المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
التخلف محمد البحث في المجتمعات الجريمة تنمية الشباب اساسيات الجماعات والاجتماعية الجوهري موريس المرحله كتاب التنمية الخدمة الاجتماعية العمل التلاميذ العنف الاجتماع التغير الالكترونية الاجتماعي المجتمع
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Empty
مُساهمةموضوع: التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية    التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالجمعة أغسطس 08, 2014 11:05 am

التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية
في المجتمع الجزائري
الدكتورة: فيروز زرارقة
قسم علم الاجتماع
جامعة فرحات عباس
ملــخص
نحاول من خلال هذه الورقة أن ننير بعض الزوايا التنظيرية حول مفهوم التغير القيمي والثقافة ومحاولة تحديد المرجعيات الثقافية المتصارعة في إحداث التغير على مستوى القيم من خلال إبراز مشكلات التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية الذي يتجلى على وجه الخصوص في صراع الأجيال والهوية والانتماء في المجتمع الجزائري المعاصر.
مقدمة
نستدل في بداية محاولتنا لتبسيط بعض الأطروحات حول التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية بالاستشهاد بقول العلامة العربي الكبير ابن خلدون الذي يقول" أن أخلاق الناس وقيمهم، وبالتالي ثقافتهم ووعيهم تتحدد حسب فرصهم في المعاش"، إلا أن هذه المقولة لا تكتمل قوتها التفسيرية في وقتنا الحاضر إلا إذا أضفنا لها العوامل الخارجية التي تزداد فيها تأثير الروابط والتفاعلات على صعيد الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة ويزداد تأثيرها أيضا على الأفراد والجماعات مهما كانت انتماءاتهم.
إن المدقق في التاريخ الاجتماعي في زمن العولمة سوف يكتشف أن هناك اختلافا بين عملية التغير في العصر الحالي وتلك التحولات التي حدثت في الماضي، فقد شهد هذا العصر سرعة وكثافة لم تشهدها البشرية من قبل في ظواهر الكون أو في منتجات وإبداعات البشر، ثورة معلوماتية تجاوزت الحدود والقارات، وثورة معرفية وتقنية فائقة غيرت من ثوابت الفكر والسلوك ولم تستطع الأخلاق والدين مجاراتها، وحدثت الفجوة بين عالم المادة والروح ، وبدأ الإنسان يفقد ذاته الروحية ويتحول إلى أشياء تباع وتشترى في ظل حضارة الفوضى والنظام حيث تعقدت مواقف الحياة وتحطمت القيم والقواعد الأخلاقية، و" في ظل هذه المتغيرات العالمية المتسارعة فقد الإنسان في دول الشمال "الغايات" وفقد الإنسان في دول الجنوب "الوسائل" كما يشير بذلك "آلان توران" في كتابه نقد الحداثة"( سليمان الديراني، 1994: 6-15)
فقيم الغايات (القيم الضرورية/الجوهرية): هي القيم التي تطلب لذاتها وهي قيم مطلقة لا تختلف باختلاف الزمان ولا المكان ولا الأحوال ومن أمثلتها قيم الخير والجمال والحق(حفظ الضروريات الخمس:الدين والنفس والعقل والنسل والمال) ، ونحمد الله أن ديننا الإسلامي يدعو إلى هذه القيم على أحسن صورة وارفع نموذج .
وهناك قيم الوسائل وهي التي تكون وسيلة لتحقيق قيمة أعلى منها، وهذه تكون نسبية وتتغير في الزمان والمكان وحسب الأحوال وتكون في خدمة الغايات وتابعة لها، ومن أمثلتها المعرفة والصحة والثروة ، فقد يسعى الإنسان لجمع المال لا لمجرد الجمع ولكن لأنه يريد اتخاذه وسيلة لهدف آخر.
إن اتساع نطاق الجدل على المستويات الاجتماعية والفلسفية في المرحلة الراهنة حول مصير الإنسانية في وجه تعاظم إنجازات هذه الثورة المعلوماتية والتقنية ونتائجها السلبية أدى إلى تعاظم خيبة الأمل لما كان يقال عن رفاهية المرحلة الراهنة والمستقبلية، وعن تكامل المجتمع وغياب التناقضات والصراع داخل المجتمع، من خلال تعميم مظاهر الرفاهية، إلا أن تحولات هذه المرحلة أدى إلى استفحال ظاهرة التباين والتمايز الاجتماعيين وظهور بوادر لتغير كبير في سلم القيم الاجتماعية الذي سادته الفوضى وعدم القدرة على تحديد الأولويات وتجلت بوضوح مظاهر لصراع المرجعيات الثقافية.
أولا- مدخل لتحديد مفهومي التغير القيمي والثقافة
1- تحديد مفهوم التغير القيمي
قبل أن نتدرج في تحديد مفهوم القيم يجدر بنا تحديد مفهوم التغير الذي يشير إلى حالة التبدل والتحول في الشيء أو الظاهرة عن ظاهره، فهو التحول والنمو والتكامل والتكيف والملائمة.
التغير في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة المختلفة، وقديماً قال الفيلسوف اليوناني (هيرقليطس) إن التغير قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم، كما عبر عن التغير في قوله الشهير: إنك لا تنزل البحر مرتين فإن مياه جديدة تجري من حولك أبداً.
وظاهرة التغير أوضح ما تكون في كل مناحي الحياة الاجتماعية، وهذا ما أدى ببعض المفكرين إلى القول بأنه ليس هناك مجتمعات ولكن الموجود تفاعلات وعمليات اجتماعية في تغير دائم وتفاعل مستمر.
كما انه التبدل الذي يحدث على مستوى البناء الاجتماعي ووظائفه، ولذلك فتغير القيم يدخل ضمن التغير الذي يحدث على مستوى التغير الوظيفي للنسق الاجتماعي، فما هي القيم؟
تعرّف العلوم الاجتماعية "القيم بأنها الأفكار المجردة التي تحدّد ما يعتبر مهمّا ومحبّذا ومرغوبا فيه في ثقافة ما، أما المعايير فهي قواعد السلوك التي تعبر عن هذه القيم الثقافية، وتعمل القيم والمعايير سويّا على تشكيل أنماط السلوك التي يتعين على الأفراد انتهاجها إزاء ما يحيط بهم، ومع أن القيم والمعايير تترسّخ في أعماق شخصيات الأفراد والجماعات فإنها لا بدّ أن تتعرض للتغيير والتغير مع مرور الوقت".( عبد العليم محمد:2003، 2004: 136) نلاحظ هنا التأكيد على مبدأ التغير الذي يتجلى أمامنا بما نشهده في المجتمع من تحولات في التصورات والسلوكات والمواقف، فالبعض مما كان مرفوضا ومحرما في فترة ما لم يعد كذلك اليوم. خذ على ذلك أمثلة عديدة في علاقة الشّاب بالفتاة، وصلة الأولياء بأبنائهم، وفي السلوكات في الفضاء العمومي والعلاقات بين الفئات الاجتماعية.
كما أن القيم عبارة عن المعتقدات التي يحملها الفرد نحو الأشياء والمعاني وأوجه النشاط المختلفة، والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحوها، وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض والصواب والخطأ، وتتصف بالثبات النسبي، وهي تشكل قسم من الثقافة تؤثر على سلوك الإنسان وتفكيره مثل القيم الدينية التي تختلف من مجتمع لأخر ومن فتره لأخرى في نفس المجتمع، وتوجد قيم تضعف وأخرى تقوى وذلك تبعا للعقاب والثواب الذي يعطيه المجتمع لمنفذ القيم ولخارقه، وهذا الأخير هو الذي نعبر عنه بالتغير القيمي، ذلك أن القيم عبارة عن تنظيمات لأحكام تفضيلية عقلية انفعالية صريحة أو ضمنية معممة نحو الأشخاص أو الأشياء أو المعاني، ولذا فهي تتكون من ثلاثة أبعاد هي :
- معرفي يحتوي على المعلومات والمعارف التي كونها الفرد حول موضوع معين.
- وجداني ويتمثل بالشحنة الانفعالية التي تنشط القيمة وتكون شدتها حسب قوة القيمة.
- نـزوعي يتمثل بالأسلوب الذي يجب أن يسلكه الفرد تجاه موضوع معين(مبارك فتحي يوسف ، 1992: 143 )
كما يشير مصطلح النسق القيمي إلى منظومة متكاملة ومتفاعلة من القيم التي يتبناها الفرد ، والتي تتوزع إلى مجالات عديدة بحيث يمثل كل مجال عنصراً متفاعلا ً مع بقية مجالات القيم الأخـرى؛ لتؤدي وظــائف توجيــهية وتقــويمية (عقل محمود، 2001: 66).
وتتصف القيم بالثبات إلا أن ثباتها نسبي فهي قابلة للتغيير ، فكثيراً ما يتفكك النسق القيمي ويعاد ترتيبه من جديد. ( حامد عبد السلام زاهران، 1984: 36 )،
وتعرف أيضا بأنها مجموعة هامة من المعتقدات يتقاسمها ويشترك فيها أعضاء المجتمع الواحد، وخاصة فيما يتعلق بما هو مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه، "فالقيم تتضمن دستور ينظم نسق الأفعال والسلوك، وهي التي تصنع الأفعال وطرق السلوك وأهداف الأعمال على المستوى المقبول وغير المقبول أو المستحسن والمستهجن، فإذا تساءلنا عن الأشياء أو الأعمال التي نحكم عليها بأنها قيمة وجدنا الجواب يكمن فيما يستحسنه المجتمع أو فيما يقره وما يرى عنه ويقرره"( صلاح بسيوني رسلان، 1990: 41)
ويكتسب الفرد قيمه ابتداءً من الأسرة والمدرسة فجماعة الأقران ووسائل الإعلام والجامعة والمهنة والتخصص ووسائط فرعية أخرى ضمن المجتمع وكل هذه الوسائط تستقي قيمها من ثقافة المجتمع التي بدورها تتلقح من ثقافات مجتمعات أخرى بحدود معينة .
و من الأسس التي اعتُمد عليها في تصنيف القيم ما يلي:
1- تصنيف القيم حسب المحتوى: إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى: قيم نظرية، وقيم اقتصادية، وقيم جمالية، وقيم اجتماعية، وقيم سياسية، وقيم دينية وسوف يتم التفصيل في هذا النوع الشائع في المراحل القادمة من التحليل.
2- تصنيف القيم حسب مقصدها: إذ تنقسم القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم وسائلية، أي تعتبر وسائل لغايات أبعد، وقيم غائية أو نهائية.
3- تصنيفها حسب شدتها: إذ تصنف القيم، حسب هذا الأساس، إلى قيم ملزمة، أي ما ينبغي أن يكون، وقيم تفضيلية، أي يشجع المجتمع أفراده على التمسك بها، ولكن لا يلزمهم بها إلزاماً.
وينقلنا هذا التحليل للتعرف عن سلم الترتيب القيمي، حيث يمكن ترتيب القيم إلى قيم بدنية، قيم عقلية قيم أخلاقية ، قيم دينية، وبيان ذلك أن بناء الإنسان يبدأ أولا بالتفكير في بنيته، وعند وجوده ننتقل إلى سبل تطويره وتنميته للمحافظة على صحته (القيم البدنية)، والإنسان لا يعيش دون قيم مبادئ وإلا كان حيوانا (القيم الأخلاقية)، والإنسان أيضا محتاج إلى تنمية عقله وفكره بالثقافة ودراسة مختلف العلوم (القيم العقلية)، والإنسان ميولا ته وغرائزه مرتبطة أكثر بما هو مادي، فلا بد له من مؤطر لقيمه (القيم الدينية).
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن القيم ذات صبغة إنسانية وشخصية بحيث تصدر عن الشعور الذاتي الداخلي للفرد، فهي نتاج اجتماعي يصدر عن البيئة الاجتماعية والمادية، ولذلك نجد أن للقيمة مجموعة من الخصائص:
ومن خصائص القيمة نذكر:
● ذاتية و موضوعية: فالقيم الذاتية تأخذ صفة الذاتية بحكم ذاتي صادر عن الذات، مما يصعب علينا دراستها لكونها غير ثابتة كاللذة أو الشبع، يحسه كل منا بإحساس مخالف عن الآخر، فهي تعتمد على الإحساس الداخلي للفرد.
أما عن القيم الموضوعية فهي" تكون خارجة عن نطاق الذات، كما أنه بإمكاننا إدراك أن لهذه الأشياء قيمة أعلى من ذلك الشيء الآخر، أي بإمكاننا التمييز بين مستويات الأشياء بالتفصيل"( ممدوحة سلامة، 1991: 122)، كما أنها ثابتة لا تتغير بتغير الأحوال، فهي مستقلة عن رغباتنا مثل قانون الجاذبية.
● النسبية
بمعنى أن أي شيء قد تتبدل قيمته تبعا للظروف التي تتغير من غير أن يتغير في ذاته فمثلا اللوحة التي ينتجها فنان في وقت ما لا تحافظ على قيمتها عندما تظهر لوحة أخرى تضاهيها في الجمال والإبداع.
● الشحنة الانفعالية
ومعناه أن القيم تعود إلى الجانب الانفعالي لا إلى الجانب العقلي في الإنسان، أما أبسطها فلا يعدو أن يكون تعبيرات عن رغبات طبيعية، في حين الدقيقة منها عبارة عن متصلات سامية ومهذبة، وأرفعها جميعا الروحية التي تصدر عن الإنسان.
والشحنة الانفعالية التي تتخذها القيمة كما يشير إلى ذلك "غي روتشي" G. Rocher "هي التي تجعل من هذه الأخيرة عاملا قويا ومؤثرا في وجهة فعل الأفراد والجماعات"(غي روتشي، 1971: 94)
فالإنسان ينظر إلى القيمة بنظرة وجدانية نابعة من ذاته وهي تعود إلى الجانب الانفعالي في الإنسان.
● التدرج القيمي
ونقصد به أن القيم غير ثابتة، وهي خاضعة للارتفاع والانخفاض وإلى التقدم والتراجع تبعا لمحددات الإنسان والطريقة التي جبل عليها، دون أن ننسى عامل البيئة وما يحيط بها من مؤثرات وضغوطات.
● الترتيب الهرمي
ومن بين خصائص القيمة أنها ترتب نفسها ترتيبا هرميا، حيث لها درجات مختلفة من التأثير على الفعل، ويرجع هذا إلى أن القيم ليست متساوية في الأهمية، ولذلك نجد أن بعضها تهيمن على غيرها وتخضع لها حتى وجد ما يعرف "بسلم القيم"، "حيث ترتب القيم حسب الأهمية، وهذا السلم الهرمي هو الذي يربط القيم ببعضها ويحدد ما يجب أن يكون وما يجب أن يفعل"(محمد أحمد بيومي، 1986: 25،24)
ومعنى الترتيب الهرمي للقيم هو أن "القيم تخضع لترتيب، مما يؤدي إلى وجود اختلاف بينها حسب تأثيرها على الفعل ومدى فعاليتها في المجتمع، وهذا يدل على أنها ليست متساوية من حيث أهميتها بل هناك تدرج هرمي من الأحسن إلى القبيح ومن الجيد إلى السيئ"( Andry R.G; 1960; 225 )
وتعد الثقافة واللغة والأسرة من أهم مصادر القيمة، حيث تقوم الثقافة بتطبيع الإنسان بصبغة المجتمع، وهذا لا يتم إلا عن طريق اللغة والرموز التي يتداولها المجتمع، في حين تمثل الأسرة نواة التنظيم الاجتماعي ومركز النشاطات الاجتماعية، وتعتبر من أهم مصادر القيم لأنها الوسيط بين الفرد والمجتمع، فهي تلعب دورا فعالا في تكوين القيم ونقل الثقافة وتوارثها من جيل إلى جيل آخر، وفي هذا الإطار يمكن القول أن عالم الانحراف والمنحرفين تحكمه مجموعة من القيم المتعارف عليها بينهم، فالمشهور في عالم المافيا والجريمة المنظمة، عدم التعرض إلى أفراد عائلة الخصم وعدم الثقة في الغرباء ووجود بعض القوانين التي تحكم كيفية توزيع الغنائم وتنظيم أفراد المجموعة.
● أنواع القيم
● القيمة الاجتماعية:
وتتضمن محبة الناس وإدراكهم لغاياتهم كوسائل لأغراض أخرى بشكل يحدد نمط الشخص الاجتماعي.
● القيمة الاقتصادية:
وتتضمن الاهتمامات العملية والجوانب النفعية في حياة الفرد، في سبيل تحقيق منفعة قد يتخذ من العالم المحيط به وسيلة للحصول على الثروة وتنميتها.
● القيمة الدينية:
وتتضمن الاهتمامات بالشؤون الدينية والسعي نحو اهتمام الفرد وميله إلى الاهتمام بالعالم الغيبي، وهذه القيمة متصلة بالبحث في الجوانب الروحية في حياة الإنسان.
● القيمة السياسية:
وتتضمن اهتماما وتوجها للعلاقات الاجتماعية بدافع السيطرة والرغبة في القوة والتفوق.
● القيمة النظرية :
وتتمثل في الاهتمام بالنظرة الموضوعية للأمور والبحث عن الحقيقة، فهي اتجاه معرفي يسعى وراء القوانين التي تحكم هذه الأشياء وتجسد نمط العالم والفيلسوف.
● القيمة الجمالية:
وهي تتضمن الحكم على الخبرات من منظور التناسق والموائمة، وهي تمس الشخص ذو الاهتمامات والاتجاهات الجمالية في الحياة.
لقد اختلف العلماء والمفكرون في علم النفس والاجتماع في تحديد تأثير القيمة على سلوك الفرد الاجتماعي، إلا أنه يمكن القول أن للقيم تأثير كبير على السلوك الإنساني، ففي كل مجتمع تنتظم مجموعة من القيم يشترك فيها الناس وتنظم سلوكهم الاجتماعي، فسلوكات الأفراد تحدد في إطار القيمة التي يؤمن بها كل فرد، ذلك أن الفرد ينتمي إلى جماعة معينة لها قوانينها الخاصة التي تحكم سلوكات الأفراد داخل الجماعة، وأن عملية التنشئة الاجتماعية السليمة هي الكفيلة بإعداد الفرد القادر على مسايرة قيم وعادات وتقاليد المجتمع، "وباعتبار الأسرة هي البناء الأساسي الذي يؤثر تأثيرا كبيرا في عملية إعداد وتكوين الأفراد، فإنها المسؤول الأول عن إمداد المجتمع بالفرد المستوعب لقوانين وقيم و عادات وتقاليد الجماعة التي ينتمي إليها"(حامد عبد السلام زهران، 1985 : 208)
وهذا ما يفضي بنا إلى الحديث عن مفهوم التغيير القيمي، فالمجتمعات تتحرك وتنمو وتتطور وهي عرضة للتغير المستمر، فكلّ مرحلة تحمل معها مستجدات أخرى، وإننا في الحياة أمام نهر دافق متجدّد، على رأي الفيلسوف اليوناني القديم "هيروقليطس"، فالإنسان لا يستحم في النهر الواحد مرتين لأنّ ماء هذا النهر يتجدّد…
وممّا لا شكّ فيه أن هنالك ثوابت تتميز بطابع الاستمرار والديمومة سواء كان ذلك في نطاق المؤسسات والبنى أو في مجال االقيم والمعايير، إلا أن المبدأ العام هو مبدأ التغير والحركة، وسعي الإنسان في ملحمة وجوده هو سعي للتوفيق بين الثابت والمتحول، أي الملاءمة بين جوهر المبادئ الخالدة التي تكتسب دوامها من سموّها وصلاحها وبين مقتضيات تجدّد العصر وضغوطاته وتحدياته.
لقد أنتجت الثقافة العربية الإسلامية مقولة رائعة في هذا السياق مفادها أن أبناءنا قد خلقوا لزمان غير زماننا، وأنه علينا أن نستوعب التحول في اتجاه الاستمرارية والتواصل وليس القطيعة والانشطار. عالم الاجتماع الألماني الكبير صاحب كتاب "مشكلة الأجيال" (كارل مانهايم) يقول : "ليس المعلم وحده هو الذي يعلّم التلميذ، التلميذ أيضا بمقدوره أن يعلّم المعلم. فالأجيال تتعاقب في كنف استمرارية الوجود وتتناقل الإرث الثقافي وتجدّده وتلك سنّة الحياة".
2- حول مفهوم الثقافة
مصطلح الثقافة في اللغة العربية هي من فعل ثقف الرجل ثقافة، أي صار حذقا حصيف، فهو ثقف منه المثاقفة، والثقاف ما تسوى به الرماح، وتثقيفها تسويتها، ويقال ثقفته أي صادفته، ويبدو من ذلك أن المعنى اللغوي للثقافة في العربية يقترب من المعنى الاستعمالي لمفهوم الثقافة في اللاتينية.
ومصطلح الثقافة ترجمة حرفية لكلمة Culture في اللغة الفرنسية والإنجليزية، وهي كلمة ذات أصل اللاتينيCultura وهي تعني لدى الإغريق الاهتمام الموجه إلى حقل نظري بعينه"( Encyclopsedia universali .p225)
و يعرف رالف لينتون الثقافة بأنها "كل متناسق من السلوك المتعلم ونتائج هذا السلوك، وأن العناصر المكونة لهذا الكل تكون مشتركة بين أفراد المجتمع، وتنتقل بواسطتهم من جيل لآخر، ويتضمن هذا السلوك المتعلم كل ما يقوم به الفرد من أفعال سواء كانت ظاهرة أو غير ظاهرة"(سميرة أحمد السيد، 1993: 116)
ويذهب مالك بن نبي في كتابه مشكلة الثقافة إلى البحث عن مصدر المفهوم ومنذ متى استخدم في اللغة العربية ليقول لنا بأنها الفعل ثقف يتصل تاريخه بلغة ما قبل الإسلام وقد وردت في القرآن الكريم "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، وهي قد تدل على العلاقة المعرفية أو العمل، إلا أنها لم تستخدم كثيرا في اللغة العربية، واقترن وجودها وتداولها بكلمة Culture الأجنبية، "وهي تعني سرعة التعلم والفطنة والذكاء أما مستخدمها فهو المثقف وهو ثابت المعرفة بما يحتاج إليه"( مالك بن نبي، 2000: 19)
أما تايلور فيعرفها بأنها" ذلك الكل المركب الذي يحتوي على المعرفة والاعتقاد والفن والأخلاق والقانون والعرف والعادات والتقاليد وأي قدرات أخرى تكتسب بواسطة الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع"(سميرة أحمد السيد،1993: 113).
إن الثقافة هي جملة من الأفكار والاتجاهات العامة التي يتعلمها الإنسان من خلال احتكاكه بالواقع الاجتماعي، وتكمن أهمية الثقافة في تزويد الفرد بالمعرفة وطرق التفكير وأساليب العمل وأنماط السلوك المختلفة والمعتقدات وطرق التعبير عن المشاعر، كما أنها تسير عملية التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، فالفرد في أي موقف اجتماعي يتصرف بناءا على معرفته بتوقعات الآخرين منه وتفسيره الشخصي للموقف ودوره ومكانته الاجتماعية.
خصائص الثقافة(بلال حمدي عرابي وأمل حمدي دكاك، 2005-2006: 97)
و هناك جملة من الخصائص التي تتسم بها الثقافة وتحدد طبيعتها ومميزاتها هي:
- أنها مكتسبة: أي أنها تنتقل من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي والتنشئة وهي ليست وراثية بالمفهوم البيولوجي للثقافة.
- تقدم إجابات لكثير من السلوكات والظواهر الاجتماعية
- أنها من وسائل التكيف الاجتماعي وتساعد الفرد على عملية الاندماج الاجتماعي.
- تعتبر الإطار العام لعملية التربية والتنشئة الاجتماعية
- أنها نتاج إنساني، وهي تنتقل في الجسم الاجتماعي من خلال التربية و التعليم
- من خلال الثقافة تحدد الأدوار والوظائف الاجتماعية.
"كما تعرف بأنها رؤية للواقع ومجموعة مبادئ ومفاهيم وتقاليد ومعتقدات ومعايير ومناقب ومواقف وقواعد تحدد السلوك اليومي للجماعة" (حليم بركات، 1985: 111)
و تمثل الثقافة نماذج من السلوك المتعلم، فالإنسان يتعلمها من الجماعة التي ينتمي إليها عن طريق عمليات التلقين والمحاكاة، وتعمل الثقافة على إشباع حاجات الفرد وتساعده على التكيف، فالفرد في بداية حياته يكون بحاجة إلى رعاية الراشدين لعجزه عن إشباع حاجاته بنفسه، ولكن مع الزمن يتعلم الاستجابة لمختلف السلوكات أو المثيرات، كما يتعلم أساليب تحقيق الأهداف والغايات، وعليه تعمل الثقافة على مساعدة الفرد على التكيف من أجل القيام بالأدوار الاجتماعية المتوقعة منه مستقبلا بعد اكتسابه مجموعة القيم والاتجاهات والعادات والتقاليد والأنماط السلوكية السائدة في المجتمع.
فالمجتمع ومن خلال التوقعات المختلفة للسلوك يعمل على إكساب أفراده مجموعة الاتجاهات والقيم والمشاعر واللغة التي تمكنه من التعبير عن مختلف انفعالاته ومطالبه وأفكاره، ذلك أن عملية التربية وأهدافها تحددها ثقافة المجتمع ودرجة تقدمه وتطلعاته وأهدافه ووضعه الاقتصادي، ويعتبر أفراد المجتمع المادة الأساسية لعملية التربية والتي تشكلهم الثقافة وتهيؤهم بما يتوافق وأهداف المجتمع وقيمه، فالثقافة إذا تشكل أفراد المجتمع عضويا وفكريا واجتماعيا بهدف ممارسة أدوارهم الاجتماعية وإتاحة الفرص للجميع.
ومن خلال ما سبق يمكن القول أن للثقافة رافدان أساسيان هما:
 التعليم الرسمي: وهو التي تتكفل به المؤسسات الحكومية للتربية والتعليم
 التعليم غير الرسمي: وهو الذي يتم من خلال المؤسسات غير الرسمية للتنشئة الاجتماعية كالأسرة ودور العبادة ومراكز الشباب ووسائل الإعلام ...
وإذا ما تدرجنا بعد ذلك في الخوض في مفهوم المرجعية الثقافية فلا بد أولا أن نعرف مفهوم المرجعية الذي يشير إلى العودة إلى الجذور والأصول، وهي مشتقة من فعل رجع أو عاد والتي تعني الرجوع إلى التراث القديم وثقافة الأجداد والآباء لتصحيح اتجاه أو تقويم خطأ، أو كما قال العلامة يوسف القرضاوي: هي العودة إلى أصول الإسلام والدعوة إلى تطبيق شريعته والاحتكام إلى كتابه وسنته والمناداة بوحدة أمته" (يوسف القرضاوي، 1994: 57.)
فنقول جماعة مرجعية أي التي لا ينتمي إليها الفرد بل يرجع إليها وينظر إليها ويقارن جماعته بها وهناك الجماعة المرجعية الايجابية التي تكون أفضل من جماعة الانتماء بقيمها ومعاييرها، وهناك الجماعة المرجعية السلبية التي يكون الوضع فيها سيئا بالمقارنة مع جماعة الانتماء وهي تنقسم إلى قسمين:
1. جماعة مرجعية سلبية: هي الجماعة التي يعتبر الناس سلوكها سلبي فيبتعدون عنها ويرفضونها ويعملون أشياء عكسية لها مثل: جماعة لصوص أو متعاطي مخدرات.
2. جماعة مرجعية ايجابية: هي الجماعة التي يظهر سلوكها ايجابي ويحاول الناس تقليدها أو التقرب منها والانتقال إليها
أما المرجعية الثقافية فهي الرجوع والعودة إلى الثقافة الأولية أو الأصلية بقيمها ومعاييرها وقوانينها، أو التي يعتقد أنها نموذج يحتذى به في الأخلاق والقيم والقوانين والسلوكات والمعرفة فيتبناها الأفراد، مثلما يقوم طلاب صف معين بتقليد طلاب صف آخر أو كما يقوم أفراد عائلة بتقليد أفراد عائلة أخرى أو كما يقوم شبابنا بالشرق بتقليد سلوك الشباب في الغرب.
ثانيا- مرجعية الثقافة والقيم
لا شك أن القيم السائدة والضوابط المشكلة للسلوك تعكس طابع الثقافة الجزائرية وتعبر عما تزخر به من تراث ثقافي متنوع ومتعدد المصادر، في الوقت الذي تكشف فيه عن التناقضات ومظاهر الخلل التي أدت إلى ظهور السلبيات الفكرية- السلوكية وتراكمها في شخصية الإنسان الجزائري، وهو ما يدفعنا إلى القول بحقيقة وجود اتجاهين قيميين في الثقافة الجزائرية وهما سر وجود هذا الصراع في المرجعية الثقافية، أحدهما ينتمي إلى الثقافة التقليدية المتوارثة عبر التاريخ والتي تميل إلى الجبرية والماضوية والإتباع والشكلية وكذلك إلى اعتمادها على النصية والامتثال القسري لضوابطها وقوانينها واحترام السلطة بكل أنواعها والتسليم بطاعتها وأخرى تنتمي إلى الثقافة التغييرية التي تميل إلى تعزيز قيم المستقبل وتنادي بحرية الاختيار والإبداع وتطالب بتعزيز سلطة العقل والفردية والانفتاح والعدالة.
والظاهر أن هناك غلبة لقيم الثقافة التقليدية على الثقافة التغييرية في كثير من الجوانب وهو الشيء الذي يؤدي إلى احتدام الصراع بين متبنيهما خاصة الثقافة التغييرية _التي تنادي بضرورة الموازنة بين العقل والقلب والأصالة والحداثة_ التي يتبناها جيل الشباب وهو ما ولد ما يعرف بصراع الأجيال.
وإذا ما حاولنا الغوص في مرجعية الثقافة بتوجهاتها المختلفة فيمكن إرجاع مصادرها إلى:
- أنماط العيش: ونقصد بها انتماء الفرد بيئيا إلى منطقة جغرافية معينة قد تكون ريفية أم حضرية وخصوصية كل بيئة التي تتميز الأولى بالمحافظة على القيم والتقاليد ومقاومة التغيير والجديد، والثانية التي تتميز بالقابلية للتغيير ومسايرة التطورات والتغيرات، وإن اختلفت درجة المقاومة لدى كل منهما، ونفس الشيء يمكن قوله عند الحديث عن نمط المجتمع الزراعي والصناعي.
- العائلة بنوعيها الممتدة والنووية: تعتبر العائلة الوسط الاجتماعي الأكثر أهمية في عملية التربية والتنشئة الاجتماعية، حيث تعد المصدر الأساسي لكل فعل أو سلوك يقوم به الأبناء والمتهم الأول في كل عملية خروج عن قيم ومعايير المجتمع.
وعليه فإن بنية العائلة ووظيفتها تحدد إلى حد كبير طبيعة المجتمع وبنيته، فأبناء الأسرة النووية يختلفون في تربيتهم عن أبناء الأسرة الممتدة، كما أن نوعية العلاقات السائدة بين الوالدين وبينهم وبين أبنائهم والمشاكل التي تعيشها الأسرة تؤثر تأثيرا كبيرا على الأبناء وعلى تصرفاتهم سواء داخل الأسرة أو في الشارع أو في المدرسة أو في أي مكان آخر الشيء الذي قد يعرض الأبناء إلى خطر الانحراف عن قيم وضوابط المجتمع.
كما سبق القول أن الأسرة من أولى الجماعات التي ينتمي إليها الطفل وأشدها صلة به "فهي المجال الأول الذي تتم فيه عملية التنشئة الاجتماعية للفرد والتي يتلقى فيها الطفل طريقة إدراك الحياة و أيضا كيفية التوجيه والتوافق والتفاعل مع المجتمع والآخرين"(عفاف محمد عبد المنعم، 2003: 50.49)
فالأسرة هي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل تقوم بعملية التنشئة الاجتماعية وتشرف على صياغة نماذج السلوك الصحيح وعملية النمو الاجتماعي وتكوين شخصيته وتوجيه سلوكه، والأسرة هي التي تحدد بذور الشخصية كما تحدد فيه طبيعة الإنسان للإنسان، وهذا ما ذهب إليه شارلز كولي Charles Cooley فكما يتشكل الوجود البيولوجي للإنسان في رحم الأم يتشكل الوجود الاجتماعي للطفل في رحم الأسرة وحضنها، والأسرة المضطربة تنتج أطفالا مضطربين، وأن أكثر إضطرابات الأطفال ما هي إلا عارض من أعراض إضطرابات الأسرة المتمثلة في الظروف غير المناسبة في التنشئة الاجتماعية"(سهير كامل أحمد، 1999: 13).
البيئة التعليمية: تساهم الأسرة في عملية إعداد الطفل للحياة المدرسية بعدما كانت تمثل له البيئة الأسرية والوسط الاجتماعي الأول والوحيد، وذلك عن طريق إعطائه صورة حسنة عن الجو المدرسي والهدف من الذهاب إلى المدرسة، إلى جانب إعداد الطفل للحياة والاندماج في المجتمع الكبير وهذا لا يتم إلا إذا قامت الأسرة بترسيخ ثوابت المجتمع وقيمه في الطفل وأن الانحراف عنها سوف يؤدي إلى تعرضه للعقاب سواء كان عقابا ماديا أو معنويا.
وتعمل المدرسة على غرس وتثبيت قيم ومبادئ المجتمع من خلال المقررات والمناهج الدراسية وكذلك من التربية الخلقية التي يقدمها المدرسون للتلاميذ والذين يعتبرون القدوة والحاملين لمثل المجتمع وقيمهم، بحيث يتشرب تلاميذهم من سلوكاتهم وأفكارهم التي يتفاعلون بها مع تلاميذهم.
ويؤكد بارسونز على دور الجامعة في التنشئة الاجتماعية ، ويرى أن دورها لا يتجاوز دور الأسرة والمدرسة فحسب بل يكمله ، فالجامعة تمثل النخبة المثقفة التي يعول عليها في ديمومة الحضارة والثقافة وتسيير عجلة التنمية وإدامة تطوير المجتمع ، فهي تضم أساتذة يمثلون ( اعتبارياً ) أعلى درجات العلم ، ونظاما علميا يمثل محكاً علمياً لنمو المجتمع ولرقيه العلمي والحضاري ، وتقاليداً جامعية تبعث في الطالب نوازع نفسية وتربوية (الدباغ رياض احمد ، 1989: 92)
ومن أهداف الجامعة الأساسية بناء فكر الإنسان وتحقيق قيمه (الكناني إبراهيم، 1987: 374 ) وبهذا يكون ميدان القيم ميداناً هاماً فهو يعتبر أحد أبعاد الجانب الانفعالي في عملية التعليم والتعلم وهو الذي يترك أثراً دائماً في شخصية الطلبة وتصرفاتهم (عبد الله انشراح ، 1991: 111 ) ولذا فتحقيق هذا الهدف يعتمد على فعالية عملية التعليم والإرشاد التي توفرها الجامعة وعلى الخصائص النفسية والاجتماعية التي يتسم بها تنظيمها وخاصة إذا أمكن القول بأن الجامعات تتميز بثقافة خاصة بها وتحتوي على قيم ومعايير معينة ، وبالتالي فإن الطالب يتمثل قيم هذه الثقافة عن طريق معايشته لها في الحرم الجامعي ، وتكون درجة التمثيل على قدر وضوح هذه الثقافة، ويكتسب الطلبة قيمهم من خلال محتوى المنهج و يتفاعلون مع أسلوب معين من أساليب التعلم من خلال التعبير الصريح للقيم من قبل مدرسيهم داخل القاعات الدراسية وخارجها وعن طريق توحد هؤلاء الطلبة ببعض مدرسيهم وتبني قيمهم وهذا ما أكدته دراسة "جيروس " (حسين محي الدين أحمد، 1981: 70) .
وهكذا يتضح بجلاء أن للجامعة تأثيراً كبيراً على قيم طلابها ولا يعود هذا التأثير لعامل معين وإنما لعدة عوامل منها المنهج والمدرس والعلاقات والزمالة والنشاط الجامعي والمناخ الجامعي بشكل عام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
باحث اجتماعي
عضو زهبي
عضو زهبي



التخصص : علم اجتماع
عدد المساهمات : 1494
نقاط : 3052
تاريخ التسجيل : 01/01/2010
العمر : 54

التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية    التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية  Emptyالجمعة أغسطس 08, 2014 11:06 am

- الدين الإسلامي: يعد الدين المرجع الأساسي للثقافة، والمنبع الذي يتشرب منه المجتمع القيم والقواعد والضوابط وكذلك الرضا في الحياة وكل القيم النبيلة التي تسمو بالإنسان وتجعله من أفضل مخلوقات الله، ونحن هنا بصدد الحديث عن الإسلام وليس أي دين آخر، ومن غير الإسلام الذي يكرم الإنسان ويسموا به، ويحمل المثل والقيم العليا، فالدين هو الذي "يخط مجراه في تفكير الثقافة وضميرها وأغوار وجدانها، وهو الذي يحدد لها فلسفتها الأساسية عن سر الحياة وغاية الوجود، ويجيبها عن الأسئلة الخالدة التي فرضت نفسها على الإنسان في كل زمان ومكان: من أنا؟ ومن أين جئت؟ وإلى أين أذهب؟ ولماذا أحيا؟ ولماذا أموت؟".(يوسف القرضاوي، 1994: 17)
فللدين الإسلامي تأثير عميق وشامل في نشأة الثقافة وتبلورها وكذلك في صياغتها الاجتماعية التي تحدد خصوصية كل مجتمع وشخصية كل فرد حسب انتمائه الديني، "فهو يتغلغل في حياة الفرد والأسرة والمجتمع ويؤثر في الفكر والشعور والإرادة ويوجه العقل والضمير والسلوك، ويصبغ الحياة كلها بصبغة متميزة، تتجلى في توجهها الرباني ونزوعها الإنساني، وانضباطها الأخلاقي وتحركها الإيجابي وتوازنها القيمي".(يوسف القرضاوي، 1994: 18)
لقد أعجبتني قصة الرجل المغربي التي رواها العلامة يوسف القرضاوي في كتابه الثقافة العربية الإسلامية المعاصرة، ولا بأس أن أعيدها في هذا المقام لتتضح مرجعية السلوك ومصدر الفكر الذي جعل رجلا إيطاليا يدخل في الإسلام، فقد روى العلامة أنه كان رجلا مغربيا مسلما يعمل بائعا متجولا في أحد شوارع إيطاليا في البرد الشديد، فسأله هذا الإيطالي الذي دخل في الإسلام، ما الذي يوقفك في هذا البرد الشديد؟ قال أطلب رزق الله، قال وهل تكسب ما يكفيك؟ قال الحمد لله، ما أكسبه يكفيني بعضه، وأرسل الباقي إلى أبوي وإخوتي في المغرب، قال: وهل انتم سؤول عنهم ؟ قال نعم، رضا الله من رضا الوالدين، وصلة الرحم تطيل العمر؟ قال يعني أنت راض عن حياتك هذه؟ قال رضا ولله الحمد، ربنا يديم نعمته علي، قال ومن أين تعلمت هذا؟ قال المغربي : ديننا علمنا هذا: إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، قال فكيف لي أن اعرف دينكم؟ قال المغربي: أدلك على المسجد لتقابل إمامه وهو يشرح لك، وبعد أيام ومما عرف ذلك الإيطالي عن الإسلام دخل فيه وأصبح مسلما.
من خلال هذه الواقعة نرى أن القيم التي كان يتمسك بها الرجل المغربي وهي السعي والرضا
تنبع من قيم ديننا الحنيف الذي يحث على العمل والمثابرة والاجتهاد وعدم اتباع الطرق غير المشروعة في الكسب والمعاش، كما يدعو إلى الرضا والشكر على نعم الله و بما قسم لعباده من أرزاق.
- الحضارة المعاصرة: بقيمها المختلفة التي تسعى لأن تكون كونية وشاملة عبر آليات العولمة الثقافية والإعلامية والاقتصادية التكنولوجية، الشيء الذي أدى إلى تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة لا ينأى فيها فرد أو جماعة عن التعامل مع وسائل الإعلام والاتصالات والمعلومات حتى وإن حاول الانغلاق والكف عن تأثيرها، ذلك انه لا يوجد فاصل حقيقي في سيرورة العولمة، بين متغيرات الاقتصاد والسياسة وبين الثقافة والقيم.
"كما تبدو محاولات الانغلاق والإنكفاء الثقافي مظهرا لرد فعل سلبي يفتقد الفاعلية، طالما بقي عدم التكافؤ بين الدول والأمم على المستوى الكوني هو السمة المسيطرة" (مصطفى الولي، 2004: 84) وهو الأمر الذي يفرض في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية مواكبة المتغيرات الكونية وإعادة النظر في مفهوم الخصوصية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية على خلفية الإدراك لحتمية العولمة جنبا إلى جنب مع التأكيد على حاجتنا إلى المحافظة على الهوية القومية والوطنية.
والمجتمع الجزائري لا يملك أن يمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة واقعية تفرض نفسها بحكم قوّة النفوذ السياسي والضغط الاِقتصادي والتغلغل الإعلامي والمعلوماتي التي يمارسها النظام العالمي الجديد. ولكنه يستطيع أن يتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة، إذا بذل جهوداً مضاعفة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم في المجالات كلِّها، وليس فحسب في مجال واحد، للترابط المتين بين عناصر التنمية الشاملة ومكوّناتها
إن حقائق الأشياء تؤكد أن العولمة لا تمثّل خطراً كاسحاً ومدمراً، إلا على الشعوب والأمم التي تفتقر إلى ثوابت ثقافية، أما تلك التي تمتلك رصيداً ثقافياً وحضارياً غنياً، فإنها قادرة على الاِحتفاظ بخصوصياتها والنجاة من مخاطر العولمة وتجاوز سلبياتها .

ثالثا- التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية في المجتمع الجزائري
االتلميذة خديجة نموذجا
التلميذة خديجة في المرحلة الثانوية من تعليمها حلمها أن تصبح صحافية محترفة في إحدى القنوات الفضائية، إلا أن نتائجها الدراسية الضعيفة لا تسمح لها حتى بالانتقال من سنة إلى أخرى، وعليها أن تقرر بسرعة هل ترسب وتطرد من الدراسة بسبب ضعف نتائجها الدراسية، أم أنها تستخدم وسائل أخرى للمحافظة على استمرارية تمدرسها وانتقالها إلى المرحلة الأعلى.(سلم قيم ترتيب الخيارات)
خديجة أيضا مخطوبة لابن عمها "علي" منذ الصغر، وهو رجل حرفي متوسط التعليم يعمل كهربائي للسيارات، وهو متوسط الدخل كذلك، وعليها أيضا أن تختار بينه وبين صديقها "وليد" الجامعي الثري صاحب السيارة الفخمة والحوانيت المتعددة، فإذا اختارت علي الحرفي فعليها أن تبذل المزيد من الجهد والعمل للحصول على الشهادة ومنه للعمل في المستقبل لمساعدة زوج المستقبل "علي"، أم تختار وليد الثري التي تصبح معه زوجة وربت بيت وأم لعدد من الأبناء.
هكذا تجد خديجة نفسها أمام عدة مسارات واختيارات بين قيم سلبية سريعة التحقق كالغش في الامتحانات واختيار وليد الزوج الثري، وسلم القيم الإيجابية البطيئة التحقق كالزواج ب"علي" ابن العم والعمل سوية لتامين المستقبل، وبالتالي تتعرف خديجة على أمور الحياة الاجتماعية بمختلف مستوياتها في وقت متقارب والتي تتطلب منها اتخاذ قرارات مصيرية عاجلة لابد أن تكون مبنية على سلم الأولويات وترتيب القيم.
إنها مجموع القيم التي ينشا ويتطبع عليها الطفل منذ الصغر في الأسرة عن طريق الوالدين وفي المدرسة عن طريق المربين والإدارة التربوية أو في الشارع من جماعة الرفاق والقران، لتصبح في مرحلة النضج والشباب مسارات واختيارات وكذلك أولويات تحدد النهج والطريق المؤدي إلى المستقبل، فإذا اقتنعت خديجة بسلم القيم السلبية فإنها ستختار قيم الانتهازية والنجاح بأقل مجهود واستخدام الوسائل التكنولوجية في عملية الغش في الامتحانات، وتقديم بعض التنازلات والزواج ب"وليد" الثري الذي يضمن لها عيش رغدا وسهلا، أما إذا اختارت سلم القيم الإيجابية كالتعب والاجتهاد وبذل المزيد من الجهد والمثابرة والعمل كصحفية، وتختار"علي" الحرفي لأنه أقدر على فهم الحياة الزوجية وتقديرها وتقدير قيم النجاح والاعتماد على النفس.
أما إذا كان سلم قيم خديجة هجين بين القيم السلبية والإيجابية، أو فوضى شاملة، فإنها لاستطيع تحديد الأولويات وترتيب الخيارات، وقراراتها سوف تكون متأرجحة وغير محددة، وقد تتدخل أطراف أخرى في اتخاذ بعض القرارات الحاسمة، ومن يمكن القول أن المرجعية الثقافية لخديجة وتصارعها بين القيم السلبية والإيجابية هي
وإذا كانت القيم الاجتماعية هي تلك المعتقدات التي نتمسك بها بالنسبة لنوعية السلوك المفضل ومعنى الوجود وغايته، فإن القيم تشكل مصدرا للمعايير والمقاييس والأهداف وأشكال التصرف المفضلة وهي متنوعة بسبب تنوع مصادرها وتوجهاتها وغاياتها، ولهذا ليس غريبا أن تتكامل في بعض الحالات وتتناقض في حالات مغايرة، "حيث تشكل القيم أحد أهم ضوابط السلوك الاجتماعي نظرا لمساهمتها في تحديد التفضيلات والاختيارات في المواقف الحياتية للأفراد والجماعات"(كريم أبو حلاوة، 2003: 120).
وتلعب القيم والتنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد دور كبير في تحديد تلك الاختيارات ليس بوصفها مقدمة إليه من الخارج بل باعتبارها شخصية الفرد التي اكتسبها وتطبع عليها وهي التي تضبط وتحدد وتوجه أسلوب حياته في المستقبل، غير أن القيم لا تعمم ولا يتم قبولها اجتماعيا كما يحدد المجتمع، بل يقبلها البعض ويرفضها بعض آخر ولا يسمعها الباقي مما يؤدي إلى انعدام الاتساق القيمي، ومثالنا على ذلك عدم وقوع الأسرة والمدرسة والعمل ووسائل الإعلام على خط مرجعي قيمي واحد، يجعل القيم تقدم بصورة متعاكسة ومتعارضة، فما تلقنه الأسرة لأبنائها من مبادئ تربوية وقيم سلوكية يتم تحطيمها في الشارع أو في المدرسة أو عبر وسائل الإعلام وكذلك ما تقدمه المدرسة من قيم ومبادئ يتم تكسيرها في الأسرة وعبر وسائل الإعلام...إلخ.
فالمدرسة مثلا تحرص على تعليم الأبناء اللغة العربية الفصحى، إلا أن هذا سرعان ما يتم اختراقه عبر وسائل الإعلام وخاصة التلفزيون في الإعلانات والبرامج الترفيهية من خلال استخدام اللغة العامية الركيكة والهابطة.
وإذا انتقلنا إلى التربية البيئية فنجد أن المقررات والبرامج الدراسية تعلم وتحث على المحافظة على المحيط والبيئة بعدم رمي الأوساخ والقمامة، ولكن سرعان ما تخترق وتهدم هذه القيمة عندما يرى الطفل والدته ترمي بالقمامة ومن أعلى الشرفة في الشارع، إذا علينا أن نتبنى فكرة عدم رمي القمامة ووضعها في الحاويات المخصصة لها، ولكن ذلك لا يكفي لأن هذه القيمة يمكن أن تخترق من إطار مرجعي آخر في المدرسة كأن يرمي الأستاذ سيجارته أو الأوراق على الأرض.
وحتى في الأسرة الواحدة تؤدي الصراعات بين الأب والأم وسلم القيم المرغوبة عند كل منهما إلى آثار متعددة مستقبلية على شخصية الطفل، مما يؤدي إلى اضطراب عملية التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي، بحيث تنشأ صراعات قيمية حول مصادر الحصول على المعلومات القيمية ومحددات السلوك وضوابطه، وهكذا نجد مثلا أن قيمة النظافة والتدخين لا يمكن أن تعمم بصورة صحيحة بدون تناسق وتعاون من كل الجهات والأطر المرجعية التي تتعامل بهذه القيمة أو التي تقدمها للطفل، إلا أن ما تم تطبيع الطفل عليه في الماضي قد يختلف ويطرأ عليه تغيرا في سلم القيم نتيجة التحولات والتغيرات الاجتماعية التي طرأت على البنى والنظم الاجتماعية، خاصة النظام التربوي حامل المثل ومورث القيم، ويصبح الشاب المتمسك بالطابع الذي طبع عليه وهو طفل شاب متخلف لا يواكب التغيرات، في حين الذي لا يتمسك بالقيم ويجاري التغيرات هو شاب معاصر ومتحضر، ومنه ينشأ التغير القيمي وتتصارع فيه المرجعيات الثقافية التي سبقت الإشارة إليها، وهي الأسرة وأنماط العيش والبيئة التعليمية والدين والحضارة المعاصرة.
عند حديثنا عن صراع الثقافات المختلفة في المجتمع الجزائري أو العربي عموما، لا يمكننا إغفال الدور الكبير والتأثير الفعال للعولمة بمختلف أساليبها ووسائلها على الهوية العربية والخصوصية الثقافية، والتي تغذيها عولمة الغالب على المغلوب.
ولا شك أن صورة الثقافة إنما تتحدد تبعا للواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، وكذلك للدور والمهام التي يقوم بها، وترتسم كذلك معالم هذه الصورة وفقا للأبعاد والمضمون الفكري والسياسي لهذا المجتمع، وترتبط أيضا بسلطة العقل وضرورة تحرره من الكليات والتفسيرات اللاهوتية والميتافيزقية.
و لاشك أيضا أن صراع المرجعيات الثقافية في المجتمع الجزائري ترتبط ارتباطا وثيقا بواقعه وما آل إليه من تدهور في منظومته الفكرية والقيمية، التي ساهمت الثورة التكنولوجية المعاصرة وبصفة خاصة مجال الاتصالات السمعية البصرية، في التقليل من فاعليته وتأثيره في الأوساط المجتمعية.
ولا بد من القول أن وسائط الاتصال التي يشهدها عالمنا اليوم، ذات طبيعة متباينة، لذلك تلعب الأساليب والوسائل التربوية- باعتبار أن التربية أهم روافد الثقافة- دوراً مهماً في جعل تعامل الفرد تعاملاً فاعلاً وعلمياً، يصب في خدمة الأهداف التربوية والثقافية في مؤسسات المجتمع، إذا ما تم توظيف تلك الوسائط في خدمة تلك الأهداف، وتعميقها في الوسط المجتمعي، حيث تضع هذه التقنيات العلمية الحديثة الإنسان أمام كم هائل من المعلومات الغزيرة، ذات الطبيعة المتباينة، جعلته في حيرة وتراخ واضطراب، وقد ينجم عن ذلك فقدان الثقة في كل منها.
هذه الغزارة في المعلومات التي تطرحها تلك التقنيات لا يمكن أن تكون ذات اثر إيجابي فقط، بل يتبلور انعكاسها السلبي على الفرد حينما تشكل عقبة أساسية في تكوين الشخصية، وبناء الثقافة الحقيقة بالتالي، فكل يوم، بل كل ساعة أخذت الحياة العادية تطرح (بما فيها من راديو وتلفزيون واسطوانات وصحف ومجلات ومطبوعات وانترنيت) أمام العقل البشري طائفة من المعلومات أكثر مما يستطيع أن يستوعب ويفهم، مما يؤدي إلى زوال التأمل الذي هو أساس كل ثقافة حقيقية بل ضمور التفكير الذي هو أساس كل نقد، ونضوب القدرة الإبداعية التي يملكها الإنسان بحكم تكوينه.
لذلك فان ثقافة اليوم، تلك الثقافة التي تتناقلها تلك التقنيات ثقافة يسيطر عليها، الاضطراب والشك، والموجهة في معظمها نحو التسلية والمتعة، ثقافة بعيدة عن أن يكون العلم أساسها ومنطقها، وسيكون أثرها السلبي مضاعفاً على الفرد الجزائري، الذي خرج من عزلة طويلة، ليجد أمامه هذه الغزارة المعلوماتية التي عليه أن يقطع أشواطاً وأشواطاً ليلحق بها، والنتيجة الحتمية هي غياب الجو الثقافي الذي ينذر بوجود أزمة ثقافية التي تعني "انه كلما عمل المجتمع واجبه في السهر على سلوك الأفراد _بدعوى الحرية أو أية دعوة أخرى_ وزال الضغط الاجتماعي، انطلقت الطاقة الحيوية من قيودها سواء كانت هذه القيود مفروضة على أساس ديني أو أساس دستوري، فدمرت كل ما يقوم على تلك الأسس سواء كانت دينية أو علمانية، أي أنها تدمر كل البناء الاجتماعي" (مالك بن نبي، 2000: 90.91 )
وتبعا لذلك فإن الصراع الثقافي يعمل على عرقلة مهمة وفعالية القيم في ظل مجتمع متقهقر وجامد لا يسمح لمفكريه ومثقفيه بإيجاد الحلول المناسبة لفك قيود التخلف عنه، فاستسلموا لما آل إليه مجتمعهم وهمشوا وتقوقعوا على أنفسهم وعن الساحة الاجتماعية والسياسية، وهو بالضبط ما ولد الأزمة الثقافية التي يعاني منها المجتمع الجزائري منذ سنوات، والتي قللت من شأن الإنسان الجزائري وقدرته على الإبداع والإنتاج وتركتنا نتيه في دائرة أن الغرب هم القدوة والأسوة، ونعيش في ثقافة الغالب وطرائقه التي أجاد ابن خلدون في التعبير عنها، حيث" تتجلى مظاهر الأزمة الثقافية في العالم العربي من خلال وجود مجموعة من المعوقات التي تشل حركة المجتمع، وتحول بينه وبين تحقيق هذه الأهداف التي يطمح إليها، وهذه المعوقات هي التي تدفع الباحث إلى القول بفشل المشروع الثقافي العربي"( مهند نوح، 2003، 2004: 195)
ويمكن أن نوجز أهم ملامح أزمة المثقف في النقاط التالية:
1. الانعزالية الاجتماعية: أي أن المثقف أصبح يعيش لذاته وليس لمجتمعه وعدم مخاطبته والتواصل معه والتعالي عليه.
2. الاخفاق في تكوين قيم حضارية عصرية خاصة بالأمة، انطلاقا من هويتها الحضارية والتاريخية ومرجعيتها الدينية الإسلامية.
3. الاخفاق في عملية الارتقاء الحضاري وتكوين معطيات وعمليات جادة للتواصل مع مجتمعه.
و لذا كان لزاما على المثقف الجزائري أن يتخذ مواقف دقيقة وصعبة حيال هذه التطورات، هدفها تحقيق إمكانية التكيف معها، وأن يمسك بزمامها في آن واحد، بحيث يستوعبها، ويضبطها وفق حاجاته ومستلزمات تطوره، وبنية ثقافته الأصلية، كما أن للتربية الشأن الأكبر في هذا المجال، ولعل أهم ما يمليه هذا التغير الاجتماعي السريع هو أعداد الأفراد القادرين على سرعة التكيف، المالكين لروح المبادرة، القادرين دوما على تجاوز ذواتهم، وعلى الإبقاء على جوهرها في آن واحد، ولذلك نقول أن فئة الشباب هي القادرة على استيعاب وإحداث التغير بما تتميز به من مرونة أكبر وقدرة على التمثل والابتكار والتعامل الإيجابي مع ما هو جديد، في مقابل فئة الكبار التي تتميز بالمبادرة والعفوية والتمسك بالقديم ومقاومة الجديد، وهو ما يولد لنا ما يعرف بصراع الأجيال، فما هي أسبابه ونتائجه على عملية التغير القيمي؟
 صراع الأجيال
تعتبر العلاقة الاجتماعية والثقافية والتاريخية بين الأجيال، المحدد الرئيسي لعملية الصراع بين الأجيال، ذلك أن لهذه العلاقة جوانب متعددة تربوية ونفسية وثقافية وسياسية واجتماعية، والتي تتشكل عادة بين الآباء والأبناء، أو بمعنى آخر بين جيل الكبار وجيل الشباب على أساس نوع من سوء التفاهم على نسق قيمي وفكري وسلوكي.
"إن المقصود بصراع الأجيال ليس هو فقط ذلك الاختلاف أو التغاير في المفاهيم والقيم والسلوك والنظرة العامة إلى الحياة الذي ينشأ و يلاحظ بين جيل الآباء وجيل الكبار عامة وجيل الناشئة والشباب... بل إن هذا الموضوع يمس مجالات حساسة وهامة جدا في حياتنا، كمجالات الاقتصاد والسياسة والتعليم، والإعلام وغيرها"( سمير إبراهيم حسن، 2003: 108)
إن هذه الاختلافات في طرق التفكير والسلوك أدت إلى احتفاظ كل طرف بنظرة مسبقة عن الطرف الآخر، وغالبا ما تكون هذه النظرة نمطية وتحوي الكثير من الأحكام المسبقة، فغالبا ما يحكم جيل الشباب على الجيل السابق له بالمحافظة والرجعية والجمود وعدم التطلع والتسلط وممارسة الوصاية على الشباب والتدخل في اختياراتهم الشخصية في مختلف المجالات.
في الحقيقة هناك عوامل عديدة تؤدي إلى ظهور هذا الصراع منها شدة التغير الاجتماعي و الاقتصادي وسرعته وتنوع أشكال النشاط السياسي والثقافي، وبالتالي من تغير في القيم والمفاهيم والسلوك ودور كل ذلك في تغير الأدوار داخل الأسرة والمؤسسات والمجتمع عامة، والاختلاف حول هذا التراتب هو السبب الرئيس في حدوث الفجوة أو الهوة بين الجيل الجديد المستعد لقبول التغير وجيل الكبار المتمسك بالقديم، ويمكن أن نوجز أهم مظاهر الصراع بين الأجيال في النقاط التالية:
- المبالغة في الرعاية والاهتمام بالأبناء وفرض الوصاية عليهم.
- تطبيق الخبرات الحياتية على الأبناء دون انتباه إلى تغيير الزمان والظروف بفعل عوامل التغير الاجتماعي والاقتصادي والحضاري.
- الإفراط في الحب والخوف على الأبناء بهدف تجنبهم معاناتهم، وهو ما يولد حاجزا بينهم وبين الانخراط في التجارب الحياتية.
وإذا تأملنا في مطالب الشباب نجدها تتمحور حول حقوقهم الأساسية في التعليم والعمل والمشاركة واحترام خياراتهم وآرائهم، ولذلك كان من واجب الكبار أو جيل الآباء الإصغاء لأصواتهم من خلال تشجيع ثقافة الحوار وتعزيز قيم المشاركة والانفتاح.
 مشكلة الهوية والانتماء
من أكثر المشكلات التي ثار حولها جدلا واسعا وخلفت آثارا سلبية على منظومة القيم والمجتمع نجد مشكلة الهوية والانتماء، والتي أخذت صبغة دينية متطرفة، أي اتخاذ الدين والعقيدة مرتكزا لها في تهديدها لأمن المجتمع وسلامته،أو اتخاذ الدين كوسيلة للوصول إلى أهداف وغايات خاصة، عن طريق ممارسة العنف والتهديد.
والانتماء هو الارتباط والتعلق بهدف محدد في الحياة كالارتباط بالوطن، الأسرة، وارتباط بالثقافة بدون تراتب، لأن التراتب يرتبط بالقيم المختلفة والمتفاوتة في مجال تقدير بحيث يشعر الإنسان بأنه يعيش من أجل هذا الهدف وأن حياته مكرسة لتحقيقه.
ولكل جيل قيمه وأهدافه واختياراته التي يحقق بها أهدافه، ولذلك يجب أن لا يزن الجيل السابق القيم والأهداف الحالية بمعايير القيم التي كانت سائدة لأن الزمن في تغير مستمرن فالانتماء هو الذي يوفر الاستقرار النفسي والطمأنينة وهذا ما يدفع بالإنسان لأن يكون شخصا فعالا ومنتجا ومشاركا في قضايا المجتمع وتطلعاته.
وقد أدى انتشار هذه الظاهرة إلى اهتمام العديد من المفكرين والمثقفين في البحث عن أسبابها ودوافعها، ووضع ما يرونه من أفكار وخطط لمعالجتها بدءا بمعالجة المشكلات الأساسية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأكثر فئات المجتمع حرمانا وفقرا وتهميشا.
كما يتجلى أيضا في عملية التغريبWesternization التي تسعى العولمة الثقافية بكل ما تحمل من وسائل ومضامين وعبر وسائل الإعلام المختلفة السمعية والبصرية والمكتوبة بمحاولة قولبة الشخصية العربية الإسلامية وإعطائها البعد العالمي بدلا من الالتزام بالهوية الدينية والانتماء الوطني.
ولا نغفل في هذا الإطار عن العملية الثانية وهي الذوبان في الآخر ومحاولة التقوقع والتمسك ومحاولة العودة إلى الماضي بما تحمله من سلبيات على النمو المتوازن للشخصية وكذلك على عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ذلك "أن كبت الحريات وتعقب كل ذي فكر حر بالتنكيل والتعذيب والسجن وأحيانا كثيرة بالقتل، فجر غضب الشباب فثاروا على الأوضاع السائدة مستخدمين كل ما يقع في أيديهم للوصول إلى ما يتصورونه لحياة المجتمع، غير عابئين بما يترتب على ذلك من كوارث اجتماعية واقتصادية، تقضي على الأخضر واليابس"( محمد شامة، 2005: 53 )
وتبدو محاولات الانغلاق الثقافي مظهر لرد فعل سلبي يفتقد الفاعلية ، طالما بقي عدم التكافؤ بين الدول والأمم على المستوى الكوني هو السمة المسيطرة، الشيء الذي يحتم علينا في سبيل الحفاظ على قيمنا وهويتنا الثقافية مسايرة التغيرات العالمية وإعادة النظر في مفهوم الهوية والانتماء على خلفية الإدراك لحتمية العولمة جنبا إلى جنب مع التأكيد على حاجتنا إلى الخصوصية الثقافية في مواجهة أخطار انمحاء الهوية وروح الانتماء إلى الوطن التي عانت منها الجزائر في السنوات القليلة الماضية.والانتماء يقتضي أن يحرص الشاب على هويته القومية بالتعامل الصحيح مع تراثه وشخصيته العريقة، وبنفس الوقت التطلع نحو المستقبل وهذا ما يمكن أن يجعل فكرنا أكثر إبداعا وحرية ومبادرة وأكثر هيمنة على التغيرات القادمة ، بدلا من أن تأتينا الأزمات تباعا ونحن عنها غفل، يجب أن نكتسب الإحساس بالمسؤولية تجاه المستقبل أولا، وأن نستمد من الماضي ما هو قابل للاندراج في مشروعنا القومي المتجدد،
استخلاصات ختامية
لا بد من القول أن التغيرات الاجتماعية المتسارعة التي بدأت تتسع وتزداد في العالم، والتي أخذت تنال من المؤسسات الثقافية والاجتماعية على اختلاف أشكالها، والقيم والأخلاق والأيديولوجيات الأخرى، وسائر أنماط السلوك المادية والمعنوية السائدة في مجتمعنا الجزائري، جعل القيم والثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي الواسع - تتعرضان أكثر فأكثر لهزات كبرى.
ولهذا وحرصا منا على تحقيق بناء ثقافي يدعم النسق القيمي للمجتمع الجزائري نقترح التصورات الآتية كإستراتيجية نحافظ من خلالها على قيم وأصالة المجتمع ونحمي أبنائنا جيل المستقبل من الذوبان في الآخر، وما قد تحدثه العولمة في كل المجالات خاصة العولمة الثقافية في مستقبلهم وأفكارهم، وفي نفس الوقت تتيح لهم التطور والنهوض والتنمية:
 القضاء على كافة الأفكار والمعتقدات التي تعرقل عملية التطور والنهوض بالمجتمع، وغرس أفكار وأيديولوجيات تربوية وثقافية جديدة.
 إقامة نظام تربوي مرن، من خلال الانطلاق من حقيقة مهمة وهي أن النظام التربوي الثابت والجامد، قد مات و إلى الأبد
 الاعتماد على المعطيات الموجودة في الداخل، وترك الآليات المستوردة التي قد لا تتلاءم مع معطيات وظروف واقعنا الجزائري، مع التأكيد على الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب في هذا المجال.
 التعريف بما هو متداول حالياً ثقافياً، من خلال تطوير ثقافة الفرد لكي يعي ما يدور ويجري حوله من متغيرات.
إن الآلية الرئيسة التي ينبغي أن ينصب عليها جهد المجتمع وقواه المثقفة والواعية بشكل خاص، هي إيجاد ثقافة وطنية عامة شاملة لكل الثقافات الثانوية التي يزخر بها المجتمع الجزائري بسبب تركيبته الاجتماعية المتنوعة، والنظر إليها على اعتبارها عناصر أساسية رافدة للثقافة الوطنية كقيمة ووعي وسلوك، التي ينبغي أن تقوم على أساس الولاء للوطن، واحترام حقوق وحريات المواطنين على حد سواء.
 الاهتمام بالثقافة الدائمة والمستمرة، من خلال التأكيد على أنه لم يعد هنالك تعليم يتم مرة واحدة في العمر والى الأبد، أو في سنين معينة، بل إن طلب العلم يجب أن يمتد طول الحياة، ومثل هذا المطلب يفرض نفسه في عالم متغير تتغير فيه بنية القيم والمهنة والأعمال تغير سريعاً، فلا بد أن يقابل ذلك إعداد مستمر وتجديد مستمر للثقافات في شتى المراحل.
 جعل التعليم الذاتي أساس الثقافة وجوهرها، ولا سيما بعد ذيوع التقنيات الإلكترونية الحديثة، بحيث أصبح في مقدور أي إنسان ومن واجبه أن يعلم نفسه بنفسه بشتى الوسائل.
 الاهتمام الخاص بتكوين المواقف والاتجاهات الملائمة لعصر العلم والثقافة، مثل القدرة على التعامل مع التقنية الحديثة، وامتلاك روح الخلق والإبداع، وامتلاك روح التنظيم والتخطيط والقدرة على التعامل مع المواقف الجديدة، والقدرة على التعامل مع الآخرين، وامتلاك القيم الملائمة لعصر الثقافة، مثل روح الحوار وروح المسؤولية اللتين يشير إليهما المفكران الألمانيان هابرماس - Hebermas- وهانس جوناس- Hance jonass.
كما أن القضاء على صراع المرجعيات الثقافية أو التخفيف منه يمكن النظر إليه من جانبين:
أولا من جانب التنشئة الاجتماعية من خلال عملية التربية والتعليم والإعلام التي تغرس في الناشئة مجموع القيم والمعايير السائدة في المجتمع مع التطلع إلى المستقبل والتغيرات الجديدة من زاوية محافظة توازن بين القديم والجديد، ومن خلال امتلاك القدرة على التمييز بين القيم الإيجابية والقيم السلبية التي تساهم في زعزعة النسق القيمي والاجتماعي، ولذلك لا بد من ضرورة إعادة النظر في جملة المفاهيم والقيم والأهداف المعرفية في ظل وجود خيارات قيمية وسلوكية جديدة.
ثانيا من جانب ترسيخ القيم الثقافية التغييرية التي توازن بشكل إيجابي بين متطلبات المجتمع وحاجات أفراده من خلال استيعاب طاقات الأجيال وتوجهاتها وميولها، مع ضرورة ترجيح القيم التي تعزز العقل وممارسة حرية الاختيار والإبداع، وكذلك في المشاركة في النشاطات السياسية والثقافية والفكرية و المشاركة في اتخاذ وصنع القرارات سواء على المستوى الأسري أو في مؤسسات المجتمع المختلفة.
إن علينا في الختام أن ندرك حقيقة أن قوة المجتمع تكمن في قوة مفكريه ومثقفيه وما يقدمونه من أفكار في حاضره وأن مستقبلنا سوف يعتمد على درجة استيعاب أبنائنا لثقافتنا وقيمنا المتجذرة لإعادة هيكلة وبناء وتجديد نظمنا الاجتماعية والاقتصادية، وهذا كله لا يأتي من فراغ و لا يتحقق بطريقة عشوائية، وإنما يأتي من خلال التمسك بسلم قيمي أصيل يساير التغيرات ويواكب عملية التطور العلمي والتكنولوجي.
المراجع
1- الكناني إبراهيم، ونعوم سهام سعيد: تقنين مقاييس التفضيل الشخصي على طلبة المرحلة الجامعية في بغداد ، مجلة آداب المستنصرية ، العدد (15)، العراق، 1987.
2- الدباغ رياض احمد: تنمية الجانب الأخلاقي والتربوي لدى طلبة الجامعة مجلة آداب المستنصرية، العدد 7، العراق 1989.
3- بلال حمدي عرابي وأمل حمدي دكاك: علم الاجتماع التربوي، منشورات جامعة دمشق، 2005-2006، ص 97.
4- بلال عرابي: القيم عند الشباب في المجتمع العربي المعاصر، مجلة دراسات استراتيجية، مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، جامعة دمشق، السنة الثالثة، العدد التاسع، صيف 2003، ص 168.
5- حامد عبد السلام وسري جلال محمد: القيم السائدة والقيم المرغوبة في سلوك الشباب، بحث ميداني في البيئتين المصرية والسعودية، المؤتمر الأول لعلم النفس، الجمعية المصرية للدراسات النفسية، القاهرة 1985
6- حامد عبد السلام زهران: علم النفس الاجتماعي، ط 5، عالم الكتب ، القاهرة، 1984
7- حليم بركات: المجتمع العربي المعاصر، دراسة استطلاعية ميدانية، مركز دراسات الوحدة العربية، 1985.
7- حسين محي الدين أحمد: القيم الخاصة لدى المبدعين، دار المعارف، القاهرة، ( 1981 )
8- سمير إبراهيم حسن: "ثقافة الشباب وصراع الأجيال في المشرق العربي المعاصر"، مجلة دراسات استراتيجية، مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، جامعة دمشق، السنة الثالثة، العدد التاسع، صيف 2003.
9- سليمان الديراني: ما بعد الحداثة: مجتمع جديد أم خطاب مستجد، الفكر العربي، العدد 78، خريف 1994.
10- سميرة أحمد السيد: علم الاجتماع التربية، ط1، دار الفكر التربوي، القاهرة، 1993
11- سهير كامل أحمد: أساليب تربية الطفل بين النظرية والتطبيق، مركز الإسكندرية للكتاب، مصر، 1999.
12- صلاح بسيوني رسلان: القيم في الإسلام بين الذاتية والموضوعية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، مصر، 1990.
13- عفاف محمد عبد المنعم: الإدمان، دراسة نفسية لأسبابه ونتائجه، دار المعرفة الجامعية، مصر، 2003.
14- غي روتشي: علم الاجتماع الأمريكي، ترجمة محمد الجوهري و أحمد زايد، ط1، دار المعارف، مصر، 1971.
15- عقل محمود: القيـم السلوكية لدى طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية قي دول الخليج العربية : الواقع – دليل المعلم: مكتب التربية العربي لدول الخليج، السعودية، 2001.
16- عبدالله انشراح، محمد دسوقي: الصورة المسقطة لمشكلات الشباب على اختيار (T.A.T.) وعلاقتها بخصائص الشخصية والقيم الاجتماعية، مجلة علم النفس ،العدد (24)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1992.
17- عبد العليم محمد: "دور المثقف في عالم متغير"، مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، السنة الثالثة، العدد 10 جامعة دمشق، خريف 1003، شتاء 2004.
18- كريم أبو حلاوة: ماذا يريد المجتمع من الشباب ومالذي يريده الشباب لأنفسهم، مجلة دراسات إستراتيجية، مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية، جامعة دمشق، السنة الثالثة، العدد التاسع، صيف 2003.
19- مبارك فتحي يوسف: القيم الاجتماعية اللازمة لتلاميذ الحلقة الثامنة من التعليم الأساسي ودور مناهج المواد الاجتماعية في تنميتها ، المجلة العربية للتربية ، المجلد (12) العدد (1)، 1992.
20- ممدوحة سلامة: تقدير الذات والضبط الوالدي للأبناء في نهاية المراهقة وبداية الرشد، دراسات نفسية، أكتوبر، 1991.
21- محمد أحمد بيومي: المجتمع، الثقافة و الشخصية، دار المعرفة الجامعية، مصر، 1986.
22- مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ط4، دار الفكر المعاصر، ودار الفكر، دمشق 2000.
23- مصطفى الولي: الهوية العربية والعولمة الثقافية، مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، السنة الثالثة، العدد 10، جامعة دمشق، خريف 2003، شتاء2004.
24- مهند نوح: الوطن العربي:" أزمة ثقافة أم مثقف"، مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، السنة الثالثة، العدد 10، جامعة دمشق، خريف 2003، شتاء2004، ص 195
25- محمد شامة: الشباب مرآة المجتمع، ط1، مكتبة وهبة، القاهرة، 2005، ص 53
26- يوسف القررضاوي: الثقافة العربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة، ط1، مكتبة وهبة، مصر 1994
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التغير القيمي وصراع المرجعيات الثقافية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التغير الاجتماعي في مركز قضاء الحويجة دراسة أنثروبولوجية اجتماعية
» أثر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي علي تشكيل النسق القيمي الأخلاقي للشباب السعودي – دراسة ميداني
» العولمة الثقافية
» بعض ملامح التغير في شكل الاسره الممتده في الريف المصري - دراسه ميدانيه باحدي القري المصريه
» ملامح وأوجه التغير في الأسرة المصرية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: منتدي نشر الابحاث والدراسات-
انتقل الى: