"منذ نشأة الإنسان، عرف معني الحياة الاجتماعية، وبدأت معه عندما كان متنقلاً - مجتمع الجمع والصيد، ولازمته في استقراره، وتعبير إنسان اجتماعي يعني علاقات اجتماعية مع الآخرين.
ويقول العلامة ابن خلدون، في مقدمته: إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: "الإنسان مدني بطبعه"، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم، وهو يعنى العمران.
لقد استدعى وجود الإنسان مع الآخرين ارتباطه بقواعد معينة من السلوك تتمشى مع عاداتهم وتقاليدهم، وهذا الترابط نجده عند بعض الكائنات الحية أيضًا، كما في الجراد والنحل، إلا أن ذلك موجود لغير الإنسان بمقتضى الفطرة والهداية لا بمقتضى الفكرة والسياسة.
والذي يميز الترابط الإنساني عن غيره هو الترابط الثقافي، ومن ثم تحدد علاقاته وسلوكه مع الآخرين لا بالفطرة، وإنما بالتعلم من خلال تجارب الآخرين.
وإذا كان السلوك الفطري الحيواني يتميز بالثبات، فالسلوك الإنساني يتميز بالتنوع والتغير تبعًا للمكان والزمان، فما يصح هنا لا يصح هناك.
ويقول علماء الاجتماع، إن قوة الكلمات تفوق أي قوة توصل لها الإنسان كالكهرباء أو الطاقة النووية، لذلك كانت كلمات العلماء والأدباء والمشاهير والشعراء ورجال الأعمال والنقاد والمحللين أقوى من أي قوة أخرى.
وفي الصفحة التالية مقتطفات من عصارة أفكار هؤلاء.
"لا تبحث عن الأخطاء، ولكن ابحث عن العلاج"
ويليام شكسبير
"إن الشيء لا يكتمل بمجرد الوصول إليه، وإنما يكتمل عندما يصل إلي نهايته"
لاوتسو تاوتيه كنج
"ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقد، بل الشجاعة أن تعتقد كل ما تقوله"
أرسطو
"إن التفكير أصعب الأعمال، وهذا هو السبب في أن القليلين هم الذين يختارونه كعمل"
هنري فورد
"هناك شيئان تصوب عليهما في هذه الحياة: الأول أن تحصل علي ما تريد، والثاني أن تتمتع به"
لوجان بيرسيل سميث
"يجب علي الموسيقار أن يؤلف الموسيقى، ويجب علي الرسام أن يرسم، ويجب علي الشاعر أن ينظم الشعر، وإن كان لكل منهم أن يتمتع براحة البال"
أبراهام ماسلو
"الساعي لطلب العلم - أقوى رجل في الكون"
عمرو بدران
ومما سبق نجد أن اهتمامات علم الاجتماع بالمجتمع أو الجماعة أو المجتمع المحلي لا يتوقف عند الحدود العددية لها بقدر ما يتوقف عند الأبعاد النوعية وكيفية تنظيمها وأنماط عيشها وسلوكها، وهذا ما يصطلح عليه بعلاقات اجتماعية، وهذه العلاقات الاجتماعية بين الأفراد ما هي إلا علاقات تفاعلية محورها المشاركة في المجتمع.
إن لفظ المجتمع، إنما يطلق علي نظام له وجود واقعي، وله أسس محددة، وبمعنى أدق إن المجتمع لا يطلق إلا علي التشكيلة الاجتماعية التي لها نظرية حول الوضع الشرعي أو القانوني للجماعة والمنزلة الاجتماعية والحقوقية للناس، وفي ضوء طبيعة ذلك الوضع تصاغ العلاقات الاجتماعية المناسبة.
وعلم الاجتماع، أحد فروع علم السلوك الإنساني التي تحاول اكتشاف العلة والمعلول في العلاقات الاجتماعية بين الناس، فهو يتناول دراسة العادات والأعراف، والتركيبات والمؤسسات الاجتماعية الناشئة من التفاعل بينهم، ويحاول دراسة القوى التي تستطيع أن تكتنف تلك العادات والأعراف والمؤسسات الاجتماعية أو تضعفها.
ويلعب تنظيم المؤسسات الاجتماعية دورًا رئيسًا في صياغة شكل أفعال الإنسان علي ساحة المجتمع، فمهمة علم الاجتماع تتلخص باكتشاف الطرق التي تستخدمها المؤسسات الاجتماعية علي الإنسان، وطبيعة تفاعله مع الآخرين.
وقد ارتبطت دراسة الأحداث الاجتماعية بظهور الأزمات الاجتماعية وكل ما يتعلق بها، فكلما تعدت الحوادث نطاق المألوف أو تباعدت عنه، كلما استدعى ذلك الوقوف عند تلك التغيرات والتقلبات التي تلفت الانتباه، لا تلك الأحداث العادية المستقرة التي لا تحتاج إلي حلول.
ويعرف جاستون بوتول، علم الاجتماع، بأنه: العلم الوحيد الذي ما زال يتتبع - منذ نشأته - دراسة موضوع ما زال في طريق التطور السرمدي، وارتبطت كل خطوة من خطواته الكبرى بقلق اجتماعي كبير.
إن الاتجاه الحديث لعلم الاجتماع في جمع المعلومات عن المشاكل الاجتماعية وتحليلها، كان قد نقل ذلك العلم من مرحلة التحليلات العقلية إلي مرحلة العلم التجريبي، بفضل التقنية الحديثة في جمع المعلومات عن الإنسان، والجماعة، والمجتمعات، والمنظمات، والشعوب.
فعلم الاجتماع يدرس سلوك الأفراد في المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة عن طريق طبيعة توزيع الثروة الاجتماعية، فيدرس قيمة الأراضي، والتوزيع العرقي للأفراد في المدينة، ومستويات التخلف العقلي بين الناس، وتفكك الأسرة، ومستويات الجريمة ونحوها، وبعد جمع المعلومات عن كل تلك القضايا الاجتماعية، يبدأ بتحليلها وبناء الاستنتاجات المستنبطة علي ضوئها.
إلا أن التغير المستمر في أساليب جمع المعلومات والمنهجية العلمية، يجعلنا دائمًا نتردد في حمل النتائج المستخلصة من البحوث التجريبية لعلم الاجتماع علي سبيل القطع أو علي صورة المسلمات العقلية - فلا بد لنا من حمل تلك النتائج علي أساس أنها أفضل المعلومات والتحليلات المتوفرة لنا لفهم النظام الاجتماعي والمؤسسات الملحقة به.
ويحدد اليكس انكلس ثلاثة طرق لتعريف علم الاجتماع، وهي:
الطريق التاريخي:
وذلك من خلال دراسة الكتابات السوسيولوجية الكلاسيكية للوقوف علي رأي المؤسسين لعلم الاجتماع، فالعاطفة واحترام التراث تدفعانا للاستعانة بالطريقة التاريخية التي من خلالها نستنشق حكمة الأجيال السابقة.
الطريق الامبيريقي:
من خلال دراسة الأعمال السوسيولوجية المعاصرة، والموضوعات التي يوجهون إليها أكبر اهتماماتهم.
الطريق التحليلي أو النظري:
من خلال تحديد موضوع علم الاجتماع، وموقعه بين العلوم الأخرى.
ويري المؤلف - عمرو بدران - إجمالاً، أن علم الاجتماع:
- يدرس الطبيعة الإنسانية للمجتمع وأساليب الحفاظ علي تركيبته الثقافية والسياسية، باعتبار أن أهم ما يميز السلوك الإنساني عن سلوك بقية الكائنات هو طبيعته الاجتماعية.
- أصبح قادرًا - إلي حد ما - علي التنبؤ العلمي بسلوك المجتمعات أو الإنسان المتوقع حدوثه عقب أحداث خاصة وقعت توًا كالثورات والانتفاضات والحروب ونحوها.
مع خالص التحية،
د/ عمرو بدران
جامعة المنصورة - مصر