فريق الادارة المدير العام
عدد المساهمات : 3110 نقاط : 8100 تاريخ التسجيل : 04/12/2009
| موضوع: راسل جاكوبى نهايه اليوتوبيا السياسه و الثقافه في زمن اللامبالاه / ترجمة: فاروق عبد القادر سلسلة عالم المعرفة 2001 الأحد يونيو 06, 2010 10:33 am | |
| يقع الكتاب في ستة فصول أشبه بالمقالات المتصلة المنفصلة أو هي مقاربات ذات خط فكري مشترك يتعلق بأزمة الهوية الثقافية التي يعيشها إنسان العصر. هذه المقاربات التي هي: نهاية النهاية ل «نهاية الأيديولوجيا، وخرافة التعددية الثقافية، وثقافة الجماهير والفوضوية، والمثقفون: من اليوتوبيا إلى انحسار البصر، ثم جمالية كثيفة ووطنية رقيقة، وأخيراً: الحكمة بالتجزئة.. الجنون بالجملة» وجاءت ترجمة الأستاذ فاروق عبدالقادر لهذه المقالات شديدة التميز والرصانة ولاتخلو من حس إبداعي في اختيار المفردة. يفتتح المؤلف كتابه قائلاً: خلال السنوات التي عملت فيها في هذا الكتاب، كانت الأحداث السياسية الأمريكية الكبرى تتمثل في اتهامات بالاغتصاب في الجيش، ووقائع زنى في القوات الجوية، ومسلك جنسي غير لائق في «البيت الأبيض». أما عن المشهد العالمي فيقول عنه المؤلف راسل جاكوبي في مقدمة الكتاب بأنه غير باعث على السرور، أو هو باعث على الاكتئاب، وقد تميز بالتقدم نحو الوحدة الأوربية من جانب، وسفك الدماء لأسباب طائفية، وتفكك الدول، من الجانب الآخر. أي أن آفاق المستقبل تبدو كئيبة والعالم الآن يبدو في عيون الشباب أقل فتنة وسحراً. ومن ثم تصبح هناك حاجة ماسة لمراجعة النظريات والأفكار الكبرى التي تمنح البشر الأمل في الحياة أو اليأس منها. من الملاحظ أنه بعد وفاة ستالين ومنذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي كان ثمة شعور يتنامى في أوروبا بأن الأيديولوجيا تتحلل وتتلاشى، فعلى سبيل المثال نشر رايموند آرون كتابه «أفيون المثقفين» الذي يحوي نقده للماركسية وأطلق مقولة «نهاية عصر الأيدلوجيا»، وبالتالي نهاية الأفكار الراديكالية واليوتوبية. رغم هذا ولأسباب قوية، كان التاريخ يتسارع أوائل الستينيات ووجدت الراديكالية حياة جديدة، فقوي الصراع الأيديولوجي بدل أن يضعف، فمثلا انتصر كاسترو في كوبا وقامت ثورات الطلبة في أوروبا عام 1968م وأصبح هناك شعور بنهاية المقولة التي تؤكد على نهاية الأيدلوجيا فإن عقد الثمانينيات شهد انهيارها المروع ممثلا في سقوط سور برلين عام 1989م وتفكك الاتحاد السوفيتي. مرة أخرى عاد أصحاب الأفكار يتحدثون عن نهاية الأيديولوجيا فمثلاً أصدر فوكو ياما كتابه: «نهاية التاريخ والإنسان الأخير». مؤكداً انتصار دولة الرفاق والرأسمالية الليبرالية قائلاً: «ستكون نهاية التاريخ حدثا جد حزين، فالنضال من أجل التميز، والمخاطرة بحياة الفرد من أجل هدف مجرد خالص، والصراع الأيديولوجي على نطاق العالم الذي يستثير الجسارة والشجاعة والمثالية والخيال، ستحل محلها جميعاً الحسابات الاقتصادية، والحلول التي لاتنتهي لمشاكل التقنية، والاهتمامات البيئية، وإشباع المطالب المتحذلقة للمستهلكين». بما يعني أن أكثر الاشتراكيين جرأة لايحلم بمستقبل يختلف اختلافا كبيرا عن الحاضر أو ما هو قائم بالفعل فالراديكالية اليوم لم تعد تصدق ذاتها ويلخص ستانلي أورنوفيتز الموقف قائلاً: «الحقيقة المرة هي أننا لانجد الكثير مما يميز اليسار في الولايات المتحدة عن ليبرالية الرفاه الاجتماعي... وما يروع أكثر هو أننا نعيش زمنا نضبت فيه أفكار اليسار». بالمقابل، وكما تدنت الرؤية الاشتراكية إلى مستوى الشك الراديكالي أصبحت الليبرالية فاقدة لمراسيمها وتطرح مصطلحات مثقفة وغامضة من قبيل السلطة الأخلاقية والولاء المدني والهوية المشتركة، وما تقدمه ليس خطابا وإنما مجرد نوع من الثرثرة يطرحها المنظرون في واجهة العرض لعل أحداً يرغب في شرائها، وأقصى طموح الليبرالية الآن أن تحدث بعض التعديلات في السوق أو في قوانين الضرائب. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن لليبرالية أن يكون لها عمود فقري إذا كان اليسار متهافتا؟ وهل يمكن لليسار أن يبقى إذا تخلى عن أي أمل يوتوبي؟ على هذا النحو يستعرض المؤلف المأزق الذي تعيشه الليبرالية والماركسية على السواء في محاولة لتحليل مقولة نهاية الأيديولوجيا لينتقل بعد ذلك إلى المقولة التالية: خرافة التعددية الثقافية. بادئ ذي بدء يستنكر المؤلف هذا الحماس الجارف لمفهوم التعددية الثقافية وكأنه فوق المناقشة أو كأنه انتصر تماماً في عقد التسعينيات من القرن المنصرم. وتبدو فكرة التعددية كأنها تسد ثغرة ثقافية فاغرة، فالليبراليون واليساريون وقد جُردوا من اللغة الراديكالية والأمل اليوتوبي تراجعوا باسم الاحتفال بالتنوع. وكان التعدد هو السلة التي تحوي كل شيء أو هو أيديولوجية عصر بلا أيديولوجية؟ ما من شك أن أفكار التنوع والتعدد في ذاتها ليست محل اعتراض على العكس هي أفكار صحيحة وجاذبة ونحن عادة نبتهج للاختلافات أكثر من التماثل، فالمسألة ليست في تفضيل التعددية ولكن في تقديمها كأنها شيكات على بياض دون طرح أية أسئلة بشأنها مثل: ماهو قدر التعدد في التعددية الثقافية؟ وما الفروق الحقيقية بين الثقافات؟ وماذا تعني كلمة ثقافة وكلمة تعدد؟ في ظل هذه الهزيمة النظرية اتسمت الثقافة بطابع ذاتي وأصبحت الثقافة هي ماتريده أي جماعة أو أي باحث أن يكون فلا أحد يجادل في أن أي جماعة من الناس تشكل ثقافة مستقلة في الوقت ذاته فإن الرطانة حول التنوع الثقافي تؤدي إلى تعتيم الحقائق الاجتماعية والاقتصادية بأن تجعلها إما غير ذات دلالة وإما غير مهمة. فإذا كان البعض يرى أن التنوع خصيصة ديمقراطية بعكس الأيديولوجيا التي هي ديكتاتورية بالأصالة فإن مثل هذه النظرة تحتاج إلى مراجعة، لأن فكرة التعدد على المستوى السياسي تعني التراجع أو الخضوع للدولة وللشركات الكبرى فهذه التعددية التي أصبحت أسطورة زماننا ماهي إلا أيديولوجية السوق والفرد. ومن المحتمل أن يكون العالم يتجه نحو تماثل ثقافي لاتعدد، ونحو تشابه في أنماط الاستهلاك أو مايمكن أن نطلق عليه «الأمركة» كما يلاحظ أن المناقشات حول التعددية كثيراً ما تتحول إلى لغو أكاديمي وهراء سياسية، حيث إنها تتميز بالآتي: ندرة التحليل الاقتصادي والاجتماعي، تضخم المناهج الثقافية، افتراض ان الثقافات تختلف اختلافات أساسية، العجز عن تقدير قوى التجانس، افتقاد وجود بديل سياسي، ومن ثم فإن هذه المناقشات وما يترتب عنها من سياسات إما أن تمضي إلى المبالغة في تقدير مشاعر مألوفة حول احترام كل الجماعات وإما أن تنحو منحى تدميريا لا يقوم على أساس!
| |
|