لقد أدى ظهور الحاسبات الآلية إلى تغيير شكل الحياة في العالم، وأصبح الاعتماد على وسائل تقنية المعلومات الحديثة يزداد يوماً بعد يوم، سواء في المؤسسات المالية، أو المرافق العامة، أو المجال التعليمي، أو الأمني أو غير ذلك، إلا أنه وإن كان للوسائل الإلكترونية الحديثة ما يصعب حصره من فوائد، فإن الوجه الآخر والمتمثل في الاستخدامات السيئة والضارة لهذه التقنيات الحديثة ومنها الإرهاب الإلكتروني الذي أصبح خطراً يهدد العالم بأسره، إن خطر الإرهاب الإلكتروني يكمن في سهولة استخدام هذا السلاح مع شدة أثره وضرره، فيقوم مستخدمه بعمله الإرهابي وهو في منزله، أو مكتبه، أو في مقهى، أو حتى في غرفته في أحد الفنادق.
ولعل ما يدفع إلى الاهتمام بهذا النوع من الإرهاب تلك الأخطار وأشكال الدمار الذي يسببه سواء للأفراد أو الجماعات أو الدول وهذا يقودنا إلى إلقاء الضوء حول مفهوم الإرهاب ولعل أفضل الرؤى من وجهة نظر الباحث لهذا المفهوم ما توصل إليه مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي فقد عرف الإرهاب بأنه: العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان ودينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق العامة والأملاك الخاصة أو الموارد الطبيعية، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها. (المجمع الفقهي، 1422، ص8)
لذا فالإرهاب الإلكتروني يعد أحد الأشكال وصور الإرهاب فلقد أصبح الإرهاب الإلكتروني هاجساً يخيف العالم الذي أصبح عرضة لهجمات الإرهابيين عبر الإنترنت الذين يمارسون نشاطهم التخريبي من أي مكان في العالم، وهذه المخاطر تتفاقم بمرور كل يوم، لأن التقنية الحديثة وحدها غير قادرة على حماية الناس من العمليات الإرهابية الإلكترونية والتي سببت أضراراً جسيمة على الأفراد والمنظمات والدول. ولقد سعت العديد من الدول إلى اتخاذ التدابير والاحترازات لمواجهة الإرهاب الإلكتروني، إلا أن هذه الجهود قليلة ولا تزال بحاجة إلى المزيد من هذه الجهود المبذولة لمواجهة هذا السلاح الخطير.
وتحاول هذه الأطروحة أن تقدم تحليلاً نظرياً للإرهاب الإلكتروني والذي يتناول في ثناياه مجموعة من القضايا التي ترتبط بالمفهوم والأبعاد والوسائل وبعض الاتجاهات النظرية مختتما العرض بصور التعامل مع الإرهاب الإلكتروني ومواجهته وأخيراً تحديات المواجهة في إطار العولمة الثقافية.