست شيئاً آخر؛ فحين تنتقد المجتمع التقليدي وثقافته لا تحدد آليات عمل المجتمع الجديد ولا تعين محتوى ثقافته. فهي في هذه الحيثية تجسد أهم صفات الفكر أعني روحه النقدي وانفتاحه على المستقبل وعلى ممكنات الواقع واحتمالاته. "الأيديولوجيا الحداثية لا تكاد تقنع عندما تسعى إلى إعطاء الحداثة محتوى إيجابياً" . الوضع القائم فقط يمكن تحديده إيجابياً؛ لأنه واقع متعيِّن، والمتعين هو ما اكتملت تعييناته. الحداثة في ارتباطها بالعقلانية والعلمانية والأنسية تنطلق من الواقع المتعين نحو آفاق مستقبلية مفتوحة، نحو أوضاع ليس بوسع العقل أن يحددها سوى بصورة سلبية. هذه الصورة السلبية هي قوة تفكيك المجتمع التقليدي لا قوة بناء المجتمع الحديث، قوة تفكيك الأوضاع القائمة لا قوة بناء أوضاع جديدة، وإلا فقدت الحداثة أهم مضامينها. ففكرة العقد الاجتماعي أو المجتمع المدني يمكن أن تفضي إلى قيام جماعة تمارس الظلم والجور، في حين كانت دعوة إلى التحرر. والفكر الحديث من ثم نسق مفتوح لا يسلم بأي حتمية. "إن الأيديولوجية الحداثية لم تكن مرتبطة بالفكرة الديمقراطية؛ فقد كانت ثورية حصراً، ناقدة نظرياً وعملياً سلطة الملك والكنيسة الكاثوليكية باسم المبادئ الشاملة، وباسم العقل نفسه".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
 
آلان تورين ، نقد الحداثة ،ترجمة أنور مغيث ، المجلس الأعلي للثقافة .
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» جنيفر سكيرس: الثقافة الحضرية في مدن الشرق،ترجمة : ليلى الموسوي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - سلسلة عالم المعرفة
» الطريق الثالث.تجديد الديمقراطية الاجتماعية./ الناشر: المجلس الأعلى للثقافة / ترجمة، تحقيق: أحمد زايد - محمد محيي الدين - محمد الجوهري
» نهاية الحداثة الفلسفات العدمية و التقسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة _ جياني فاتيمو .pdf
» لماذا العلم؟: عالم المعرفة" (العـــدد: 372، عدد فيراير 2010)، التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت .
» بيتر بروكر - الحداثة وما بعد الحداثة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: كتب ( الاجتمــاع والانثربولوجــيا - الفلسفة - التربية - علم النفس)-
انتقل الى: