تمثل الحركات الاجتماعية في تناميها وطبيعة أهدافها وعملها وعاء للعمل تتجمع فيه المجموعات الاجتماعية والمهنية ومجموعات المصالح. وبدأت هذه الحركات تشكل بديلا للأحزاب السياسية التي تعاني من العزوف والضعف، وفي كتاب الحركات الاجتماعية في الوطن العربي عرض مفيد لخريطة الحركات الاجتماعية وشبكاتها التي تستوعب معظم مصالح وتطلعات المجتمعات والنقابات والطبقات أكثر بكثير من الأحزاب السياسية والمشاركة السياسية، وهي حالة يجب أن يتوقف عندها طويلا المشتغلون بالتنمية السياسية.
بدأت الحركات الاجتماعية بالعمل في الوطن العربي منذ فترة الدولة العثمانية ولكنها تنامت مع قيام الدول الحديثة، وبدأت تشكل اليوم ظاهرة واسعة وممتدة ومتنامية. في لبنان تأسس اتحاد العمال العام عام 1919، وشاركت النقابة في مظاهرات معركة الاستقلال، واستمرت نشاطات الاتحاد إلى أن حُل في عام 1948، وفي عام 2002 كانت الاتحادات النقابية في لبنان تبلغ 37 اتحادا وتضم 300 نقابة يشارك فيها حوالي مائة ألف منتسب.
وتبلورت الحركة الطلابية في أوائل الخمسينات للتعبير عن مواقف سياسية داعمة أو رافضة لإجراءات معينة، وأما المنظمات النسائية فتعود إلى أوائل القرن العشرين، وأول جمعية تأسست كانت عام 1924 هي جمعية النهضة النسائية، واجتمعت الجمعيات النسائية عام 1950 تحت اسم اللجنة التنفيذية للهيئات النسائية في لبنان، ويضم المجلس 160 جمعية وهي مختلفة المشارب والألوان وغير متفقة على كثير من القضايا، ولكن أكثرها تتمحور حول العمل على تعديل القوانين اللبنانية لتكون متلائمة مع اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وبدأت جمعيات حقوق الإنسان العمل عام 1966 تحت اسم جمعية جامعة السلام في العالم، وأول جمعية لبنانية تأسست عام 1985 ثم تلاها عشرات الجمعيات، بالإضافة إلى عدد من المنظمات تعمل في مجال حقوق الإنسان. وبدأت في الثمانينات جمعيات البيئة والتي يبلغ عددها 38 جمعية، وقد تباينت الدوافع التي ارتكزت عليها الجمعيات فمنها علمية ومنها ما ارتبط بدوافع سياسية طائفية من أجل الحصول على تمويل واستقطاب من طوائفها ومناطقها.
وفي سورية بدأت الحركات العمالية منذ العشرينات، وتميزت أيضا بالجمعيات الإسلامية، مثل دار الأرقم، وجمعية الشبان المسلمين، وهي الجمعيات التي كانت أساسا لقيام جماعة الإخوان المسلمين في سورية في منتصف الأربعينات، التي كانت من أكثر الحركات الإسلامية نضجا وتقدما، وكانت أول حركة إسلامية توصل ممثلين إلى البرلمان وتدخل في تحالفات ومشاركات سياسية وانتخابية مع حركات سياسية ليبرالية وتجمعات انتخابية من غير المسلمين.
وتمثل حركات حقوق الإنسان السورية التي بدأت العمل بعد عام 2000 إطارا لتجمعات المعارضة والإصلاح السياسي، مثل جمعية حقوق الإنسان (غير المرخصة) ولجنة أهالي المعتقلين. وبدأت في السنوات الأخيرة حركات مناهضة العولمة بالتشكل في أقطار عربية شتى، وتضم عادة نشطاء اليسار وتمثل إطارا جديدا للعمل من أجل تحقيق ديمقراطية اجتماعية تعالج الأزمات الناشئة عن عمليات الخصخصة الجارية اليوم في معظم الدول العربية.
وتمتلك النقابات المهنية في السودان تجربة فريدة عندما أوكل إليها سوار الذهب عام 1985 بعد تنحيته للنميري عن الحكم إدارة البلاد لمدة سنة وإجراء الانتخابات العامة لأول مرة بعد تعطيل الحياة السياسية والتعددية والانتخابات لمدة 16 عاما، وهي حالة متقدمة سياسية وديمقراطيا جديرة بالاعتزاز والدراسة على مستوى العالم الثالث، وبخاصة في العراق التي تعيش تجربة مشابهة.
ويبدو غريبا جدا أنّ التجمعات النقابية والمهنية ومجموعات المصالح والطبقات الاجتماعية في العراق، لم تأخذ مبادرة للإصلاح والحكم والإدارة تخرجه من دوامة الحرب الأهلية والصراع الطائفي.
وشهدت فترة الستينيات والسبعينيات نشاطا مكثفا على المستوى الثقافي وسط الكتاب والأدباء، وكانت الحركة الثقافية امتدادا لحركات التحرر الوطني، وكانت البدايات للحركة الفكرية خارج الإطار الرسمي، ثم ظهرت فكرة الاتحادات العامة للأدباء والفنانين، وهي تجمعات تصلح؛ إن أعطيت الفرصة لتطوير الحياة العامة في الدول العربية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] »
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]