البلد المنحوس
شعر عزالدين مبارك
***********
في بلد الشقاء
والحظ المنكود
والنحس
تتكدس الأحزان
كأكوام القش
والكوابيس تزورني
كبروق الخريف
مرعدة ومزبدة
فلا أمل من النجاة
وقد سدت كل الطرق
و ضاع الحلم
في متاهات التمني
ودهاليز الضنك
فما جاء الخطاف
حاملا بهجة الربيع
وقد أينعت عناقيد الغضب
فغادرت البلابل الربوع
بعيدا بعيدا
تشدو ألحان الحزن
والوجيعة
والقهر
فما أقسى عناق الوداع
وتجمد الدموع في المآقي
ولحظة الفراق
وقد يقسو الزمان
وتجحد الأقدار
وقد أرى الزهور الحمراء
تعانق الأعشاب الذابلة
بلون جمرة باهتة
فرياح الشمال تاهت
خلف هضاب الضباع
وفي الليالي المقمرة
لا تسمع غير نباح الكلاب
وضجة السكارى
وعويل البوم
وكأن المدينة مات أهلها
تغط في نوم عميق
فلا تعويذة توقظهم
وتعيدهم للحياة
وقد شاخ الشباب قبل الموعد
وتسلم منحة الضياع
وقد مددت للشيوخ القيلولة
وعطلة مدفوعة الأجر
حتى يرتاح الأولاد
فيطيلوا الجري وراء السراب
وقد تأكلهم السجون
وأوقات التسكع السائبة
وآفات العصر المجيد
وفي البلاد الأخرى
بلاد البلاط والدسائس
والجن والعفاريت
والموائد العامرة
والضحك على الذقون
تلعب الأوراق الخفية
وتوزع النياشين والأوسمة
فمن جيوبنا المثقوبة
يلهون ويمرحون
ويلتهمون الكعكة الفاسدة
ويرمون القشور العفنة
للرعية النائمة
الحالمة بيوم سعيد
لا يأتي أبدا
فالأحلام تموت رضيعا
كسحابات الصيف
فتحل الكوابيس المزعجة
كلهب النار
تجلد يقظة غائبة
وقد حل بالبلاد المنحوسة
جراد جائع
أكل الأخضر واليابس
لا يشبع أبدا
وكأن في جوفه
طاحونة لا تتوقف عن الدوران
أكل الحجر والتراب والصوان
وجلود الحمير
وعشب البراري
وشرب البحار والشطآن
يا إلهي
متى يذهب هذا التتار
ويعود لمديني البهاء
والسكينة والاستقرار
ويحل بهم غدر التاريخ
ولعبة الأقدار.