بسم الله الرحمن الرحيم
المرأة والتنمية في المجتمع اليمني
"بحث في حجم المشاركة"
بحث مشترك
الدكتور عبدالرزاق محمود الهيتي
الدكتور عبدالسلام أحمد الحكيمي
منشور في مجلة الآداب/كلية الآداب/ جامعة ذمار-اليمن/ العدد الثالث/مارس2007م
تقترح أدبيــات التنــمية العالمـية ثلاث مقاربات لدراسة موضوع التنمية والمرأة.
المقاربة الأولى : "المرأة في التنمية" و تشدد على الحاجة إلى مشاركة المرأة في المشروعات التنموية. وتسعى برامج هذه المقاربة إلى زيادة عدد النساء في الاستراتيجيات التنموية التقليدية.
المقاربة الثانية : "المرأة والتنمية" و تسعى إلى فرز هموم تنموية محددة تخص المرأة ووضع برامج لتلبية هذه الحاجات. وتميل برامج هذه المقاربة إلى التشديد على الهموم المنزلية والأشغال اليدوية، وتحسين الخدمات العامة للنساء.
المقاربة الثالثة : "النوع الاجتماعي ـ أو ما يعرف بـ الجندر والتنمية" و تنظر إلى التنمية على أنها عنصر من عناصر تقويم دور المرأة في الحياة العامة. وتسعى مشروعات هذه المقاربة إلى فحص تأثير التنمية الاجتماعية الاقتصادية في دور المرأة في المجتمع والى تحدي الأعراف التي تحد من الفرص المتاحة للنساء. فمثلا، قد يسعى أحد مشروعات هذه المقاربة إلى نقل المرأة من مجال الحياة الخاصة إلى أماكن العمل العامة. وتستخدم معظم برامج التنمية في المنطقة العربية المقاربتين الأولى والثانية .
ينطلق البحث من المقاربة الثانية, ونقصد تلك التي تركز على "المرأة والتنمية" ويثير هذا الموضوع انطلاقا من إشــكالــية صيغت في شكل تساؤلات تتعلق بحجم مساهمة الإناث ومشاركتهن في التنمية , وتتلخص هذه التساؤلات في الأتي:-
- ما مدى مساهمة المرأة ومشاركتها في مختلف البرامج التنموية ؟
- ما المجالات التي تمكنت المرأة من المساهمة فيها في إطار مشاركتها التنموية بشكل فاعل ؟
- كيف يمكن قياس حجم مشاركة المرأة في العملية التنموية ؟
- هل لعبت العادات والتقاليد الموروثة دورا في الحد من مشاركة المرأة في التنمية ؟ وغيرها من الإشكاليات التي يمكن إثارتها في إطار المرأة والتنمية.
ماذا يقصد بمشاركة المرأة ؟ تتعدد معاني مفهوم مشاركة المرأة بتعدد التوجهات النظرية ومن أهم هذه المعاني :
- توفير الفرص للأفراد لأخذ دور في النظام الديمقراطي للدولة , ووصفها قاموس أكسفورد بأنها أخذ دور مع الآخرين في بعض الأعمال أو الموضوعات , ويعرفها قاموس الخدمة الاجتماعية بأنها انغماس أو ارتباط أعضاء من الجمهور العام المحتمل تأثرهم بالتغيير الذي يحدث في السياسية الاجتماعية أو القانونية.
- العملية التي من خلالها يلعب الفرد ( ذكرا كان أم أنثى ) دوراً في الحياة السياسية والاجتماعية لمجتمعه وتكون لديه الفرصة لأن يشارك في وضع الأهداف العامة لذلك المجتمع. –
- مشاركة المرأة في التنمية , تؤكد فاعلية الفرد في صياغة القرارات التي تحدد رفاهيته وتدعم الديمقراطية , وتنشط نماذج الضبط الاجتماعي واللامركزية, وتدعم الشعور بكيان الإنسان في المجتمع وتصبح القرارات المجتمعية مرغوبة وملزمة في نفس الوقت , وتنأى بالأفراد– ذكوراً وإناثاً – عن الشعور بالاغتراب
- تعد مشاركة المرأة في التنمية من أهم مؤشرات تقدم أي مجتمع ورقيه, حيث أن أية خطة تنموية لابد أن تعتمد في جهودها على مشاركة الذكور والإناث بوصفها نصف القوى البشرية في المجتمع .
- مشاركة المرأة في التنمية , تؤكد فاعلية الفرد في صياغة القرارات التي تحدد رفاهيته وتدعم الديمقراطية , وتنشط نماذج الضبط الاجتماعي واللامركزية, وتدعم الشعور بكيان الإنسان في المجتمع وتصبح القرارات المجتمعية مرغوبة وملزمة في نفس الوقت , وتنأى بالأفراد– ذكوراً وإناثاً – عن الشعور بالاغتراب
محاور البحث:- لدراسة حجم مشاركة المرأة في التنمية في المجتمع اليمني ركزنا على المحاور التالية:-
- المحور الأول : وضع المرأة في المجتمع اليمني.
- المحور الثاني : مشاركة المرأة في التعليم العام والجامعي من خلال نسب التمدرس.
- المحور الثالث : المرأة والمشــــاركة السياســية
- المحور الرابع : مشاركة المرأة في المجال الصحي.
- المحور الخامس : حجم قوة العمل النسوية في المجتمع اليمني , و مشاركة المرأة في النشاطات الاقتصادية المختلفة.
- مـــناقشــة وتقيــــيم.
منهجية الدراسة:- فقد كانت وصفية تحليلية, فرضتها طبيعة الموضوع المدروس, ونوعية البيانات والإحصائيات التي أمكن الحصول عليها حول مشاركة المرأة في مختلف البرامج التنموية في المجتمع اليمني.
المحور الأول :- وضع المرأة في المجتمع اليمني : مقاربة تاليفية مختصرة :-
- حرمان شبه تام من المشاركة الفاعلة في جميع المجالات, وبالتالي لم يكن لها أي دور يذكر في الحياة العامة نظراً لان السلطة تركزت لدى الذكور.
- القيام بادوار هامشية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالرغم من قيامها بأغلب الأعمال الزراعية , ولهذا لم تشهد اليمن أي تغييرات جوهرية لصالح المرأة إلا بعد قيام الثورة والاستقلال في الستينيات من القرن العشرين.
- بدأ خروج المرأة إلى العمل بأجر خارج المنزل مع بداية السبعينيات. إلا أن هذا التمكين لم يكن في مستوى طموحات النساء.
- حظيت بوضع قانوني ممتاز يتيح للإناث مشاركة فاعلة في الحياة الاجتماعية عامة , نجد ذلك في الدستور ومختلف النصوص القانونية والتشريعية الخاصة بالخدمة المدنية وحقوق الإنسان وغيرها .
المحور الثاني :- مشاركة المرأة في التعليم العام والجامعي من خلال نسبة التمدرس :- تنطلق الورقة في هذا المحور من المسلمات التالية :-
- أن ضعف مشاركة المرأة في التنمية يأتي بسبب الأمية وعدم الحصول على تعليم عال انطلاقاً من أن التعليم هو أساس رئيس من أسس التنمية.
- أن تعليم الإناث يشكل احد أهم مقتضيات التطور, بل وضرورة من ضروريات العملية التنموية. فتعليم الإناث له أهميته في هذا المجال وغيره .
- أصبح للتعليم قيمة اقتصادية وعامل حاسم في تحقيق التنمية الشاملة بعد قيام الثورة والاستقلال حيث تبنت الحكومات الوطنية سياسة نشر التعليم ومجانيته ، وكان ذلك بمثابة شعار رفعته تلك الحكومات لكسب شرعيتها في الحكم والقضاء على الأمية المنتشرة بين الأفراد الذين حرموا من التعليم في الفترة السابقة
وهنا نتساءل عن نسب مشاركة الإناث في مراحل التعليم وذلك بالاعتماد على نسب التمدرس أو الالتحاق بالتعليم كمؤشر هام يؤخذ به في دراسات التنمية والتخلف للإشارة إلى درجة تطور المجتمعات , ومدى مشاركة المرأة في التنمية .
نسب مشاركة الإناث في مراحل التعليم المختلفة :-
- هناك زيادة كبيرة وملحوظة في نسب التحاق الإناث مقارنة بفترة ما قبل الثورة.
مرحلة التعليم الابتدائي في العام الدراسي 62/1963 وبنسبة (9.2% ).
مرحلة التعليم الإعدادي في العام الدراسي 64/1965 وبنسبة (0.20% ).
مرحلة التعليم الثانوي لم تتمكن الإناث من الالتحاق به سوى في العام الدراسي70/1971 وبنسبة( 9.1% ).
مرحلة التعليم الجامعي فقد التحقت أول طالبة بجامعة صنعاء في العام الجامعي 70/1971 في كلية الآداب من ضمن (58 ) طالباً التحقوا بأول دفعة سجلت بالجامعة.
العوامل :-
التزام حكومات ما بعد الثورة والاستقلال بتطبيق مبادئ تحقيق ديمقراطية التعليم وتكافؤ فرصه في السياسات التعليمية المتعددة.
نتيجة للطلب الاجتماعي الشعبي المتنامي والمتزايد على التعليم المدفوع بقوة الرغبة في تجاوز حالة الحرمـان والهامشـية الاجتماعيـة مـن التعـليم.
- أن هناك تدن ملحوظ في نسب التحاق الإناث بمراحل التعليم المختلفة ومخرجاتها , مقارنة بنسب الذكور.
العوامل :-
- عوامل المتعلقة بنظام التعليم , ومنها على سبيل المثال إلى مسألة عدم تعميم التعليم وتطبيق مبدأ إلزاميتة, وبالتالي لم تتمكن السياسة التعليمية من تلبية مجمل الطلب الاجتماعي الشعبي على التعليم في مختلف مراحله وأنواعه ، هذا بالإضافة إلى حالة الاكتظاظ في الصفوف الدراسية وعدم وجود مدارس خاصة بالإناث , واختلال توزع الإناث على مختلف التخصصات .
- عوامل الاقتصادية , محدودية دخل الأسرة وقلة إمكانياتها في ظل كثرة عدد الأطفال , قد ساهمت بشكل فاعل في جعل قرار الأسرة مقتصراً على إرسال الذكور دون الإناث إلى المدرسة , وهذا أثر بشكل واضح على تدني نسب التحاق الإناث بالتعليم ومشاركتهن في التعليم .
- عوامل اجتماعية وثقافية , مواقف وقيم مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية من تعليم الإناث , وعدم الوعي بأهميته , بسبب أمية بعض أولياء الأمور, بالإضافة إلى الزواج المبكر المنتشر في المجتمع اليمني , والذي عادة ما يتحدد موقف الأولياء من تعليم بناتهم في ظل توافقه أو تعارضه معه , بمعنى إذا كان التعليم سوف يؤمن فرصة زواج للبنت واصلت تعليمها , وإلا فإنهم يفضلون خروجها من المدرسة .
هذه العوامل مجتمعة تؤسس لأيديولوجية تبخس من القيمة الاجتماعية لتعليم الإناث بمختلف أنواعه في المجتمع اليمني , وبالتالي تؤثر بشكل سلبي على مشاركتهن لاحقا في مختلف البرامج التنموية , وبخاصة إذا ما اعتبرنا التعليم مشروعاً مجتمعياً هادفاً ويشكل نوعا من الاستثمار لرأس المال البشري.
المحور الثالث:- مشاركة المرأة في المجال السياسي:-
- تعود المشاركة السياسية للمرأة في المجتمع اليمني إلى ما بعد الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990, عندما أعلنت التعددية السياسية أو الحزبية كشعار وتوجه استراتيجي هام لدولة الوحدة.
- ظهور قوى اجتماعية وسياسية متعددة ومتصارعة تختلف في توجهاتها وفلسفاتها وبالتالي أيديولوجياتها....حول العديد من قضايا المجتمع اليمني ومنها مشاركة المرأة في المجال السياسي, والتي انقسمت حولها مختلف القوى الاجتماعية والسياسية إلى تيارين أساسين:- معارض ومؤيد وكل منهما تشكل من عدة قوى اجتماعية وسياسية متباينة.
الأول:- يقف ضد أي مشاركة للمرأة في النشاطات المختلفة ومنها السياسية.
الثاني:- فيمكن القول انه يحاول مواكبة العصر والتطور الاجتماعي.
محطات تاريخية هامة لمشاركة المرأة في المجال السياسي .
انتخابات مجلس الشورى لعام 1988 في المحافظات الشمالية.وانتخابات مجلس النواب لعام 1993.
من هنا أصبح يحسب لمشاركة المرأة حسابات عديدة, وبالتالي اعتبرت قوة اجتماعية هامة سعت أغلب القوى الاجتماعية بمختلف توجهاتها إلى الاستعانة بها في عمليات التصويت طمعا في ترجيح كفة هذا التوجه أو ذاك وفي مختلف النشاطات السياسية وخاصة الانتخابية.
حجم مشاركة المرأة في المجال السياسي:سوف نتناول ذلك من خلال المؤشرات التالية:-
العمليات الانتخابية المختلفة , وتمثيلهن النسبي في الوظائف الإشرافية العليا , وكذا في عضوية مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات غير الحكومية أو ما يعرف بمنظمات المجتمع المدني.
يلاحظ أن حجم مشاركة الإناث في الانتخابات المختلفة لا تزال دون مستوى الطموحات النسوية. إذا ما قيست بحجم الجهود التي بذلتها مختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية قصد إقحام المرأة في المجال السياسي, بالإضافة إلى التشجيع والدعم الذي حظيت به هذه الجهود رسمياً داخلياً وخارجياً.
نفس الملاحظة يمكن أن نقولها عن مشاركة المرأة في بقية المجالات السياسية, كتبؤ مناصب سياسية وإدارية عليا, ومواقع اتخاذ القرار.... وغيرها من المجالات ذات العلاقة بهذه المسألة.
وتفسير هذه النسب المتواضعة لمشاركة المرأة في مختلف النشاطات السياسية , يمكن فهمه في إطار البنية الاجتماعية ومحدداتها الثقافية التي لاتزال تعوق نشاط المرأة في المجال السياسي ، ذلك أن الموروث التاريخي ينعكس في الوعي الجمعي داخل المجتمع محدداً رؤية نمطية لأدوار المرأة يتم فيها الاستعانة بها حيناً وتهميشها أحياناً أخرى, باعتبار النشاط السياسي ميدانـاً ينتمـي إلى المجال العام( خارج المنزل), إضافة إلى أمية المرأة والتي تعكس ذاتها في استمرار تبعيتها للرجل ومختلف القيم الاجتماعية, والثقافة النمطية التي ترسخ في وعي المرأة أن طبيعتها الأنثوية تحدد وجودها الاجتماعي وأدوارها في المجال الخاص (داخل المنزل) , والذي تعد المرأة من خلاله للأدوار المنتظرة منها في المستقبل عن طريق التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي.