[tr][td dir=rtl style="FONT-SIZE: 10pt; FONT-FAMILY: Tahoma" valign="top" height="50" bgcolor="#ffffff" align="center"]
العلاقة الجنسية بين الزوجين
[/td][/tr][tr][td dir=rtl style="FONT-SIZE: 10pt; FONT-FAMILY: Tahoma" width="600" valign="top" height="420" bgcolor="#ffffff" align="right"] * د. القرضاوي
س: لقد تعلمنا مما سمعناه منكم غير مرة: أن لا حياء في الدين وأن على المسلم أن يسأل ويستفسر عما يهمه في أمر دينه، وإن كان من شئونه الخاصة.
وعلى هذا أستأذنكم في هذا السؤال، وهو يتصل بالناحية الجنسية بين الرجل وامرأته. فهذه مثار نزاع بيننا باستمرار، فكثيراً ما تشتد عندي الرغبة فأطلبها فتنفر هي مني وترفض، ربما لتعبها أو لعدم رغبتها. أو غير ذلك من الأسباب التي تعتبرها هي مانعاً، ولا أعتبر أنا كذلك.
فهل وضع الشرع لذلك حدوداً يقف عندها الزوجان في هذه الناحية الحساسة، بحيث يعرف كل واحد منهما ما له وما عليه؟ أم ترك ذلك لما يتفق عليه الطرفان؟ ولكن ما الحكم إذا اختلفا في ذلك. ولم يتفقا فيه، وهو من الأمور الداخلية التي لا تعرض على الناس عند النزاع ليحكموا فيها، لما لها من طبيعة الخصوصية والسرية؟.
ولهذا اتفقت أنا وزوجتي، أن نستفتيك في هذه القضية، لنسمع منك التوجيهات الشرعية فيها، ونحن في انتظار جوابك وبيانك الذي لمسنا دائماً أنه يكفي ويشفي .. .
ج: أما أنه لا حياء في الدين، فهذا لا ريب فيه، وقد أثنت أم المؤمنين عائشة على نساء الأنصار فقالت: لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. وقد كانت إحداهن تسأل عن أمور الحيض والنفاس وما شابهها. كما تسأل عن أشياء تتعلق بالجنابة والإنزال والغسل ونحوها. وكانت هذه الأسئلة مشافهة. وهذه أصعب ـ بلا شك ـ من السؤال عن طريق رسالة مكتوبة، أو عن طريق الهاتف ونحو ذلك. وفي المساجد دروس يحضرها الكبار والصغار، والأيامى والمتزوجون، وقد يحضرها النساء عجائز وشواب. وفي هذه الدروس تعلم أحكام الطهارة والوضوء والغسل والحيض والنفاس وما شابهها، وفيها ـ في نواقض الوضوء مثلاً ـ ما خرج من السبيلين (القبل والدبر) ومس الذكر، ولمس النساء بشهوة أو بغير شهوة. وفي موجبات الغسل يذكر الجماع والاحتلام مع الإنزال والاستمناء وغير ذلك من الأحكام التي تتصل بالنواحي الجنسية.
ومثل ذلك يحدث في دروس التفسير والحديث إذا جاءت آية، أو حديث يتعلق بتلك النواحي، فلا يجد المفسر أو المحدث حرجاً في الحديث عن ذلك، وبيان حكم اله تعالى وهدى رسول الله (ص).
وما كان لتناول هذا الجانب بهذه الصورة أي أثر سلبي يخشى منه، لأنه كان يتناول في جو من الجدية والبساطة والحرص على المعرفة، مع ما يحيط به من جلال الدين، وهيبة المسجد، ووقار العالم.
وهذا ما ينصح به المهتمون بالتربية الجنسية في عصرنا: أن يزال الغموض والحجب الكثيفة عن موضوع الجنس، وأن ينال المتعلم قدراً من المعرفة به دون تزمت أو مغالاة.
وأما موضوع الاستفتاء ـ الذي يتطلب الأخ فيه الحكم والبيان الذي يعتقد أنه يكفي ويشفي، فأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنه، وأقول:
إن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية. وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة. وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد.
وربما ظنّ بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها. وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأطهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناءً على نظرة بعض الأديان إلى الجنس ((على أنه قذارة وهبوط حيواني)).
والواقع أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحساس من حياة الإنسان، وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية.
1 ـ وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذراً وتلوثاً. ولهذا منع الذين أرادوا قطع الشهوة الجنسية نهائياً بالاختصاء من أصحابه، وقال لآخرين أرادوا اعتزال النساء وترك الزواج: ((أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له، ولكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
2 ـ كما قرر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، حيث جاء في الحديث الصحيح: ((وفي بعض أحدكم (أي فرجه) صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: نعم. أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر. كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر، أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير؟)). رواه مسلم.
ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة. وأنه اشد شوقاً إليها، وأقل صبراً عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك … وهو عين ما أثبته الشرع.
أ) ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: ((إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التنور)).
ب) وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرطاً في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعاً إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل، ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)).
وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك.
وعلى الزوج أن يراعي ذلك، فإن الله سبحانه ـ وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم ـ أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بذل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك.
ج) وتتمة لذلك نهاها أن تتطوع بالصيام وهو حاضر إلا بإذنه، لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: ((لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه)) والمراد صوم التطوع بالاتفاق كما جاء ذلك في حديث آخر.
3 ـ والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى. ولهذا قال لمن كان يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه مثل عبدالله بن عمرو: إن لبدنك عليك حقاً، وإن لأهلك (أي امرأتك) عليك حقاً.
قال الإمام الغزالي: ((ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة، فهو أعدل، إذ عدد النساء أربع (أي الحد الأقصى الجائز) فجاز التأخير إلى هذا الحد. نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين. فإن تحصينها واجب عليه.
4 ـ ومما لفت الإسلام إليه النظر ألا يكون كل هم الرجل قضاء وطره هو دون أي اهتمام بأحاسيس امرأته ورغبتها.
ولهذا روي في الحديث الترغيب في التمهيد للاتصال الجنسي بما يشوق إليه من المداعبة والقبلات ونحوها، حتى لا يكون مجرد لقاء حيواني محض.[/td][/tr]