التقنيات المعلوماتية أدوات آنية ومستقبلية
.حنان الصادق بيزان
أكاديمية الدراسات العليا - ليبيا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
لقد ظهر عقـد التسعينيات على البشرية حاملاً بين ثناياه طيفاً من الأساليب والنظم والأدوات جعلت من النسـق المجتمعي أكثر ميلا للتعامل مع المدركات البصرية، إذ أصبحت معـه تقنيات المعلومات أقطاباً محركة لتحقيق التقـدم والرفـاه بالمجتمعات أو الدول الأكثر تقدمـاً، وأدوات فعالة للرفع من معدلات التنمية في الدول أو المجتمعات الأقل تقدمـاً. إذ إن النظـم المجتمعية على اختلاف مستوياتها ودرجـة تحضرها تتزايد قدراتها على التعامـل مـع الحواسيب، كلمـا ازدادت توجهـا نحـو المدركات البصرية.
لذا فإن عدد الحواسيب الشخصية المستخدمة في مختلف أنحاء العالم تقدر بحوالي ثمانين مليوناً أو ما يزيد، وإن هذه الظاهرة ستستمر في النمو بطبيعة الحال، خصوصا مع تنامي استخدامات شبكة الإنترنت، حيث أصبح بإمكان آلاف الملايين من العلماء والباحثين وغيرهم ممن يستخدمون الحواسيب وخدمات الاسترجاع على الخط المباشر التي كانت تعمل مستقلة عن بعضها البعض فيما مضي، التعامل مع موارد الإنترنت كالجماعات الإخبارية الشبكية News Groups والبريد الإلكتروني Electronic Mail والأدلة الإرشادية List Serves وإمكانيات (الجوفر)Gopher ونسيج العنكبوت العالمي World Wide Web " WWW ".
ومن المعلوم أنه نتيجة لامتزاج تقنيات المعلومات والاتصالات ظهرت خدمات عديدة لتراسل المعطيات مثل خدمات البريد الإلكتروني وعقد المؤتمرات عن بعد (والتليتكس والفيديوتكست) ونقل الرسائل المرئية والمطبوعة والمصورة والمسموعة، كـل ذلك عبـر شبكات الاتصالات عـن بُعد مشكلاً بذلك طريقا سريعاً لتدفق وانسياب المعلومات عبـر الحـدود حيث تمثـل تقنيات المعلومات والاتصالات دعامتين أساسيتين. وهذا يعد تطـوراً طبيعياً لإنتاج شبكة الإنترنت واعتبارها طريقاً إلكترونياً مهمـاً للمعلومات Electronic Information Highway في العصر الحالي.
في حين تنمو الطرق الإلكترونية للمعلومات داخل الحدود القارية، فإن الطريق فائق السرعـة للمعلومات سيشهد الغد المقبل أخذه الصيغة الكونية، وإن هذا الطريق سيكون وسيله يتمكن من خلالها الأصدقاء والعائلات أن يتخطوا الحواجز الزمنية والمكانية، الأمر الذي سيجعل منه سوقاً إلكترونياً تُسوق فيه المنتجات والبضائع إذ سيكون مستقبلا. هذا الطريق هو طريق الرفاه الوطني دون شك للشعوب إذ سيترك الطريق السريع للمعلومات أثراُ كبيراً في كل مناحي الحياة خلال السنوات القليلة القادمة، لأن هذا الطريق ليس لاجيال اليوم وإنما هو للأجيال المستقبلية التى ستكبر وتتربي مع تطور الحواسيب والإنترنت وشبكات الهواتف الخلوية وسوف يتأثرون بها ويؤثرون فيها أبلغ تأثير وتأثر.
ويُعد إيجاد تشريعات تنظيمية للخدمـات الحديثة المتخلقة مـن هذا التطور غاية في الأهمية وجزءاً مكملاً من التوجهات التى تحاول الإستراتيجيات التنموية والسياسات المعلوماتية الوطنية والإقليمية والدوليـة صياغتها1 ووضعها لتنظيـم عملية الإفــادة منها. لذا من المتوقع أن تشهـد الفترات القادمـة تزايـداً في استخدامـات توظيف التقنيات المعلوماتية في كافـة مناحي الحيـاة العلميـة والاجتماعية، فمـن الممكن توظيفها حتى للأغراض المنزلية.
وهذا ما يدعو للتأكيد على أن الوسائـط الضوئيـة التى يمكن الكتابة عليها Writable ستشهد انخفاضاً في التكلفة مصحوباً بزيادة في الجودة والكفاءة كسرعة الأداء، الأمر الذي يسهل لنظم الأرشفة الوطنية أن تضم وثائق مصورة وصوراً ثابتة ومتحركة مصحوبة بمادة صوتية مكونة بذلك نظم أرشفة إلكترونية حية أو ما يمكن تسميته بذاكرة الأمة فإن تداخل المعلوماتية وتقنيات الصوت والصورة أصبح ركيزة أساسية في شبكات المعلومات والحواسيب، كما أنه استناداً إلى الهواتف الخلوية Cellular (المودمات) الخلوية تزداد خيارات الارتباط المتاحة بشكل ملحوظ.
ومن هذا المنطلق فإن الشبكات الرقمية الخاصة بالخدمات المتكاملة Integrated Services Digital network (ISDN) تقوم بإيصال الصور والأصوات المستندة إلى أساس رقمي عبر موجات واسعة المدى إلى حواسيب المستفيدين والمزودة بدورها بوصلات خاصة بنوعية تلك الشبكات، ومن المتوقعة مستقبلاً حدوث منافسة بين الشبكات تلك مع الشبكات السلكية Cable في توفير مقومات الاتصالات المنزلية والمكتبية2، من خلال توظيف وصلات الآلياف الضوئية أو البصرية التى تتوافر بها مقومات تنافسية لتلك الوصلات السلكية التقليدية .
إذ إنه في وقتٍ ليس ببعيد سيتم التبشير بانتشار أجهزة الحواسيب المتلفزة أو الأجهزة المرئية المحوسبة متعددة الاختصاصات، حيث نجدها تجمع بين البث والتواصل وتلبية مايريده المتلقي بمعنى خدمـات متاحة حسـب الحاجة والطلب، لذا فإن رقمنة الضوئيات مكنه من التواصل إلى إنتاج وتطوير الألياف البصرية الضوئية بأسعار متزايدة الانخفاض تماماً، كما لتطور تقنيات اللاسلكي وضغط البيانات قد جعل بالامكان انسياب المعطيات بسرعة كبيرة من طريق شبكات سلكية ولاسلكية الأمر الذي ساعد على تراسل وتبادل المعلومات والقيام بإجراء معاملات متعددة بالطرق الإلكترونية 3 عن بعد بصورة جعلت منها لاغنى عنها في كافة جوانب الحياة المجتمعية.
لقد كان كل ذلك بفضل ما تحويه من ابتكارات في الإلكترونيات الدقيقـة والمرئية والمكونات والبرمجيات والاتصالات البعيدة والمشغلات الشديدة أو المتناهية الصغرSemiconductors أشباه الموصلات والألياف الضوئية، حيث تسمح بتشغيل وتخزين كميات هائلة من المعلومات مع سرعة في بثها عبر النظم الشبكية، ومن الجائز مستقبلا ظهور تقنيات المنمنمات التى تنبثق من إنجازات علمية تُمكن الهندسة والعلم على مستوى الجزيئ بشكل تعيد ترتيب الذرات لخلق تركيبات جزيئية جديدة، إذ إن القليل فقط من النشاط البشري لن تتدخل فيها مثل هذه النوعية من التقنيات حيث ستدمج تقنيات المنمنمات والتقنيات البيولوجية بهدف التطلع لظهور حواسيب بيولوجية ومجسمات بيولوجية 4سيكون لها أثر كبير على زيادة السيطرة والتحكم والقوة لمن يمتلكها ويحسن توظيفها !.
ولعل من أهم التوقعات في وقت ليس ببعيد سوف يكون للحواسيب إمكانية تَلقي وإدراك ما يُمْلَى عليها بدرجة دقة عالية قد تصل الى 95% ، وهناك بعض المبادرات بهذا الصدد فهناك محاولات لإمكانية تعرف الحاسوب على الصوت حوالي 40000 ألف كلمـة منطوقة من قبل شخص لم يسبق للحاسوب أن سمعه، وهذه طبعاً من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي والوصول إلى مرحلة متقدمة للغاية، وفي هذا الصدد يري(ميتشيو كاكو Michio Kaku) في 1998 أن أول خطوة لتحقيق ذلك هي تطوير برمجيات ( العملاء الأذكياءIntelligent Agents ) التى تستطيع اتخاذ قرارات أولية وتعمل كمرشحات للمعلومات المقدمة إليها، وأنه على الأرجح أن تبقى المحاولات مرهونة بظهور الطور الرابع من التحسيب والذي من الأرجح ظهوره مع حلول 2020، حيث يأمل العلماء أن يستبدل (العملاء الأذكياء ) بذكاء اصطناعي حقيقي 5.
إن ذاك التطور المجتمعي الحاصل في التقنيات المختلفة الذي يقترب الآن بشكل كبير بحيث يتيح في المستقبل القريب شكلاً جديداً للنشاط البشري في شتى المجالات في العمل والتعليم والتعلم، كذلك في طرق الإنتاج وفي التعاملات السياسية والاقتصادية المختلفة، ومن الجدير بالذكر هي تلك الركائز الاساسية التي من خلالها تطورت شبكات المعلومات وستبنى عليها كافة التطورات المستقبلية والتي تكمن في توظيف وتطوير كل من المعالجات الدقيقة Micro Processors والحواسيب الشخصية Personal Computers من حيث الأجهزة والمعدات والبرمجيات والاستخدام، كذلك الشبكات اللاسلكية أو الشبكات الخلوية Cellular Networks ، إضافة إلى الشبكات الضوئية الكاملةAll-optical Networks التي توظف الألياف البصرية والضوئية .
ومن الجدير بالذكر بهذا الصدد ان أحد المشروعات العملاقة Fiber - Optical Link Around the Globe (FLAG) الذي هو صلة ضوئية بطول 27300 كم يمتد بين المملكة المتحدة واليابان مروراً بأسبانيا وإيطاليا ومصر والإمارات العربية المتحدة والهند وماليزيا وتايلاند وهونج كونج والصين وكوريا وتقوم بتنفيذه شركة AT&T الأمريكية وشركة KDD اليابانية. كما أنه من بين الركائز الأساسية للتطورات المستقبلية بهذا الصدد هي الذكاء الاصطناعي والبرمجيات الذكية المبنية على نظم المعرفة 6، إذ إن التطور الحاصل في الذكاء الاصطناعي يتضمن زيادة السعة التخزينية أو الاستيعابية والإدراكية للحواسيب مع صغر أحجامها التي تصل إلى التصغير المتناهي Nano Technology.
ومما تقدم تتضح حقيقة هي أن الوسائط المعلوماتية بمختلف صورها وأشكالها هي وقود القرن القادم، بينما طريق المعلومات الفائق السرعة فهو بمثابة المضخة التي ستضخ من خلال تلك الوسائط والأدوات بالمعلومات وإيصالها إلى بيوتنا، ولعل السؤال الذي يطرح في هذا المنعطف الحرج الى اي مدى يصل استعداد الدول والمجتمعات..على اختلاف وتنوع تراكيبها المجتمعية ودرجة تحضرها ؟
خصوصاً وأن تلك الوسائط والأدوات تعد عنصراً أساسيا من عناصر البنية الأساسية للمعلومات التى تعني نوعين أو تركيبتين أساسيتين من أجل توافر البنية الأساسية للمعلومات بمجتمع ما، الأول التركيبة التخزينية والاسترجاعية والمتمثلة في الحواسيب وأساليب التوثيق والمعالجة والاسترجاع، والثانية التركيبة الاتصالية المتمثلـة في قنوات التراسل ومناهج انسياب وتدفق المعلومات، ويضاف إليهما جانب الصيانة والتطوير بالمجتمع.
قائمة المراجع المستخدمة
1) أحمد أنور بدر، محمد محمود عرفه." مشروع الشبكة العربية للمعلومات: دراسة مقارنة بين الاتحاد الأوربي والمجتمع الأمريكي والوطن العربي ".ـ في تراسل البيانات بين الدول العربية .ـ تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- إدارة الثقافة ، 1996 . ص ص 28-29 .
2) أودرى جروش. تقنيات المعلومات في المكتبات والشبكات.ـ ترجمة حشمت قاسم.ـ الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1999، ص ص682 – 698.
3) أحمد الكسيبي." من اجل جادة للمعلومات في الوطن العربي ".ـ الاتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات ، ع11 ، 1999 .ص ص15- 16 .
4)UNDP .تقرير التنمية البشرية لعام 2001: توظيف التقنيات الحديثة لخدمة التنمية البشرية.ـ القاهرة: مركز معلومات قراء الشرق الأوسط،2001 . ص30.
5) إبراهيم عبد الموجود حسن. " تكنولوجيا المعلومات وتحديات القرن الواحد والعشرين " .ـ الاتجاهات الحديثة في المكتبات والمعلومات، ع17، 2002. ص82.
6) محمد أديب رياض غنيمي. شبكات المعلومات: الحاضر والمستقبل.ـ (سلسلة كراسات مستقبلية).ـ القاهرة: المكتبة الأكاديمية، 1997، ص ص 73 – 75.