يعيد "آلبرتو مانغويل" للكتاب تألقه وللقارئ وجوده بعد أن أدركنا بأنا نحن قرّاء اليوم معرضون للفناء أمام الزحف التقني لأساليب الثقافة المعاصرة، وأمام ثورة المعلوماتية الحديثة. إن القراءة متعة، وللحصول على تلك المتعة يرى "آلبرتو مانغويل" بأنه يجب على القارئ معرفة وتعلم ما هي القراءة منطلقاً من تجربته كقارئ، ومن تجارب الآخرين في فن القراءة.
ينطلق الكاتب عبر رحلة في تاريخ القراءة يسجل فيها تجربته كقارئ، ومن ثم ينسحب إلى قرن بعيد مندثر، إنه يتجاهل فصولاً، ويستعرض كتباً، ويعود إلى موضوعات معينة، ويرفض الانصياع للنظام المتعارف عليه عند البحث في موضوع كموضوع القراءة. فصولٌ يعرض من خلالها المؤلف تاريخ القراءة بأسلوب فلسفي وبإحساس مشبع بالعاطفة، وكأنه يروي حكاية الحب العظيم بين الإنسان والكتب، وساعده في ذلك مقدراته الهائلة على التصوير، المقترنة بمقدرات وكفاءات المثقف العالم ليفتح الكتاب بذلك الأبواب من أجل الدخول إلى عالم محفوف بالأسرار كي لا يترك القارئ لحظة واحدة وحيداً على الرغم من كثرة المعلومات والاقتباسات والملاحظات القيمة التي يتحف القارئ بها.
لقد تبنى "آلبرتو مانغويل" تعطش القراء إلى الكتب وحوّل هذا الموضوع بنجاح ماهر إلى كتاب رائع. وجولة على محتويات الكتاب يجد القراء بأنه حفل بموضوعات طريفة وقيمة تدور في مجملها حول القراءة والكتب حيث نقرأ: قراءة في الظلال، القراءة بصمت، كتاب الذاكرة، تعلم القراءة، قراءة الصور، القراءة على الآخرين، شكل الكتاب، القراءة الوجدانية، مجازات القراءة، البدايات، تنظيم الكون، قراءة المستقبل، القارئ الرمزي، القراءة خلف الجدران، الكاتب كقارئ، المترجم كقارئ، القراءة الممنوعة، المتولع بالكتب، والصفحات الأخيرة. وبعد كل ذلك لا عجب أن نرى هذا الكتاب المثير والزاخر بالمعلومات، هذا الكتاب الشخصي والشامل يطوف حول العالم.