المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
كتاب التغير الجوهري تنمية الشباب في التنمية الجماعات الخدمة البحث المجتمعات والاجتماعية العنف المجتمع محمد المرحله الاجتماع اساسيات موريس التلاميذ العمل الجريمة الاجتماعي الالكترونية الاجتماعية التخلف
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 النخب الفكرية العربية: بحث في إجرائية المفهوم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
زهره الخضاب
المشرفة العامة
المشرفة العامة



التخصص : علم الاجتماع
عدد المساهمات : 39
نقاط : 92
تاريخ التسجيل : 16/02/2010
العمر : 47

النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Empty
مُساهمةموضوع: النخب الفكرية العربية: بحث في إجرائية المفهوم   النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 2:55 am

النخب الفكرية العربية: بحث في إجرائية المفهوم
د. منير السعيداني

تقديم:
تتجاوز مسألة النخب الفكرية كونها مسألة من مسائل علم الاجتماع الثقافي والسياسي إلى احتلالها موقعا مركزيا في المسائل المرتبطة بالسلطة السياسية و آليات الحكم في علاقة بالثقافة السياسية من جهة وبالمجتمع في أساسه الثقافي من جهة أخرى . ولئن طبعت البدايات التاريخية للمناقشات النظرية و التحليلية حول النخب في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين بالجدال العلمي و السياسي الذي كان محتدما بين التوجهات الاشتراكية و الاشتراكية الديمقراطية والماركسية من جهة والتوجهات الليبرالية من جهة ثانية، فإنها اكتست وجها مغايرا بالنسبة إلى البلاد العربية والإسلامية بالنظر إلى اختلاف ظرفيتها التاريخية عن الظرفية الأولى،واختلاف أطراف الجدال مضافا إليها اختلاف هذه الحاضنة الثقافية عن تلك . وتؤدي معاينة تلك الاختلافات إلى ضرورة النظر النقدي في التراث العلمي الاجتماعي المتراكم حول "النخب" بوصفها مفهوما تحليليا علميا اجتماعيا من أجل اختبار مدى صلوحيته في طرح المسألة في إطارها العربي الإسلامي. وفي سياق ذلك يركز ما نعرضه أدناه على الوجه الفكري الثقافي للمسألة، و ذلك في إطار ما نهتم به من مواكبة تحليلية لاستحالات المثقف والثقافة والممارسة الثقافية من مختلف وجوهها.
أولا: في قضايا التسمية :
1- تدل المعاني الاشتقاقية للفظ "نخبة" في لغات مختلفة على الندرة والقلة إذ هي تحيل على الاصطفاء و الاختيار والانتخاب والقطف و الانتزاع من رأس الشيء أو من أساسه. وتمتد تلك الإحالة إلى ما يمثل خصيصة الشيء الأكثر تمييزا له عما عداه وعلى أساس التميز والنقاوة والصفاء والرفعة و عدم الاختلاط مع ما هو عام ومبذول و مبتذل وعادي.
2- ففي العربية يستخدم مصطلحان في ما نحن بصدده و أولهما النخبة من نخب الرجل الشيء نخبا وانتخبه أي اختاره وانتقاه وأخذ نخبته، وتأسيسا على ذلك تكون النخبة و جمعها نخب المختار من كل شيء، بحيث تجمع النخبة وجمعها نخبات المنتخبين من الناس في مجال ما. ثاني المصطلحين هو الصفوة وهو يتحدر اشتقاقا من صفا فلان القدر أي أخذ صفوها واستخلص ما فيها، فالمصطفى هو المختار، والصفي هو النقي من كل شيء.
3- أما في غير اللسان العربي فأصل الاشتقاق في الفرنسية مثلا يرقى إلى اللفظ اللاتيني الشعبي Ex Legere الذي يعني قطف واختار وجمع، و حسب القواميس الفرنسية منه نحت في حدود 1080 لفظ Eslere ليشير إلى نفس المعنى، ومنه اشتقت الكلمة الحديثة Elite.و في الإنكليزية شهد اللفظ نفس مسار النحت والاستخدام تقريبا في ما يسجل الاستخدام الألماني هو أيضا نفس ما نجده في الفرنسية رسما ومعنى. أما في الإسبانية فأصل الاشتقاق هوLo mas selecto ومعناه مثل ما في الفرنسية، وترسم الكلمة في الإيطالية مثلما ترسم في الفرنسية موضوعة بين مزدوجين ومعناها مثل ما في الفرنسية.
4- تثار في مجال الاستخدام العلمي الاجتماعي المخصوص التقاربات التي يمكن أن تلاحظ بين مفهوم النخبة من ناحية و مفاهيم الطبقة والفئة والشريحة وخاصة في مجال علم الاجتماع السياسي. ولئن كانت العديد من المؤلفات ذات التوجهات التحليلية الماركسية خاصة تحرص على التأكيد أن المفاهيم المذكورة هي القادرة على الإحاطة بما هو موجود فعلا وواقعا فإن اختلافا واضحا يميز هذه المفاهيم عن مفهوم النخبة. ففي حين تكتسب البنى والهياكل والمؤسسات الاجتماعية المقصودة لدى استخدام تلك المفاهيم في سياق ماركسي، وجودا " تاريخيا اجتماعيا محتما" أي موضوعيا في سيرورة الإنتاج و في بنية توزيع الدخول والثروات مع ما يساوق ذلك من تمثلات رمزية ومتعلقات تتصل بالمظاهر و الصيت، يبدو مفهوم النخبة محيلا على موقع غير محتم في حقل مواقع النفوذ وبنية علاقات القوة داخل الطبقة أو الطبقات الحاكمة أو المهيمنة سياسيا، أي موقع لا يكتسب إلا موضوعية حادثة من خلال فعل تاريخي مخصوص، بما يجعله موقعا غير بنيوي أو هيكلي حسب التعابير الماركسية بحيث تبدو النخبة نتاجا لتحولات سياقية محددة بظروف مخصوصة يمكن أن تكون من خارج ما تفترضه "الحتميات المقدرة تاريخيا".ولئن كان وجودها ذاك مصحوبا هو أيضا بتمثلات رمزية فإن متعلقاته من مظهر و صيت وغيرهما لا تبدو بنفس الوضوح الذي تكون عليه بالنسبة إلى الطبقة أو الفئة أو الشريحة، بل من بين متعلقات المظهر و الصيت لدى النخبة ما يمكن أن يكون خفيا أو مخفيا بقصد حتى تتمكن من ممارسة وظائفها القيادية بأقصى قدر ممكن مما تفترضه من النجاعة الإجرائية.
5- سجل مجال التفكير السياسي العربي الإسلامي لأواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين استخدام ألفاظ قريبة مما كنا بصدده شأن الخاصة وأهل الحل و العقد (أو أهل الحل والربط) والأعيان وهي مفاهيم تتحدر من تراث الآداب السلطانية الإسلامية الوسيطة. ويبدو مفهوم الخاصة أكثرها اتصالا بالمقصود من النخبة ففيه معنى الاختيار والمقصودون بأهل العقد و الحل هم الماسكون بالسلطة الفقهية- السياسية. أما في الأعيان فنجد محمولا فئويا اجتماعيا إذ يجمع هؤلاء الثروة إلى الجاه و النفوذ. ويزاوج الاستعمال العربي المعاصر لما بعد منتصف القرن العشرين بين معنى النخبة ومحمول الكوادر و الانتلجنسيا و اللوبي و جماعات النفوذ السياسي والشريحة وهو ما نعود إليه بتفصيل أكبر أدناه...
ثانيا: مفردات التراث النظري العلمي الاجتماعي:
يحفظ التراث النظري العلمي الاجتماعي الأوروبي الحديث مساهمات عديدة في التنظير للنخب السياسية خاصة ومنها:
1- المكون الإيطالي:
1-1- فيلفريدو باريتو (1948 - 1923) : بعد أن تبنى في مرحلة أولى من حياته الفكرية و السياسية توجهات ومواقف ليبرالية، اقترب تدريجيا من الأطروحات المحافظة حيث أعلن مساندته الرسمية لموسوليني.تميز بنظرة فلسفية اجتماعية متشائمة منكرا التقدم، معارضا كل الإيديولوجيات وموجها نقدا لاذعا للأوساط المثقفة، إذ بين في كتابه الأنظمة الاشتراكية (1902-1903) أن المذاهب الاشتراكية تهب فرصا للعمل السياسي المتحمس على أساس القيم النبيلة والأساطير الخلابة، ولكن كلا الليبرالية و الاشتراكية يهدفان إلى تمكين الأقليات والنخب من الاستحواذ على الحكم و على الاستمرار فيه. وفي كتابه الأهم مقالة في العلم الاجتماعي العام (1916) عرض نظريته في أفعال الإنسان التي يقسمها بين منطقية (يستخدم فيها الإنسان وسائل مناسبة لغاياته) وغير منطقية (تختلف فيها الغاية الحادثة فعلا وواقعا عن الغاية المقصودة من قبل الفاعل). وفي حين كان العلم الاجتماعي نازعا في توجهاته الغالبة إلى النظر في أسباب الظواهر كان باريتو يلح على المنظور الغائي مركزا على آثار الأفعال معتبرا أن العلم الاجتماعي قائم على قاعدة نظرية تحليلية مفادها أن الفعل المنطقي هو القابل للتحديد في ما يخص غاياته وآثاره المحتملة و القابلة للتوقع وذلك بالاعتماد على التحليل العقلاني.
ولدى معالجته للمسائل التي تثيرها علاقة السلطة بالمجتمع السياسي كان مدار تفكيره هو الجواب على السؤال التالي: "من يحكم المجتمع السياسي؟ أهو الشعب السيد أم الأحزاب أم الطبقة البرجوازية أم السياسيون؟" ويجيب" إنها النخبة". ولكن تحديده للنخبة يشمل المجال غير السياسي أيضا." فلنفترض أننا نسند علامة لكل فرد عامل في أحد فروع النشاط البشري تدل على قدراته وذلك على سبيل شبيه بما يسند من أعداد في الامتحانات الخاصة بمختلف المواد التي تتعلم في المدرسة...ولنشكل طبقة من الذين حصلوا على العلامات الأرفع في الفرع الذي ينشطون فيه ولنسند إلى هذه الطبقة اسم النخبة"( مقالة في العلم ...، الفقرة 2027 )، علما وأنه لا تمييز في فروع النشاط وما يبذله الإنسان فيها طبيعة وقيمة بين خير و شر ومستقيم ومنحرف و مشروع وغير مشروع و أخلاقي و غير أخلاقي. يؤسس ذلك حسب المنظور الباريتي لبحث في النخبة لا شائبة معيارية أو قيمية فيه: "إن المقصود من مفهوم النخبة هذا مرتبط بما يبحث لها من صفات لإسنادها إياها.فمن الممكن أن نجد أرستقراطية من القديسين مثلما يمكن أن نجد أرستقراطية من قطاع الطرق وأرستقراطية من العلماء وأرستقراطية من السراق إلخ...فإذا ما اعتبرنا جملة تلك الخصال التي تيسر ازدهار طبقة ما في المجتمع و هيمنتها عليه كان لنا ما سنسميه ببساطة بالنخبة" ( في الاقتصاد السياسي، 103 ). وفي كتابه تحولات الديمقراطية (1921) بين أن المجتمع يشهد ظهور سلاليم قيمية غير متجانسة ولكن لا يقابل ذلك عدم تجانس اجتماعي بل تعارض بين الجماهير و النخب.
النخبة بالنسبة إلى باريتو إذا جماعة صغيرة و مميزة في المجتمع تصعد درجات سلم السيطرة و الحكم لاتصافها بصفات محددة هي التي تؤهلها لاحتلال هذه المكانة. ولكنها مدعوة إلى الزوال بفعل آثار التغير الاجتماعي المستمر، إذ تظهر نخبة جديدة تتحداها بفضل اكتسابها صفات مميزة محددة تتماشى مع متطلبات الأوضاع الجديدة فتزيحها و تحل محلها.
تتداخل النخبة والطبقة الحاكمة في التحليل الباريتي الذي يؤكد على كيفيات إفراز النخب "تتغذى الطبقة الحاكمة لا في العدد فحسب بل، وهذا هو الأهم، في النوعية من العائلات المنحدرة من الطبقات الدنيا حاملة لها الطاقة... الضرورية لحفاظها على موقعها في السلطة." و يمكن أن تكون حركة النخب هذه كما يسميها " بطيئة ومستمرة جارية مثل نهر" أو على هيئة" تحولات مفاجئة وعنيفة شبيهة بالفيضانات " ( مقالة في علم الاجتماع العام، الفقرة 2057 )، وبهذا المعنى يكون التاريخ الذي يتخذ عنده اتجاها دائريا ودوريا رتيبا مقبرة للنخب.
1-2- جيانيتو موسكا ( 1858 - 1941) : عرض نظريته في النخب في كتاباته المختلفة في تاريخ الأفكار و النظريات السياسية وطالب باريتو بأن يعترف له بالأسبقية فيها. ورغم الإنكار المكابر الذي أبداه باريتو فمن الواضح أنه استند إلى آرائه بشكل واسع.
كان منظوره سياسيا أساسا وتبنى منذ كتابه الأول حول نظرية الحكم وحول الحكم البرلماني (1884) المنظور الوضعي التاريخي محاولا تتبع أثر هيبوليت تان بالبحث في الماضي عن تكون القوانين الحاكمة للسلوك الإنساني وتنظيم السلطة السياسية. وبين في كتابه عناصر في العلم السياسي (1896) أن كل مجتمع محكوم من قبل أقلية واقترح تصنيف الحكومات على أساس طبيعة النخب أو الأوليغارشيات الدينية أو العسكرية أو الفكرية التي تحكمها. وبين في كتابه محاولة في تاريخ العلم السياسي (1927) أن طبيعة النخب ترتبط بما تفرزه الأقلية المتنفذة وإيديولوجيتها حتى تحقق الانسجام السياسي للمجتمع وبما يجمع المعتقدات والنظام القيمي الموضوع على محك الممارسة من قبل الحاكمين أنفسهم.
2- المكون الألماني:
2-1- روبارت ميشالز (1876 -1936): حمل كتابه الأهم عنوان في سوسيولوجيا الأحزاب السياسية في الديمقراطية الحديثة(1911). وفيه بحث في الاتجاهات الأوليغارشية للديمقراطيات وكانت تلك مساهمته الأساس في التفكير في النخب و علاقتها بالأنظمة السياسية وخاصة الديمقراطية منها. اتسم تفكيره ذاك بالتخصص في المسائل السياسية المرتبطة بواقع المنظمات النقابية و السياسية وبنى نظرية في الأسلوب الهرمي لإدارة المنظمات البيروقراطية كانت قريبة من نظرية ماكس فيبر في البيروقراطية. وحسب هذه النظرية، ينتصر المنطق الأوليغارشي داخل المنظمات حيث تتمكن أقلية ضئيلة العدد من فرض آرائها و مواقفها مؤمنة ديمومة سيطرتها على مقاليد القيادة في المنظمات و الأحزاب. وتتكون تلك الأوليغارشيا عادة من القادة المحترفين الذين يصطفون أنفسهم عبر المركزة الإدارية ومراقبة مصادر الإعلام والانضباط الحزبي.
2-2- كارل مانهايم (1893-1947) في كتابيه الإنسان و المجتمع في عصر يعاد بناؤه( 1935) و تشريح زماننا (1950) يضع مسالة النخب في معرض البحث في مسألة المثقفين. رأى في كتابه الأول أن:" صياغة السياسة مهمة النخب ولكن ذلك لا يعني أن المجتمع ليس ديمقراطيا... ففي مجتمع ديمقراطي يمكن دوما للمحكومين أن يتحركوا من أجل تغيير حكامهم أو إجبارهم على اتخاذ قرارات تكون لفائدة الأغلبية...إننا نفترض مصادرة أن ما يميز الديمقراطية ليس غياب كل شرائح النخب بل ظهور نمط جديد لانتقائها وتمثل ذاتي جديد تبنيه لنفسها...إن ما يتغير على الأخص في سياق الديمقراطية هو المسافة الفاصلة بين النخبة و الجمهور" (الإنسان و المجتمع في عصر يعاد بناؤه ). وبالإضافة إلى أنه ميز بين نخب القيادة والتنظيم والنخب المنبثة في المجتمع و التي تباشر المسائل الروحية و الثقافية و الأخلاقية فإنه صنف النخب صنفين:تلك التي تسعى إلى إدماج العدد الأكبر من الناس في جسم اجتماعي واحد والأخرى التي تسعى إلى إظهار القوى النفسية التي لا يتمكن المجتمع من الوصول إلى قاعها. ولكن ظهور المجتمع الجماهيري يدفع في اتجاه تحولات عميقة تمس النخب و منها أن هذه تتكاثر ويتناقص احتكارها للإبداع الثقافي وتتحلل آليات الانتقاء داخلها و ذلك بفعل تفشي" الديمقراطية" بحيث تنفتح على الطبقات الوسيطة و البرجوازية الصغيرة، وهو ما يفسح في المجال أمام مصير كوارثي ثقافيا.
3- المكون الأمريكي:
3-1- شارلز رايت ميلز( 1916 - 1962): استنادا إلى منظوره النقدي في علم الاجتماع اعتبر أن كل علم اجتماعي سياسي بالضرورة وأن عليه أن يغير المجتمع وأن يكافح الأحكام المسبقة. في كتابه نخبة الحكم ( 1956) درس نظام الحكم السياسي في الولايات المتحدة عارضا نظرية في النخب استند فيها إلى ما كان طوره موسكا من أن الأقلية هي التي تستحوذ على الحكم في المجتمع بحيث يمكن أن نفسر كل التاريخ الحادث على ضوء مصالح تلك الطبقة الحاكمة.
مفهوم النخبة عنده يحوم حول "نخبة القوة"(سياسية رسمية واجتماعية واقتصادية وعسكرية). والنخبة الحاكمة هي كل الجماعات المؤثرة في توجيه السياسة التي تدخل في تحالفات مع جماعات النفوذ وتلجأ في نفس الوقت و بالتوازي إلى سلطتها المؤسسية لتفادي الاضطرابات الناجمة عن تضارب مصالح الشرائح الاجتماعية. إن ما يمكن أن يعرف النخب حسب نظره هي أنها مجموعة من المواقع الاجتماعية التي تتكون وتتفكك في علاقة بالسلطة السياسية والتي تترابط على أساس قواعد يمكن أن تكون ضمنية أو بادية للعيان ولكنها تبقى دائما غير معلنة. تكون هذه النخب ذات مصالح مشتركة من جهة و ذات استعداد وقدرة على التفاهم ويعتبر أفرادها أنفسهم منتمين إلى عالم مشترك بعينه ذي أساس معياري واحد تبنيه العائلات والمدارس وأنظمة التوجيه الثقافية.ومما يجمع هذه النخب سمات مخصوصة منها النزعة نحو التداخل المؤسسي تيسر تبادل الأدوار من جهة وتسطير سلوكات موحدة على المستوى الفردي و الجماعي من جهة ثانية واستعداد متماثل للإدارة بمتابعة صارمة الدقة و التفصيل للقرارات الكبرى المتخذة.
3-2- رالف ميليباند: يرى أن النخبة السياسية الحاكمة تتحالف مع شرائح اجتماعية بعينها هي التي تمثل أصولها الاجتماعية. وتكون وظيفتها هي توطيد مصالح تلك الشرائح، وهذه هي نخبة الدولة أي مجموعة من الأشخاص يشغلون المناصب العليا في مؤسسات الدولة المختلفة ويسيطرون على عملية صنع القرار وتوجيهه لصالحهم ولصالح الجماعات التي ينتمون إليها. وعلى خلاف ذلك تنأى جماعات المصالح و النفوذ بنفسها عن تولي السلطة السياسية مباشرة وتحرص على تأمين مصالحها عبر ممثليها. وتحكم نخبة الدولة بواسطة شرعيتها المؤسسية وركيزتها الاقتصادية والاجتماعية.
4- استخلاصات:
يتميز السياق التاريخي العلمي الاجتماعي الحديث الذي ابتدع فيه مفهوم النخبة والمفاهيم المجاورة و البديلة سواء بالنسبة إلى السياق الأوروبي أو السياق العربي الإسلامي بالخصائص التالية :
4-1- اندراج المطارحات النظرية العامة الأولى حول مسألة النخب في سياق التأزم الاجتماعي الشامل الذي كانت تعيشه أوروبا في منتهى القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين، وارتباط تلك المطارحات بما سيعرف لاحقا بالمدرسة العلمية الاجتماعية النخبوية ومكونيها الإيطاليين.ولئن كانت الخلفية التاريخية فاعلة في ذلك فلأن ما كانت تشهده فرنسا مثلا من محاولات بناء الديمقراطية كان على أرضية نوع من تراتب الأحقية المرتبط بالتكوين المدرسي و الانتماء الاجتماعي السياسي في حين كانت إيطاليا تشهد نوعا من صراع كل الطامحين من السياسيين ضد كل المتنفذين من الحاكمين من أجل الريادة و تحريك الجموع السياسية. وبالتوازي مع ذلك كانت مواطن عديدة من البلاد العربية الإسلامية تشهد خلخلة لآليات إفراز القيادات وإضفاء الشرعية عليها في علاقة بآثار الاستعمار العثماني القديم وبدايات الاستعمارين الجديدين الفرنسي و الإنكليزي من جهة و بحركة النهضة العربية من جهة أخرى.
4-2- اندراج تلك المطارحات في نطاق الصراعات الإيديولوجية التي كانت تشق صفوف المثقفين والمنظرين ومؤسسي العلوم الاجتماعية بين اليسار و اليمين و التقدميين و المحافظين والقائلين بوجود الطبقات والقائلين بوجود انقسامات اجتماعية و لكنها غير طبقية في أوروبا، وبين دعاة الإصلاح التحديثي ودعاة التجديد الديني بتلويناتهما المختلفة وعلاقاتهما المتداخلة مع نواتات الحركتين الوطنية و القومية في البلاد العربية الإسلامية.
ففي الجانب الأول طور مفهوم النخبة ونظر له بوصفه ردة فعل على التصور الماركسي للسلطة السياسية، إذ كان يرى أن الانقسام الاجتماعي يرتكز على وجود مجموعات اجتماعية غير متجانسة وهو ما يؤسس لحكم الأقلية على الأغلبية ولنفوذ المجموعات الضيقة الحاكمة و الأوليغارشيات و دوائر المتنفذين أي النخب. وفي الجانب الثاني كان لتشوش البنى الاجتماعية وعدم تبلور الانقسام الطبقي في البلاد العربية الإسلامية أثر في ظمور التفكير في تشكل القيادات السياسية و الاجتماعية وفق منظور طبقي صريح وسيادة الاستلهام من أطر التفكير السلطانية العربية الإسلامية التقليدية مطعمة ببواكير التفكير التاريخي و الاجتماعي الحديث مفاهيما و أدوات تحليل.
4-3- كان التفكير في النخب تفكيرا سياسيا إلى حد بعيد في بداياته على الأقل، ونرجح أن يكون مرد ذلك انفتاح آفاق التغيير السياسي إما بفعل الثورات السياسية العنيفة أو نتيجة للتوسيع السلمي لمجالات المشاركة الجماهيرية و اعتماد أساليب الحكم الديمقراطي في تسيير الشأن العام أو حتى بفعل التراخي التدريجي لقبضة الحكم المركزي.لقد كان من نتائج ذلك في ما يهمنا إفساح في المجال لفعل آليات اقل انغلاقا للتغيير الاجتماعي وما يستتبعه ذلك من فعل آليات التدوير والتحرك والتبدل في الفئات القائدة مثلما تدل عليه السياقات التاريخية الفرنسية و الأمريكية مثلا .
ثالثا: مناقشات:
1- عمدت دراسات اهتمت بالتاريخ الأوروبي الوسيط إلى استخدام المفهوم بغير الصرامة الحصرية التي استخدم بها في علم اجتماع السياسة. وقد عدت هذه الدراسات النخبة " جملة من المجموعات الاجتماعية تسيطر على المجتمع بفضل نفوذها وصيتها وجاهها و ثرواتها وسلطتها الاقتصادية والثقافية و السياسية" (جاك لوقوف) أو:" تلك الشريحة من الناس التي تتجمع بين يديها القوة و السطوة والنفوذ". وقد مسحت تلك المعالجات النخب السياسية (بحثا في جذور الحكم الحديث وأصول كتله أو مجموعاته الضاغطة وآليات عملها في البلاطات وعبر الحواشي)، والنخب الاقتصادية( تجار المدن-الموانئ والمدن الحرة) و النخب الحضرية( قيادات البرجوازية الصاعدة في بدايات العصر الحديث) و النخب الريفية( النبلاء والإقطاعيون المتنفذون).
2- مكنت تلك الدراسات من كتابة تاريخ آخر للنخب السياسية الحاكمة بالاعتماد على منظور استراتيجي حلل مثلا أدوار النساء ضمن مختلف المجموعات النخبوية( بوصفهن "مواضيع للتبادل" و"علامات خارجية للثروة والجاه") وفعلهن (في حالات الترمل أو الوصاية على العروش و الممتلكات) باعتبارها استراتيجيات نخبوية نسوية مخصوصة.
3- أكدت تلك الاستخدامات عمومية المفهوم وتجاوزه إطاره السياسي الأول بحيث أمكن تطبيقه على جماعات اجتماعية متعددة وبالإجماع على علوية المجموعات المكونة لتلك النخب وعلى تميز خصال أفرادها وتعالي قيمتهم ورسوخ أثرهم. فقد عدت من بين النخب الثقافية الدينية (من داخل الكنيسة أو من خارجها، من الأورثودكس أو من الإصلاحيين) وغير الدينية (المثقفون المحدثون الناشئون بفضل تكاثر آليات الكفالة لدى بعض الأوساط الثرية). وقد شددت تلك التحليلات على الأثر المتزايد الذي لعبته تلك النخب الثقافية و الفكرية في الصراع الاجتماعي الشامل الذي اشترك فيه الفاعلون الاجتماعيون باحثين عن علامات مجد معنوي مفعلين آليات رمزية لحفظ المواقع و الأدوار.
رابعا: في الحالة العربية:
1- اعتبارات منهجية:
1-1- يمكن للنظر في التراتب الذي تخضع إلى هرميته فروع النشاط الاجتماعي أن يقف في حقبة تاريخية محددة على ظهور النخبة الاقتصادية مثلا على أنها هي النخبة القائدة لكل النخب الأخرى ولكن لا يكون ذلك نزولا عند المناظير التحليلية الاقتصادية أو ذات النفس الماركسي وبصرف النظر عن السياق الاجتماعي العيني . ولئن كانت بعض مناظير أخرى ترى أن الدولة جهاز لتحقيق التوازن الاجتماعي فليس معنى ذلك أن النخب السياسية هي التي تقود المجتمع ضرورة بفعل إجبارها المتصارعين على قبول التحكيم باعتبار احتكارها لوسائل الإكراه وممارستها العنف المشرعن.أما المناظير الفكرية التي تؤكد على نفوذ المفكرين والإيديولوجيين فليست مبررا للنظر إلى النخب الفكرية على أنها هي القائدة ضرورة للشأن الاجتماعي حتى و إن بدا أنها تضطلع بدور أساس في بلورة سلم القيم الاجتماعي.
1-2- على عكس ما قد تشهده أنساق تكون النخب وانتقائها أثناء فترات الصراع الاجتماعي عالي التوتر و ما يستتبعه من تحريك للمواقع و الأدوار، تظهر سياقات تاريخية اجتماعية أخرى أن الآلية الوراثية أو التوليدية المعيدة لهرم التراتب الاجتماعي أكثر تأصلا في إفراز نخب بعينها وذلك في حالات عنفوان العائلات المالكة أو الحاكمة أو حالات رسوخ البنى السياسية و استتباب الأوضاع للأنظمة السياسية شديدة المركزية.
1-3- إن للتمييز بين الظرفيات التاريخية دورا حاسما في فهم الآليات المعتمدة في إفراز النخب وانتقائها وتدويرها وخاصة في مستوى ما يمكن أن ينبنى بينها من تحالفات أو ما تعيشه من تحولات وهو ما اعتمدنا مصطلح صناعة النخب لتوصيفه.ويخضع النظر في النخب إلى ما تلزم به خصائص النظام الاجتماعي القائم وخصوصياته التاريخية فهي التي تحدد المعطيات التاريخية الاجتماعية التي عليها تنبني الاستراتيجيات النخبوية لمختلف الفئات.
1-4- فإذا ما حددنا عصر النهضة العربية الحديثة مؤشرا تاريخيا، عنى ذلك بالنسبة إلى الإطار العربي الإسلامي ونخبه الفكرية، مراعاة ما بدأ يشهده من تحولات اجتماعية إبان الحقبة الحديثة منذ بدايات القرن التاسع عشر في مصر (محمد علي) ومنذ أواسطه بالنسبة إلى باقي البؤر التحديثية داخل الامبراطورية العثمانية شأن تونس والشام وغيرها. فلقد كان من إفرازات تلك الحقبة في ما نحن بصدده انتقال النفوذ الاقتصادي من أيدي شرائح اجتماعية محددة إلى أيدي أخرى وظهور إرهاصات استثمار صناعي تكفلت به الدولة و تصاعد تأثير الوكلاء التجاريين سواء أكانوا من الخواص أو من كبار موظفي الدولة الذين تمكنوا من استثمار مواقعهم الإدارية السياسية، في ظرفية كانت تشهد تهيئة تاريخية اجتماعية للوقوع تحت التأثير المباشر للاستعمار الأوروبي الحديث.
1-5- وفضلا عن ذلك يستوجب البحث في النخب الفكرية العربية والنظر في إمكانية بناء تصور خاص لها العودة إلى تراث العلوم الاجتماعية العربية الإسلامية.وتحتل بالنسبة إلى ما نحن بصدده الآداب السلطانية و آداب المناقب و السير ووفيات الأعيان أهمية قصوى بوصفها معينا أوليا يجمع التواريخ الحدثانية و المعطيات الظرفية و الحينية وبعض أساسيات التحليل المنصب على بيئات أفراد النخبة ومسارات التنشئة و التكوين التي خاضوها.
2- اعتبارات تاريخية:
2-1- استخدمت العديد من الأدبيات الاجتماعية العربية لأواخر القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين مفاهيم "مجاورة" أو "بديلة" لمفهوم النخبة ومنها الخاصة وأهل الحل و العقد (أو أهل الحل والربط) والأعيان وهي مفاهيم وليدة الآداب السلطانية الإسلامية و مؤلفات الاجتماع و التاريخ السياسيين الخاصين بالنهضة العربية. ويبدو مفهوم الخاصة الأكثر قربا للمقصود من مفهوم النخبة ففيه يتوفر معنى الانتقاء و الاختيار خاصة وأنه يشير بصفة غير مباشرة إلى النفوذ و السلطة سواء أكانت سياسية أم لم تكن، إذ منهم خاصة السياسة و الحكم و خاصة المال و خاصة الأدب وغيرهم... وفي محمول أهل العقد و الحل إشارة مواربة إلى الماسكين بالسلطة الفقهية- السياسية دون أن يفترض ذلك ضرورة أن آليات انتقاء المجموعة المكونة لهم ترتكز على أساس أنهم الأكثر قدرة و كفاءة من بين آخرين منتمين إلى نفس الحقل. أما بالنسبة إلى الأعيان فهو مفهوم ذو رنين طبقي و فئوي اجتماعي أكثر منه سياسي إذ من المفروض أن يجمع الأعيان بين أيديهم ومن حولهم الثروة و الجاه والنفوذ السياسي المباشر أو غير المباشر. وبفضل هذه المقومات يبدو الأعيان بعيدين عما ينال النخب من أثر آليات التدوير والتحرك والتبدل باستثناء ما يمكن أن يكون في سياق ثورات سياسية أو اجتماعية عنيفة وعميقة.
2-2- يمتزج في الاستعمالات العربية المعاصرة المعنى المقصود عادة من النخبة مع المعاني المقصودة من الكوادر في المجال التقني و البيروقراطي و الانتلجنسيا في المجال الفكري ومن اللوبي و القيادة و جماعات الضغط وجماعات النفوذ في المجال السياسي والشريحة وجماعات المصالح في المجال الاقتصادي. ومن المفاهيم الحديثة المحايثة لمفهوم النخبة و المرتبط استعمالها بغير المجال السياسي تستخدم بعض الأدبيات الاجتماعية و التاريخية مفاهيم الإطارات وخاصة في المغرب العربي والملاكات أو الكادر و خاصة في المشرق العربي. ومن البين أن منطلق نحت هذه الألفاظ- المفاهيم يعود إلى الترجمة شبه الحرفية للمفاهيم المقابلة لها في الفرنسية و الإنكليزية وهي بالإضافة إلى ذلك منحصرة في استخدامات محددة شأن الحديث عن الذين يحتلون مناصب إدارية أو تقنية تسييرية في مجالات الاقتصاد والمشاريع ذات التقانة المخصوصة والحديثة. ولئن كانت هذه المعاني المحايثة تتميز عن المقصود من النخبة تحديدا حيث ينتفي الاختيار بالنسبة إلى الكوادر أو اللوبي أو جماعات الضغط إلخ ولا يلاحظ النفوذ والريادة ضرورة بالنسبة إلى الأنتلجنسيا، فإن الاستخدام السائد في الأدبيات الاجتماعية العربية يجيز هذه "التعرجات" متخلصا من حرج النقص في الدقة بإضافة النعوت الواصفة.
2-3- تلقي هذه المراجعة ضوءا يكشف أن مسألة النخبة كانت في قلب الجدل الاجتماعي السياسي العربي الإسلامي منذ أواسط القرن التاسع عشر أي في ذلك المنعرج التاريخي المرتبط باحتدام المواجهة مع القوى الاستعمارية الغازية وهي التي حملت من بين ما حملت مشروع تحويل لآليات إفراز النخب السياسية و الفكرية وتنظيمها وتعبئتها لفائدة ديمومة المشروع الاستعماري. فقد وازى المرور من استخدام "أهل الحل و العقد" إلى "الخاصة" إلى استخدام "الطبقة السياسية" حاكمة أو غير حاكمة ثم إلى "النخبة" أو "الصفوة" و تفرعاته "مرور" من الهياكل الاجتماعية والسياسية وبنى السلطة التقليدية لدى العرب والمسلمين، سواء أكانت بصدد التغير و التحديث أم لم تكن، إلى الهياكل وبنى الهيمنة الاستعمارية اجتماعيا و سياسيا أولا ثم إلى هياكل دول الاستقلال الوطني السياسية و الإدارية وإفرازات التحولات الاجتماعية التي صاحبت ميلاد تلك الدول ثانيا ثم إلى هياكل الدولة العربية الإسلامية القطرية المعاصرة ثالثا، وما امتزج و تعايش وتراكب من هذه و تلك خلال الحقب كافة.
2-4- شهدت تلك الاستخدامات تعرجاتها في علاقة وطيدة بما كانت تشهده علاقة المجتمع بالسلطة من جهة وبثقافته من جهة أخرى.فمن جانب أول راوح التصور النموذجي المهيمن فيها بين اعتماد التعارض سلطة/مجتمع باعتباره تعارضا مطلقا يتوزع النخب والفكرية منها خاصة بين ممالئة للسلطة وموالية للمجتمع من جهة وبين اعتماد التناقض بين النخب بوصفه محرك المجال الفكري برمته وبما أبرز على الأخص التناقض بين النخبة السياسية الحاكمة و النخبة الفكرية الناقدة من جهة أخرى. أما في الجانب الثاني فقد راوح التصور النموذجي بين تصور التاريخ الفكري العربي الإسلامي الحديث في قطيعة تامة مع قديمه وبين تصوره في تواصل جدلي معه ينقض منه ما ينقض ويجدد ما يجدد ويبتدع فيه ما يبتدع ، وهو ما تكرس في البحث في مسألة النخب في ما أشرنا إليه من سجال الاستخدامات وإحالاتها على تراثات مخصوصة ومحددة تصورت على الغالب متقابلة .
2-5- لم تحسم تلك التحليلات أمر التعريف رغم طرحها هم التدقيق المفاهيمي في مجرى ما انطرح في ما يخص مفاهيم فكرية ذات وقع سياسي خطير شأن الحرية و الديمقراطية و التاريخ... وظلت المراوحات بين مختلف الاستخدامات مستدامة في سياق مواصلة النظر النقدي المنصب على قيادات الأحزاب والمنظمات والجمعيات ومسارات تكونها أو على الأصول التاريخية و الاجتماعية للحركات الوطنية بوصفها حركات جماهيرية وتعبوية فارزة لنخبها وباعتبار ذلك معطيات أولى يمكن أن تلقي أضواء كاشفة على الاستراتيجيات النخبوية المتنازعة.
3- استخلاصات:
3-1- تظهر المعاينة العلمية الاجتماعية أن كل جماعة وكل مجموعة مستقلة نسبيا تنزع نحو اتخاذ شكل هرمي بحيث تتشكل فئة تستوي على قمتها تكون متمتعة بثراء رمزي مخصوص وبقدرات تنظيمية متميزة تجعل منها نخبة الجماعة أو المجموعة. والنخبة الفكرية إذا مجموعة ذات عدد محدود من الناس ذوي قدرات و مؤهلات متميزة في ابتداع الأفكار واجتراح المثل والتعاطي مع المسائل الرمزية و الثقافية و الروحية بحيث يتبوأون مواقع ريادية ويتمتعون بالسلطة والنفوذ المعنويين في المجالات الفكرية والعلمية والثقافية و الرمزية .
3-2- ولئن كان من الممكن إخضاع عدة من مؤهلات النخب إلى تمحيص موضوعي شأن ما تتمتع به النخبة الرياضية (أرقام قياسية، بطولات، جوائز،...) أو النخبة الاقتصادية (ثروات، ملكية، دخول،...)، فإنها تبدو أكثر مدعاة للاعتراض والنقض إذا ما تعلق الأمر بالنخب الفكرية لأنها قدرات من طبيعة لا تستجيب بالضرورة إلى القياس "الموضوعي" على الرغم من تجسدها أحيانا في آثار فكرية و ثقافية فنية أو أدبية أو علمية ( إنشاء مدارس، تآليف، اكتشافات، بلورة نظريات، براءات اختراع، أطاريح) أو... ولئن كانت تلك دلائل ريادة قابلة للتمحيص في الأثر الفكري التوجيهي الذي تمارسه النخبة الفكرية، فإن شرعيتها لا تكتمل إلا إذا تكفلت بعملية تلقين اجتماعية للقيم الضرورية للحياة الجماعية وتلقت من دوائر نفوذها الضيقة أولا ثم من الجمهور الواسع ما يقابل ذلك تفاعلا ماديا و/أو معنويا (صيت، ألقاب شرفية، تقدير، أثر معنوي، استلهام، تقليد، تأثير سياسي، سلطة أخلاقية، تكليف بالرياسة، انتخاب...) مثلما تعمد إليه بعض المؤسسات الآكاديمية أو المتحدات الثقافية في مجالات الآداب و الفنون وغيرها...
3-3- وعلى الرغم من أن المعايير المعتبرة في ما تتصف به النخبة الفكرية من قدرات و مؤهلات تبقى "هلامية" وأن المجالات التي يمكن أن يبرز فيها أثر تلك المؤهلات و القدرات متفاوتة القيمة المعيارية لدى الجمهور ولدى مؤسسات المجتمع، فإن أفراد تلك النخبة يتمتعون كلهم بأقدار من التأثير على النظام المعياري والثقافي السائد في المجتمع وإذا على مساهمين في كل حقبة تاريخية محددة في تأسيس التوازن الاجتماعي أو نقضه وإعادة تأسيسه وإن تم ذلك بصفة متخالفة و متفارقة بين الفئات و الطبقات والفاعلين الاجتماعيين اتجاها وكثافة وعمقا.
خامسا: صناعة النخب الفكرية العربية:
1- بين التقليدي و الجديد:
1-1- تفيد المعاينة التاريخية الاجتماعية أن النخب التقليدية العربية لأواسط القرن التاسع عشر كانت تنحدر في أغلبها من الطبقات و الفئات الاجتماعية التي كانت تتمتع بالقدرة المادية ممثلة في كبار ملاك الأراضي وكبار التجار والحرفيين من الأعيان. ولئن جنحت بعض تلك الطبقات في استراتيجيتها إلى الاستنجاد حينها بنخب فكرية تكونت أساسا من ذوي الشهادات العلمية العليا للمدارس الدينية الكبرى (الأزهر، الزيتونة، القرويين) والمتعلقات الرمزية( جاه المفتين والقضاة وعلماء الدين) فإن بعضها الآخر اعتمد استراتيجية استقطاب من يدعم مواقعه و أدواره فكريا و رمزيا من بين المماليك والكوروغليين (مصر، تونس، الشام،...) وخاصة في علاقة بأزمة العائلات المالكة المرتبطة إلى هذا الحد أو ذاك بالباب العالي. ومن جهة ثانية كرست الحركات الدينية الإصلاحية من وهابية و مهدية وسنوسية مسارات أخرى مثلت في جانب منها مصاعد نخب فكرية "جديدة".
1-2- نشأت الآليات المستحدثة لصناعة النخب الفكرية العربية الحديثة في مجال التعليم رئيسيا و في إطار الحركات الدينة السياسية ومحيطها وفي مجال الجمعيات الثقافية وقطاع المنشورات ثانويا. ففي كل من مصر بعثت المدارس المتوسطة و العليا الموازية للنظام التعليمي الأزهري وأرسلت البعثات الطلابية إلى الخارج وفي تونس بعثت المدارس الحربية و المدنية الموازية لهياكل التعليم الزيتوني وفي الشام أوجدت مدارس البعثات التبشيرية. وقد دل نشوء تلك الآليات أن مواصفات النخبة الفكرية التي سيوكل لها التأطير الفكري والقيمي لإدارة الشأن السياسي والاجتماعي الوليد كانت بصدد التغير وأن الآليات التقليدية التي كانت فاعلة في قولبة النخبة الفكرية وصياغة مواصفاتها وتحريكها وتدويرها كانت بصدد الانهيار.
1-3- جندت الاستراتيجيات النخبوية في سياق استحداثها آليات تكوين النخب أو تحويرها عناصر منها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهي عناصر شديدة التداخل سمحت بإفراز نخب فكرية بعينها عبر تيسير بروز أدوار غير مسبوقة للعلماء مثلا أو للدعاة الدينيين التجديديين وبداية تكون نواتات المثقفين المتحلقين في الجمعيات الثقافية وحول المطبوعات العربية الأولى الدورية و غير الدورية.لقد كانت الأوضاع تؤكد بواكير تجدد ذاتي في عمل آليات استقطاب النخب وتجنيدها لفائدة سلطة البايات في تونس أو المماليك في مصر أو الحكم العثماني في الشام والعراق أو لفائدة الحركات الإصلاحية و التجديدية الدينية التي كانت بصدد التبلور على هوامش السلط أو قبالتها ...ولم تستثن من ذلك سلطة العشائر في الخليج مثلا حيث كانت العائلات المتنفذة بصدد تجديد تحالفاتها وإعادة بناء أسس سلطتها في علاقة بمتغيرات الساحة السياسية (التهديدات العثمانية، نزعة البعض من تلك العشائر إلى التحول إلى إمارات وممالك...) ودخول المنطقة في مجال النفوذ الاستعماري البريطاني خاصة و بروز ما استتبعه ذلك من ضرورات فكرية و عقائدية جديدة.
2- المحلي و الأجنبي:
2-1- لاحقا وفي حقبة الاستعمار المباشر تعزز دور المدارس في آلية صناعة النخب الفكرية. فقد اعتمدت الاستراتيجية النخبوية الاستعمارية بعث العديد منها بالتوازي مع تركيز هياكل اجتماعية وسياسية و إدارية تعزز إمكانية استزراع نخبة "مستقلة" توكل لها أدوار داعمة لبنى الاستعمار. وقد فرض ذلك على الطبقات والفئات الاجتماعية المحلية المرتبطة مصالحها مع المستعمرين أن تبني استراتيجية نخبوية تؤمين لها ديمومة لعب الأدوار "الريادية" في ظل الاستعمار وضمن مؤسساته. فكان أن أدخلت شرائح منها أبناءها إلى المدارس الاستعمارية تطبيقا لشعار "المشاركة و الاستنارة" وتابعت ذلك بأن دفعت بأعداد منهم إلى دراسات عليا ببلدان المتروبول وسعت إلى "اقتلاع " حصة في جداول التوظيف الرسمي في الإدارات. وفي مقابل ذلك كرست شرائح أخرى استراتيجيات تيسر انخراط أبنائها في الهياكل التعليمية العربية والمسلمة تطبيقا لشعار القطيعة واستحداثا لجسور تحالف مع بعض أجنحة الحركة الوطنية.
2-2- ومن جهة أخرى كانت بعض الفئات المتوسطة تدفع بأبنائها للالتحاق بهذه المدارس بوصفها معبرا يتيح الانضمام إلى صفوف النخبة الفكرية واستثمار ذلك للتأثير في استراتيجية الحركة الوطنية وتوجيه مآلات التغير الاجتماعي نحو آفاق أكثر اتساعا. وقد توازى مع الحراك الذي شهدته الفئات المتعلمة و التي باتت تمثل "منجم" النخب الفكرية توسع في الأنشطة الثقافية والفكرية (نواد، جمعيات، منشورات، صحف، محاضرات، نشاطات فنية، ...) وتضخم تدريجي لصفوف الموظفين و المستخدمين في مهن ذات طابع فكري فضلا عن تكاثر المدرسين و المحامين…، وهو ما يسر توسيع دائرة استقطاب عناصر النخبة الفكرية العربية.
2-3- شهدت مرحلة البناء الوطني لما بعد منتصف القرن العشرين تكريس استراتيجيتين متناقضتين في ما يهم آليات التغيير الاجتماعي ومن ضمنه بناء معابر اصطفاء النخب الفكرية بين قوى تغيير وتجديد يستثمر مكاسب الحركة الوطنية والقوى المهيمنة تقليديا سواء أكانت من داخل السلطة أو من خارجها. وقد تكرس ذلك في مواصلة التعويل رئيسيا على المؤسسات التعليمية والعمل على التقليل من أدوار الحركات الفكرية السياسية والمتحدات الاجتماعية.و لكن تكثف أعداد المؤسسات التعليمية وتوسع أدوارها وتنامي أثرها وتوزعها بين الجامعات الحديثة الحكومية ونواتات الأنظمة التعليمية الخاصة المحلية و الأجنبية لم يحجب النزاع الذي كان يشقها بين المشروع الوطني التحرري والمشروع المرتبط بسياق الهيمنة الإمبريالية المتجددة الأشكال. ففي كل من مصر و سوريا والعراق مثلا ظهرت نخب فكرية سياسية تحالفت مع نخب عسكرية وساهمت بأثر بالغ في تغيير الاتجاه الإيديولوجي للدولة و للقوى السياسية القائدة وعملت على وضع آليات حراك اجتماعي عميق عبر الإصلاح الزراعي والتأميم و بناء المشاريع الكبرى كان من نتائجه مزيد انسداد الأفق التاريخي التقليدي في صناعة النخب ومنها النخب الفكرية، مع ما رافق ذلك من تواتر أثر استيطان فلسطين.
2-4- لم يكن مجال التغيير الاجتماعي عن طريق أثر النظم التعليمية في تحوير البنية الاجتماعية وإحداث الحراك الاجتماعي متحررا من أي أثر مضاد. فانتقائية النظم التعليمية العربية الحديثة لما بعد الاستقلالات مثلا لم تسمح بحراك في توزيع رؤوس الأموال الثقافية و التعليمية كفيل بقلب استراتيجي لآليات صناعة النخب الفكرية حيث انكشفت أواخر سبعينات القرن العشرين على أن التجديد المدخل في تلك الصناعة لم يفتح أفق استقطاب متكافل داخل النخبة الفكرية الرسمية. وقد انجر عن التأزم المتزايد للنظم التعليمية الوسيطة و العليا ( مردودية داخلية منخفضة، مردودية خارجية مسيسة، تدني الإنتاجية المعرفية، ضعف الارتباط بمتطلبات التنمية، الهدر،...). انفراط تلك الآلية التي أرادتها السلط الحاكمة والنخب السياسية صانعة وحيدة للنخب الفكرية و تحولها إلى آليات لا وظيفية بحيث برزت استراتيجيات موازية أنجبت تقريبا نخبا بديلة و غير رسمية مبثوثة في ثنايا المجتمع وحركاته الفكرية السياسية ومتحداته الاجتماعية الثقافية و غير الثقافية، وهي النخب التي اتخذت شاكلة يسارية حتى منتهى السبعينات و شاكلة إسلامية منذ منتصف الثمانينات.
2-5- تتسم المرحلة الحالية بمشاريع متعاقبة لإصلاح أنظمة التعليم في أرجاء واسعة من البلاد العربية الإسلامية . فلقد باتت تلك الأنظمة منذ عقدين تقريبا جماهيرية بصفة باتة و منتجة لبطالة أصحاب الشهادات العليا ومأزومة من حيث عدم قدرتها على اختراق ما انسد من آفاق الاستقطاب المهني و الحراك الاجتماعي. وتنخرط أغلب تلك المشاريع في سياق متوائم مع "المواصفات العالمية" بحيث تتساوق مع توجيهات الصناديق المالية العالمية الممولة أمريكية و أوروبية والتي تركز على مقولات التحديث والمهنية والانفتاح على القيم المعيارية الكونية وسد الفجوة المعرفية. وبالتوازي مع ذلك تشهد معابر الارتقاء إلى الجامعات تشددا متزايدا في مقاييس الانتماء إلى المسالك النخبوية شأن الطب و الصيدلة والدراسات التكنولوجية و الهندسية عالية التخصص والدراسات التجارية، في حين تحتكر الفئات الاجتماعية ذات رؤوس الأموال المادية الكبيرة والمتوسطة الجامعات الخاصة المؤدية إلى نفس تلك المسالك ويتصاعد تأثير هجرة الطلاب العرب للدراسة في الجامعات الأوروبية والأمريكية. وتمثل تلك المعطيات عناصر استراتيجية جديدة لصناعة النخب الفكرية ملائمة لشعار الإصلاح السياسي و الفكري للعالم العربي الإسلامي من أجل تكريس ما يوضع عادة تحت عنوان "تجفيف منابع الفكر الديني التقليدي وإبطال مفعول آليات إفراز أنماط الحكم غير الديمقراطي".
3- النخب الفكرية و الحقل الثقافي- السياسي:
يفيد ما أوردنا معطياته الأولى من رصد تاريخي أن أربع محطات تاريخية كبرى أسست الحقل الثقافي-السياسي الذي بنيت فيه وتبلورت آليات صناعة النخب الفكرية العربية :
1- في المحطة الأولى أعيد بناء الحقل ذاته على أساس حديث، وفي صيغته الحديثة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر نتيجة لما كان يعتمل من حراك ثقافي في بعض مؤسسات المجتمع وتزامنا مع اختراق توجهات إصلاحية لبعض أجنحة الحكم وخاصة في البلدان ذات التقاليد السلطوية العريقة نسبيا ( مصر، تونس،...).
2- في المحطة الثانية اللاحقة لاستتباب الاستعمار الأوروبي للبلاد العربية ترسخ الحقل واتضحت موارد فاعليه الرئيسيين وتشابكت علاقات الثقافي بالسياسي فيه. وقد تميزت تلك اللحظة بتنامي الفعل الفكري والسياسي المقاوم للاستعمار والمجابه لاستراتيجية المشاركة السياسية و الاستنارة الفكرية.
3- في المحطة الثالثة نشأ الحقل الثقافي-السياسي بمواصفاته المعاصرة وما بعد الاستعمارية والتي اتصلت إلى بداية العشرية الأخيرة للقرن العشرين. وقد تميز بالحضور القوي لجهاز الدولة وبهيمنة السياسي والإيديولوجي على الحقل و على آليات عمله وعلى توجهات فاعليه في الاتجاهين المتناقضين الذين أشرنا إليهما (2-3- أعلاه)، وخاصة مع تنامي التحدي الصهيوني.
4- في المحطة الرابعة انخرط الحقل الثقافي في الفضاء الثقافي السياسي المعولم وهي اللحظة التي افتتحت عقد تسعينات القرن العشرين.وقد باتت فيها المواجهات بين المجالات الثقافية الإنسانية الكبرى تحتل حيزا أساسا في التاريخ وخاصة منذ اعتماد القوى الكبرى استراتيجية إعادة بناء الجغرافيات الثقافية وتحوير بنية علاقات الهيمنة و الخضوع داخلها و في ما بينها، بحيث توطد بروز الإيديولوجي في صيغه اللبرالية والتجديدية القومية و الإسلامية.
خاتمة:
1- تشير المراجعات السابقة جميعها إلى إمكانية استخدام مفهوم النخب الفكرية على قاعدة المتابعة الموضوعية العينية لما تجسد من مواقع تلك النخب وأوضاعها وأدوارها في الحقل الثقافي السياسي العربي الإسلامي. وقد خضعت تلك المواقع والأدوار إلى خط تغير تاريخي كان من ضمن الخط العام الذي رسمنا للحقل الثقافي السياسي:
1-1-فالمنتمي إلى تلك النخب في المحطة الأولى تجسد أساسا في الداعية والمصلح سواء أكان عالما دينيا أو مثقفا إصلاحيا تحديثيا أو مخضرما بين تأثيرات هذا وميراث ذاك، ومن مواقع توزعت بين جهاز السلطة والإدارة السياسية وبعض الأجهزة التعليمية و الفقهية والقضائية وبعض الحركات و الحلقات و الجمعيات والمنابر خارج السلطة أو على هامشها.
1-2-أما المنتمي إليها في المحطة الثانية فقد كان أساسا مثقفا مناضلا سياسيا وكان موزعا بين الارتباط بالتحرر الوطني والدفاع عن الهوية القومية و الحضارية العربية الإسلامية، وبين الارتباط بتحديثية اتخذت وجها تغريبيا سليل استراتيجية المشاركة و الاستنارة. وقد توزعت المواقع بين الحركات السياسية و الأحزاب والجمعيات الثقافية و الفكرية،...
1-3-أما المنتمي إليها في المحطة الثالثة فقد كان مرتبطا بالمشاريع المجتمعية المنقسمة بين وريث للاتجاه الإصلاحي التحديثي ، و مكون يساري اشتراكي ديمقراطي ومكون عروبي إسلامي . وقد احتلت عناصر تلك النخبة مواقع الماسكين بالأجهزة التعليمية و الثقافية الرسمية ومسيري جمعيات العمل الثقافي غير الرسمية وضمن صفوف الحركات الفنية و الأدبية...
1-4-أما مثقف اللحظة الرابعة فهو الذي نشهد تحولاته راهنا وتتوزع سماته الفارقة على أساس التواؤم مع استراتيجيات العولمة الإمبريالية الثقافية بمواصفاتها التي أوردنا أو مناقضتها.
2- تميز الحقل الثقافي السياسي في ما كنا بصدده با
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فريق الادارة
المدير العام
المدير العام
فريق الادارة


عدد المساهمات : 3110
نقاط : 8100
تاريخ التسجيل : 04/12/2009

النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Empty
مُساهمةموضوع: رد: النخب الفكرية العربية: بحث في إجرائية المفهوم   النخب الفكرية العربية: بحث  في إجرائية المفهوم Emptyالإثنين فبراير 22, 2010 4:17 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://socio.yoo7.com
 
النخب الفكرية العربية: بحث في إجرائية المفهوم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النخب اليهودية الأوروبية وإسرائيل
» العولمة: المفهوم والتحديات
» ما بعد الحداثة : قراءة في المفهوم
» التدريس الناجح لذوى الاعاقة الفكرية
»  حفريات سوسيولوجيَة في الشخصيَة العربية- قراءة في كتاب "الشخصيَة التونسيَة، محاولة في فهم الشخصية العربية. للكاتب التونسي المنصف ونَاس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: المناقشات والحوار الصريح-
انتقل الى: