المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
اهلا بكم في المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية

علم الاجتماع- العلوم الاجتماعية- دراسات علم الاجتماع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
Like/Tweet/+1
المواضيع الأخيرة
» أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالخميس أبريل 29, 2021 10:43 pm من طرف زائر

» قارة آمال - الجريمة المعلوماتية
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالإثنين أبريل 26, 2021 5:37 pm من طرف ikramg

» معجم مصطلحات العلوم الإجتماعية انجليزي فرنسي عربي - الناشر: مكتبة لبنان - ناشرون -سنة النشر: 1982
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالخميس أبريل 22, 2021 2:24 pm من طرف Djamal tabakh

» سيكلوجية_المسنين
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:46 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» ممارسة خدمة الفرد مع حالات العنف الاسرى دعبد الناصر
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالإثنين أبريل 19, 2021 4:45 pm من طرف Mostafa4Ramadan

» جرائم نظم المعلومات
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالسبت أبريل 17, 2021 3:39 pm من طرف Djamal tabakh

» دور التعلم الإلكترونى فى بناء مجتمع المعرفة العربى "دراسة استشرافية"
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالسبت أبريل 17, 2021 2:54 pm من طرف Djamal tabakh

» أصــــــــــــــــــــــــول التربية
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالسبت أبريل 17, 2021 5:02 am من طرف Djamal tabakh

» نحو علم اجتماع نقدي
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 11:22 am من طرف ظاهر الجبوري

» د.جبرين الجبرين: الإرشاد الاجتماعي في المجتمع السعودي
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 4:25 am من طرف nahed

سحابة الكلمات الدلالية
كتاب البحث التغير موريس التخلف العمل الاجتماع العنف الجريمة المرحله الجماعات اساسيات الجوهري والاجتماعية المجتمعات تنمية في الخدمة الاجتماعي الالكترونية الاجتماعية التلاميذ الشباب المجتمع التنمية محمد
أحمد محمد صالح : أثنوغرافيا الأنترنيت وتداعياتها الإجتماعية والثقافية والسياسية
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالجمعة مارس 12, 2010 11:26 am من طرف nizaro

الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب ___online

أثنوغرافيا …


تعاليق: 93
جرائم نظم المعلومات
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالإثنين مارس 08, 2010 10:02 am من طرف فريق الادارة
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب ___online.pdf?rnd=0

ضع ردا …


تعاليق: 5
أصــــــــــــــــــــــــول التربية
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالأحد يناير 03, 2010 9:37 pm من طرف فريق الادارة

تهتم مادة (اصول التربية) بدراسة الاسس التاريخية …


تعاليق: 146
نحو علم اجتماع نقدي
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالسبت يوليو 24, 2010 2:02 am من طرف فريق الادارة

العياشي عنصر
نحو علم اجتماع نقدي






يعالج الكتاب …


تعاليق: 13
لأول مرة : جميع مؤلفات الدكتور محمد الجوهري - مقسمة علي ثلاث روابط مباشرة وسريعة
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالسبت أبريل 23, 2011 10:27 pm من طرف باحث اجتماعي
مدخل لعلم الأنسان المفاهيم الاساسية في …


تعاليق: 283
أصل الدين - فيورباخ
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالإثنين مارس 01, 2010 10:38 pm من طرف فريق الادارة



أصل الدين - فيورباخ

الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب …


تعاليق: 223
العنف في الحياه اليوميه في المجتمع المصري-احمد زايد
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالخميس يناير 14, 2010 10:27 am من طرف فريق الادارة
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب ______-_

[hide][url=http://www.4shared.com/file/196965593/6e90e600/______-_.html]…


تعاليق: 43
مبادئ علم الاجتماع - للمؤلف طلعت ابراهيم لطفي
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالثلاثاء ديسمبر 22, 2009 7:25 am من طرف فريق الادارة


مبادئ علم الاجتماع


إذا أعجبك الكتاب اضغط لايك في …


تعاليق: 264
نظرة في علم الاجتماع المعاصر - د. سلوى خطيب
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالسبت فبراير 06, 2010 11:31 am من طرف فريق الادارة
نظرة في علم الاجتماع المعاصر
د. سلوى خطيب

رابط التحميل


تعاليق: 39
التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالأربعاء مايو 26, 2010 4:14 am من طرف فريق الادارة

التدين الشعبي لفقراء الحضر في مصر

[img]…


تعاليق: 22

 

 الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
قیس خزاعل
عضو جديد
عضو جديد



التخصص : اللغة العربیة و آدابها
عدد المساهمات : 2
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 07/12/2011
العمر : 45

الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Empty
مُساهمةموضوع: الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب   الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب Emptyالجمعة ديسمبر 07, 2012 10:45 am

الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب
قيس خزاعل ( ماجستیر ؛ اللغة العربیة و آدابها؛ جامعة الأهواز؛ ایران)


الملخّص :

في مفهوم الرمزية الشخصية، إنما لدی السياب رموزٌ شخصية متفردة هوخالقها الذي يلقيها علی أذهاننا لنتفاعل معه من خلالها و نتأثر بها. ففي هذه الدراسة بيّنا أن للسياب المقدرة الکافية لکي يجعل من هذه الرموز الشخصية، رموزاً مشترکة ذات وقعٍ و تأثيرٍ في أعماق المتلقّي.
أما من بين الرموز الشخصية التي انفرد بها السياب ذکرنا رمز الموت و البعث الذي تردد في ديوانه کثيراً. و جيکور( مسقط رأس الشاعر) و بُوَيْب (النهر الذي ذکره السياب کثيراً فی ديوانه و هو يجري قرب منازل أهله و ذَوِيه) و المطر أو الماء، و وفيقة ابنة عم الشاعر و حبيبته التي تزوجت من غيره ثم ماتت في سنٍّ مبکر.
و القناع تقنيةٌ رمزيةُ أخری ، قد يستعير الشاعر بواسطتها شخصيةً ( تاريخية أو أدبية أو دينية) و يضفي عليها من ملامحه فيتّحدُ بها لتكون ناطقةً بلسانه، ومعبّرة عن حالهِ، وحاملة لمواقفه. و استطاع السياب أن يعبّر عن مشاعره الکامنة بواسطة هذا الفن فجعل من شخصية أيوب و تموز و المسيح و سيزيف أقنعةً في شعره ليبرز من خلالها تارةً يأسه و استياءه و ضجره من الدنيا و حيناً أمله بالشفاء و الخلاص و الإنبعاث من جديد.

الكلمات الدليلية: الشعر المعاصر، الرمز الشخصي، القناع ، السيّاب







المقدمة

تتناول هذه الدراسة موضوع الرمزية - و هی أحدی الأبعاد الشعرية- عند بدر شاکر السياب الشاعر الذي کان له دور أساسي في تعيين اتجاه الشعر في الخمسينيات و الستينيات في العراق والعالم العربي و الذي استطاع أن يخرج الشعرَ العربي من جموده المتوارث من العهود السابقة و يحرّره من قيد الاوزان الخليلية و القوالب القديمة، فيصبح الشعر العربي المعاصر بذلک مهيأ لقبول التقنيّات الادبية الجديدة و المعاني الحديثة.
بدرشاکرالسياب ، ألبس الشعر رداءً جديداً قد استلهمه مِن الشعراء الرمزيين في اروبا بعد ما تعرف علی آثارهم الأدبية من خلال قراءته وترجمته لأدبهم، ثم استطاع أن يطوّر هذا المذهب الرمزي علی طريقته الخاصة فابتکر رموزاً شخصيةً أو اتخذ أقنعةً شعريةً عبّر من خلالها عن أزمته و أزمة وطنه.
ففي مقال موجز سريع کهذا لا يستطيع المرء أن يحيط بکل الجوانب و الأصناف التي لها صلة بالرمزية في شعر السياب لکننا حاولنا أن نأتي بنماذج من شعره قد تلمح إلی تلک الرموز التي اُطلق عليها اسم « الرموز الشخصية»، من ثمّ تطرقنا في القسم الآخر من المقالة إلی جانب آخر من رمزية السياب ألا و هو موضوع القناع. أما الرمز الشخصي هو ذلک الرمز الذي ابتکره السياب ابتکاراً محضاً و جعل له مدلولاً ذاتياً عبّر به و من خلاله عن معاناته التي واجهها في الحياة. ثم استخدم الشاعر في ديوانه إلی جانب الرموز الشخصية و الرموز العامة (بابلية، اغريقية، مصرية و...) و النماذج العلياء کمحمد(ص) و المسيح(ع) ، تقنيّة القناع و هو إبداع شعري جديد و مهارة رمزية أخری قد ظهرت اولاً في شعر روّاد الرمزية في اوروبا.
في ايران کان الدکتور محمد رضا شفيعي کدکني اول من کتب عمّا يخصّ الرمزية في شعر السياب- حسب ما أعتقد- و قد أشار في کتابه( شعرِ معاصر عرب) إلی بعض رموز السياب العامة و الخاصة کـ« تمّوز و جيکور»، قائلاً : « جيکورُ القرية تتحوّل في شعر السياب الی جيکور «الأم» و ايضاً من جيکور الأم الی جيکور الأحلام، ثمّ يتحول هذا الرمزُ الی الفردوس الضائعة المنشودة ، ثمّ تصبح جيکور بمثابة الحضارة القروية التي تتقهقر مقابل تقدّم الحضارة الصناعية ..»(کدکنی،ص144) کما جاء فی مقالةٍ للدکتور محسن پيشوايي و عبد الخالق محسني عن «رمزية السياب و استدعاء الشخصيات القرآنية»:
« بما أنّ الرموز المنثورة في طيّاتِ أشعاره تعکس نظرته إلی المجتمع و الفرد و تُبلور جانباً من أفکاره و معتقداته فإنّ تحليل هذه الرموز و فکّ ألغازها، لاسيما تلک الشخصيات التي استدعاها من القرآن الکريم، سيساعد علی التعرف إلی شخصيته و الإلمام بآرائه وبنات أفکاره..» ( پيشوايي و محسني،ص21)کذلک کتب النقـّاد العرب بحوثاً و مقالات کثيرة في مجال الرمزية عند السياب، لکنّ الجديد في هذا البحث ربما يتلخّص في ترکيزنا حول موضوع الرموز الشخصية حيث قلّما اعتنی به أحد بشکل مُرکّزٍ من ذي قبل، فدراستنا تدور حول هذه الرموز المبتکرة و دلالتها في شعر السياب .

اولاً : الرموز الشخصية :
أ- رمز الموت و البعث :

رغم أنه يقال :« ليس بين الغرائز التي نملکها غريزة مستعدة للإعتقاد بالموت».(فرويد،ص37) لکن الإنسان لم يکد أن يخلو بنفسه حتی تغزو عقله فکرة ُ الموت وذلک العالم الغريب الذي يفتن العقول ويحيرها بغموض ماهيته ،ورغم أن بدرشاکرالسياب يقول في رسالته إلی عاصم الجندي : « لم أعد أخاف منه(الموت) .. أشعر أنّي عشت طويلاً. لقد رافقت جلغامش في مغامراته وصاحبت عوليس في ضياعه وعشت التاريخ العربي کله. ألايکفي هذا؟ » لکن هذه الکلمات قدتنبعث من يأسه الطويل وألمه الکبير.« وقد بدا في معظم قصائده کئيباً، متألماً ، محبطاً. و ربّما لو قيّض له أن يعيش مدّة أطول مع امّه وأبيه لتغيّر نمط حياته. مذ وعی ذاته ،و هو يحارب نظرات الناس إليه ، والفقر،و الإخفاق في الحب، حاول الوقوف ثانية والنضال، و لکن الشلل کان يتآکل قواه شيئاً فشيئاً ، فيتمنّی الموت للخلاص من الشقاء ، و العودة إلی امّه ». (بطرس،ص106) فلذلک عاش طول حياته يحلم بإيام الطفولة والعودة إلی صباه لأنه « يجد في الماضي عزاء عن الحاضر، بل هو يزخرف الماضي لأن في ذلک التمويه تعويضاً عن قسوة الحاضر».(عباس،ص71)
« فکثيراًً ما خضّب اليأس صرخاته الموجعة، و هو يهرب من جحيم الواقع إلی جهنّم خياله. غيرأنه، کان- کلما دنا الموت منه- يتشبث بالحياة أکثر، و يأسف لمرضه و ضعفه، و عجزه عن التمتع بلذاتها؛ ذلک أن موتنا هو بالفعل أمر لا يمکن تخيله. و کلما حاولنا أن نتخيله ندرک أنا في الواقع نعيش کمشاهدين ... و کل واحد منا – في اللاشعور- مقتنع بخلوده الشخصي. و هوعلی فراش الموت، يظلّ يأمل في استعادة صحّته، و في الهروب من قبضة القدر، علی الرّغم من استعجاله القضاء، لکي يتخلّص من ألمه و عذابه». (بطرس ، ص257)
موتٌ يجيءُ کأنّه سِنةٌ
و يمسّ آلامي فينهيها (الأعمال الکاملة،ص364)
لقد وجد نفسه وجهاً لوجه أمام شبح الموت، فتجاذبته عاطفتان متناقضتان: واحدة تشدّه إلی الحياة وإلی عائلته، وثانية تدعوه إلی لقاء امّه. و لم يکن يملک الخيار، و إن رجحت کفّة الأولی، لأن جسمه بات أوهی من أن يقاوم و لأن قواه العقلية وهنت هي أيضاً، و راح يغرق، من حين إلی آخر، في حمّی من الهذيان الممّض، الطالع من لاشعوره المظلم، مشبعاً بالقلق و الخوف. کان يخشی رحلة المجهول، لأنه أحب الحياة بکل حواسه، ومال إلی اللذات الجسديّة باکراً، محاولاً تقليد «بودلير» و «بايرون» و «الياس ابوشبکة» في شعره. و حطّم القبح شخصيّته، و المرض جسده، إلاأن ذلک زاد في توقّد أحاسيسه، و لاسيّما بعد ما عجز جنسيّاً. و من هنا کان تمسکه بالحياة حتی آخر رمق. (بطرس،ص257) و السياب بسبب تعرضه لتحولات مختلفة في نظرته الفکرية اصبحت لديه مواقف شعرية مختلفة أيضاً و هو في قصائده يصور نفسه- علی حدّ تعبير احسان عباس- « ميتاً يُبعث ، رامزاً بذلک إلی بعث الأمة العربية و ذلک هو ما غلب عليه في عهد اتجاهه القومي، و لعل قصيدته « في المغرب العربي » خير مثال علی ذلک، و فيها يتخيل أنه ميت – مع موت المجد العربي و الحضارة العربية - إلا أن هذا الموت، سيستفيق و لابد لأنه – لا يمکن أن يحيا دون الماضي فهما يَهبان معاً من القبر.
و من آجرّةٍ حمراء مائلة علی حفره
أضاءَ ملامحَ الأرض ِ
بلا ومض ِ
دمٌ فيها فسمّاها
لتأخذ منه معناها
لأعرف أنها أرضي
لأعرف أنها بعضي
لأعرف أنها ماضيَّ، لا أحياه لولاها
و أنّي ميتٌ لولاه، أمشي بين موتاها

و هذا البعث، يتغلغل أيضاً في ثنايا قصائده التي قالها و هو يشهد- مقاوماً- حرکة المد الشيوعي في العراق، فقد اعتمد فيها اللجوء إلی أسطورة أدونيس و عشتار، وکان يستمد من الأسطورتين و أمثالها شعوره بأن الخصب لابد أن يخلف الجدبَ، و أن التضحيات لن تذهب سدیً. (عباس،ص72)
و غالباً ما رأی في نفسه فادياً يضحّي بذاته في سبيل الآخرين، کأنما شاء تبرير موته الذي يستحيل حياة ، بعد القيامة، مستفيداً من صلب المسيح و موته و قيامته، عندالمسيحيين. أو قد يتماهی في تموز فيقتله الخنزيرالبرّي، و تولد جيکور من جرحه:
سينبتُ الإلهُ، فالشرائحُ الموزعّه
تجمّعتْ؟ تململتْ، سيولدُ الضياء
من رَحمٍ ينزّ بالدما
ء.
و هکذا، ظلّ الموت يلاحقه، و استمر هو يذکره و يستدعيه . ولم يطل انتظاره له، فجاءه بعد معاناة طويلة. و تحول قبره، في النهاية ،من مغارة يعشّش فيها العفن و الصّقيع، إلی رحمٍ طالما تلهّف للعودة اليه. (بطرس،ص258)
في قصيدة « النهر و الموت » بعدما يذکر ما يتمنی أن يفعله لولا وجود المرض. بعد ما يری صورة لنفسه و همومه تنعکس في « غابة من الدموع » في هذا النهر الحزين «کالمطر» و يعبر عن آلامه بتشبيه نفسه بهذا النهر الحزين- بويب، يودّ لو غرق في بويب و « أغتدي فيک مع الجزر إلی البحر » ثم يقول للنهر و ربما لنفسه:
فالموتُ عالمٌ غريبٌ يَفتن الصغار
و بابهُ الخفيُّ کان فيک، يا بويبْ (الاعمال الکاملة،ص245)
إذن الموت عالم غريب و هو بالنسبة للسياب « رمز للفناء» و العدم کما هو قد يکون « رمزاً للإنتصار» إذا اقترن بالثورة و کان في سبيلها:
أودّ ُلو غرقتُ في دمي إلی القرارْ
لأحملَ العبءَ مع البشر
و أبعثَ الحياة. إنَّ موتيَ انتصار!
(الاعمال الکاملة ،ص245)
لکن يريد الشاعر أن يبعث الحياة في من ؟ أفي نفسه أم في غيره ؟ «من الواضح أن بعثه للحياة في المكافحين ليس سوى أمنية يعرف أنها لا تتحقق، و لكنه، مع ذلك يصرُّ أن موته انتصار للمكافحين و الطبيعة و الأشياء كلها، انتصار للحياة التي تخونه لا لشيء إلا لأنه مسيح آخر و تموز آخر، و بعل آخر». (الغانمي،المجلة الإلکترونية)
و تقول « سلمی الخضراء الجيوسی» عن هذه القصيدة:
« کان الشاعر في قصيدة « النهر و الموت » يهدف إلی تغيير کيمياء الموت بأن يغرق المرء في دمه ليبعث الحياة من جديد، حيث تستضي ء بالنجوم والقمرمياه وأشجار مخضرة بالخصوبة والحياة.
يُضيءُ فيها خُضرةَ المياهِ و الشجر
ماتنضحُ النجومُ و القمر
لکن النهر کذلک باب نحو الموت :
فالموتُ عالمٌ غريبٌ يَفتنُ الصغار
و بابهُ الخفيُّ کان فيک، يا بويبْ
و هو يحمل کذلک إمکانات الموت و الحياة التي تصدر منه:
أودّ لو غرقتُ فيک، ألقط المحار/ أشيد منه دار
(الجيوسي،ص800)
ألا و هو شبح الموت، الفكرة التي كان الشاعرشديد الصلة بها، فهو يذكر الموتَ كما يذكر و يصف حالة القبر في شعره. کأنما الموت و ظلام القبر يسكنان بداخله دوماً، فالموت أصبح رمزاً شخصياً للسياب، رمزاً في حالة اليأس و الفشل و رمزاً في حالة الأمل و الإنتصار. کما أنه في قصيدة «في ليالي الخريف» يأتي بمعناه السلبي بعدما يتذّمر من الملال و الأسى و يبكى و ينتحب كالسجين فيقول:
في ليالي الخريفِ الطوال؛
آه لو تعلمينْ
كيف يَطغی عليّ الأسى و الملال؟!
في ضلوعي ظلامُ القبور السجين،
في ضلوعي يصبح الردى
بالتراب الذي كان أمي: "غدا
سوف يأتي. فلا تقلقي بالنحيب
عالمُ الموت حيث السكون الرهيب!
سوف أمضي كماجئتُ واحسرتاه !
(الاعمال الکاملة ،ص66)
***

ب- جيکور

على امتداد اروند رود إلى الجنوب الشرقي من البصرة، و على مسافة تقطعها السيارة في خمس و أربعين دقيقة تقع أبوالخصيب التي تمثل مركز قضاء تابع للواء البصرة. و علی مقربة من أبي الخصيب إلی الجنوب الشرقي تقع قرية مغمورة تدعی جيکور قدّر لها أن تصبح ذات شهرة في الأوساط الأدبية العربية؛ لأن شاعراً هو بدرشاکرالسياب ولد فيهاسنة 1926 و أغرم بحبها.
عند الخمسينيات کثُرَ استخدام الصور الرمزية من قِبل السياب، فقد کان يرمز إلی قوی الخير و الحياة و الخصب برموز کالمطر و النور و الشقائق و خاصة النهر- بويب- و قريته جيکور. کما کان يرمز إلی قوی الشر و الموت و الجدب بالنار و الذهب و الصخر و الظلام و المدينة. و کان السياب کلما اشتدت عليه صعوبات الحياة ، هرب إلی حصنه في جيکور، کما يتراجع الحلزون إلی داخل قوقعته، عندما يشعر بالخطر الخارجي. رأی أنه غريب في دنيا من الحجر، يتول الحب و العطف، فيرجع خائباً:
يا غربة الروح في دنيا من الحجَرِ
و الثلج و القار و الفولاذ و الضجرِ
يا غربة الروح.. لا شمسٌ فأئتلقُ
فيها و لا أفُقُ
يطير فيه خيالي ساعةَ السحر
(الاعمال الکاملة ، ص341)
و لما کانت المدينة تجسّد التصنيع الرأسمالي و الإستغلال، فإن بدراً لم يحبّها. و ظلت قريته جيکور ترمز في مفهومه إلی المکان الأمثل الذي تسوده علاقات بشرية مُثلی. لکن جيکور هذه کانت تعيش في ظل الخوف و الموت إزاء الحروب. و في قصيدة بعنوان « مرثية جيکور » نشرتها مجلة « الآداب» في عدد نيسان 1955يعبّر بدر عن خيبة أمله في الإنسان ذي النوايا الشريرة تجاه إخوته من البشر. و تصبح جيکور رمزاً لافقط للشعوب المحبة للسلام، بل بصورة خاصة، للشعوب النامية في آسيا و إفريقيا التي تعيش تحت رحمة الغرب الذي يدعي المسيحية و لکنه يخونها خيانة فاضحة.(بلاطة، بدرشاکر السياب، حياته وشعره، ص110)
إن بدراً في تموزياته يمزج في الواقع بين اسطورتين، الأسطورة البابلية المعروفة و الأسطورة الجديدة التي راح هو يبتدعها- اسطورة جيکور. والصلة بين الأثنتين مباشرة و وثيقة لأن کلتيهما لديه هي أسطورة الماء و الخصب و تخطي الموت. و الشاعر في هذه التموزيات الجيکورية شخصية مأساوية تتکلم بصوت هو في الغالب اکثر من صوت البطل بمفرده: إنه صوت المدينة، و صوت الأمة. هذا القناع الجديد ييسِّرله تصعيداً للغضب و الإحتجاج- و تصعيداً کذلک للتفجّع، لأن جزءاً من احتجاج بدر، في شعره کله، هو هذا التفجّع الذي ربما کان بعضه من فيض البکاء الشعري علی الحسين (ع). هذا هو الذي لانجد له مثيلاً في الدفق والغنی خارج العراق. (جبرا، ص 52)
و في قصيدة « العودة لجيکور » ينظر بدر في الآفاق بحثاً عن الکوکب الذي يعلن ميلاد الخلاص. و يسري علی جواد الحلم الأشهب من المدينة إلی جيکور ليقدم طعامه للجياع و دموعه للبائسين و دعاءه لأن يقذف البرکان نيرانه و يرسل الفرات طوفانه. و يقدّم نفسه ليتوّج بالشوک و يصلب، و يدعو الطيور و النمل لتولم من جرحه. عندما يعود لجيکور ماضيها البهيج يصيح الديک فيضمحلّ الحلم أمام عينيه الدامعتين، وينهي القصيدة بقوله:
جيکورُ، نامي في الظلام السنين. (أيضاً، ص150)
إن جيکور نموذج أعلی يمثل البراءة و السعادة. و يتضح تأثير « مدينة الوهم » في قصيدة إليوت « الأرض اليباب » في کراهية السياب المدينة التجارية، رغم أن ذلک لايخدم سوی توکيد أحاسيس الشاعر الأصيلة نحو حياة المدينة. و يجب أن نذکر أن القری العربية کانت قد استفاقت علی الحياة المعاصرة و بدأت بإرسال أبنائها إلی العواصم و المدن طلباً للعلم أحياناً، و غالباً من أجل اکتساب الرزق، و أن السياب، قد شعر بمصاعب الحياة و لا إنسانيتها في المدينة. ولم يفقد السياب قط حنينة نحو جيکور و بساطة حياتها. و في النهاية أفلحت جيکور في أن تغدو رمزاً مقبولاً مفهوماً علی الفور في شعره، و إليه کان يشير غالباً:
أين جيکور؟ جيکور ديوان شعري،
موعد بين ألواح نعشي و قبري. (الجيوسی، ص 801)
في تموز1961 کتب قصيدة عنوانها « أمّ البروم ». وقد أوحت فکرة القصيدة نفسها إليه إذ رأی مقبرة أمّ البروم تصبح جزءاً من مدينة البصرة النامية المتوسعة. فحيث کان الموتي يرقدون في صمت يطمون بماضيهم و ينتظرون موعد الربّ، تضجّ المدينة الآن برنين النقود و ضوضاء السيارات و المسافرين و صخب الملاهي الليلية و المقاهي و الحانات. فقد قلّعت المدينة عيون الأموات و عصّرت النهود الدفينة و مزّقتها بالعجلات و الرقصات و رکلتها- ثم تثاءبت و کأن المدينة لم يکن لديها ما يکفيها من لحم الأحياء لتعرکه، فعمدت إلی ضلوع الأموات تلوکها ثم تقيئها للريح. و حيث کان السلام سائداً، جاءت المدينة بالدلال يطالب بأتعابه، و جاءت بالسکاری و البغايا يقهقهون، و جاءت بکل خصومات البشر التافهة و شرورهم. (بلاطة،بدرشاکر السياب، حياته وشعره، ص 162)
ج- بويب
تتخلل غابات النخيل المحيطة بالقرية (جيکور) جداول أو انهار فوقها معابر صغيرة من جذوع النخل. و حين يرفع المدُّ مستوی اروند رود تمتلیء هذه الجداول أو الأنهار بمائه ثم لا تلبث عند الجَزر أن يجري ماؤها عائدا ًإليه. و هي أجمل مشاهد القرية، و لا يُضاهيها إلا جاذبيةُ اروند رود نفسه.
و من هذه الجداول أو الأنهار واحد اسمه «بويب» عرضه متران و هو يستمد ماؤه من جدول أکبرمنه يدعی«جيکور». و يمر«بويب» هذا في قطاع من القرية اسمه «بقيع» حيث منازل عائلة السياب وأراضيها. (أيضاً،ص18)لقد خلّد السيابُ هذا الجدولَ في ديوانه کما حوّله إلی رمزٍ من رموزه الشخصية، يُعبر به عن الخصب و الحياة. فبويب أصبح جزءاً من نظام السياب الترميزي الموحي بالخصب، رمزاً شخصياً يضعه الشاعر في نقطة تقابل کل ما يوحي الجدب و العدم.
« بويب / النهر يحمل وجْهَي الموت و الحياة، فالانبثاق منه حياة، و الدخول فيه حركة الحياة في اتجاه معكوس، عودة إلى الأصل، إلى المنبع، و الأساطير و الشخوص الدينية تؤكدان هذا الوجه المزدوج للنهر: الحياة و الموت، النبي يونس (أو يونان) الخارج من بطن الحوت، كذلك خروج النبي يوسف من الجب الذي ألقوه فيه إخوته، و ما حدث مع النبي موسى عندما ألقته أمه في الماء، علّها بذلك تجنبه عقاب فرعون، هذه المشاهد تجسد الرحلة من الموت إلى الحياة الجديدة. و لا شك، هذا الحشد من الرموز الدينية يحضر، عندما يتلمس النص الشعري رحلة الموت/ الحياة، و يحضر بقوة و بتوسع عندما يضيف النص إلى هذه الرحلة عنصر الماء، جذر كل شيء حي على هذه الأرض ». (کامل فرحان صالح،المجلة الإلکترونية)
في قصيدة " مرحی غيلان " يمثل بويب ذلک الرمز الذي يحمل الخصوبة و النمو إلی الأرض أو کما يقول السياب؛ « لکلِّ أعراقِ النخيلِ » حيث يصبح الشاعر نفسه « بعل » فيذوب و يتدفّق مع بويب ليهبَ الحياة للدنيا و ينثّ روحه في ورق الأشجار و ثمارها :
أنا في قرار بويب أرقد، في فراش من رماله
من طينه المعطور، والدم من عروقي في زلاله
ينثال کي يهبَ الحياة لکل أعراق النخيلِ.
أنا بعل: أخطر في الجليلِ...
علی المياه، أنثُّ في الورقات روحي و الثمارِ
و الماء يهمس بالخرير، يصل حولي بالمحارِ
و أنا بويب أذوب في فرحي و أرقد في قراري.( الاعمال الکاملة، ص185)
کتب السياب هذه القصيدة بعد ولادة ابنه " غيلان" حين شعر أنه قد تخلّد به شخصياً و جسدياً، فرأی السياب في ابنه عراقاً خصباً و جيکوراً مزدهرة. لذلک کأنه يسيل مع الماء في بويب ليمنح الحياة للنخيل.
***

د- الماء (المطر)

« الماء تطهير و شرط للخصب، ألم يطهر الله الأرضَ بالطوفان؟، ويخلق من الماء كل شيء حي؟ و عندما لا تمطر السماء، ألا يقيم المسلمون "صلاة الاستسقاء" تضرعًا لله تعالى، و ذلك كي يغيث الأرض و العباد؟ و عندما يصعد المؤمن إلى السماء، ألا يسكن في جنة تجري من تحتها الأنهار؟ و ألم يقدم السيد المسيح الماء إلى تلامذته، قائلاً: "اشربوا هذا دمي".. و مشى فوق الماء.. و تعمّد بالماء؟ و حوّل الماء إلى خمر في عرس الجليل، و كانت هذه أولى معجزاته؟
لذا يُعتبر الماء من العناصر المقدسة في الأديان و بخاصة عند المسيحيين، إذ ليس يقدر أحد الدخول ملكوت السموات ما لم يولد من الماء والروح . من هنا كانت المعمودية بالماء بمثابة العودة إلى رحم الأم ليولد المؤمن من جديد. و يقول السيد المسيح: من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا له، فلن يعطش أبدًا، فإن الماء الذي أعطيه له ينقلب فيه نبعًا يتفجر حياة أبدية. كما ارتبط رمز الماء بمريم العذراء في صلوات الكنيسة: إفرحي يا ينبوع الماء الحي الذي لا يفرغ ». (صالح، نفس الموقع)
و ربما بدر شاکر السياب کان أکثر من استخدم رمز الماء (المطر) في شعره و قد أشرنا مسبقاً إلی أنه کان بحکم موقعه الزمني يحتاج إلی رموز الخصب و الإنبعاث، والمطر هو أحد تلک الرموز الموحية بالحياة و الأمل. و لذا کان تعامل السياب مع المطر تعاملاً يسمو به من کونه أحد العناصر الطبيعة إلی کونه رمزاً سحرياً يدل علی العطاء و الحياة و الأمل و المستقبل الذي يتخيله و يتمناه. «فهو لا يعني بالمطر إلا بوصفه رمزاً ذا أصول أسطورية قديمة، حاول السياب الإفادة من رمزيته حين جعلها تؤدي أغراضاً متعددة ». (الخالدي، ص145)
علاقة السياب بالماء علاقة حياة و أمل و ثروة للمقهورين وثورة ضد الظلم والتحرر من السلطة المستبدة. من هنا تمكن السياب إعطاء معان جديدة و فضاءات مفتوحة للآية القرآنية: « و جعلنا من الماء كل شيء حي» و لطقس المعمودية عند المسيحيين، فاتسعت دلالة الماء و أبعاده، ليلمس في شعر السياب حلم الأرض و الإنسان و السماء، و الولادة الجديدة معاً. (صالح، نفس الموقع)
فصار الماء أو المطر _ و ما يتصل به من عناصر تشير إلی وجوده أثناء القصيدة _ الرمز الکثير التکرار في بعض دواوين السياب « إذ قلما لا نجد الماء و عناصره في شعره. و بتأمل عناوين قصائده، يجد المرء في ديوانه أزهار و أساطير: قصيدة "أقداح و أحلام"؛ و القدح إشارة إلى الخمر( الماء)، و قصيدة "نهر العذارى" و في ديوانه "المعبد الغريق" يبرز رمز الماء منذ البداية: الغريق، و الغرق يكون عادة في الماء، و قصيدة "الغيمة الغريبة" و"يا نهر" و"صياح البط البري" و البط من الحيوانات المائية. و في ديوان منزل الأقنان، قصيدة "هدير البحر و الأشواق" و"أسمعه يبكي". و في ديوانه أنشودة المطر، أكثر دواوينه "مائية"، تأتي قصيدة أنشودة المطر - عنوان المجموعة - أبرز قصائد السياب، و أشهرها ارتباطًا برمز الماء و تحولاته و عناصره، ثم القصائد: "غريب على الخليج"، و الخليج من قاموس الماء، و قصيدة "قارئ الدم" و"النهر والموت" و"مدينة بلا مطر" و قصيدة "بور سعيد" و هي مدينة مصرية ساحلية.
يلاحظ، أن تدفق استخدام رمز الماء، و عناصره، و إشاراته، و تحولاته في عناوين قصائد السياب بدأت قليلة، ثم توسعت إلى أن شحت في ديوانه الأخير "شناشيل ابنة الجلبي" و "إقبال"، حيث غاب رمز الماء كليًّا عن عناوين قصائده، و لعل ذلك يرمز بشكل أو بآخر، إلى النهاية – الموت ». (صالح، نفس الموقع)
إن المطر(الماء) في رائعة السياب- إنشودة المطر- هو الرمز و الصورة المحورية التي تدور حولها الرموز الأخری - کإشارة السياب ضمنياً إلی تموز و عشتار في سياق الرموز الموحية إلی الخصب و الإنبعاث. ثم هناک يوجد تناقض « يصوّره السياب لا بين جدب الأرض و هطول المطر، بل بين خصوبة الأرض التي روّاها المطر و جدب الروح البشرية »:
و منذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
و يهطل المطر ،
و كلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ و العراق ليس فيه جوعْ . (الاعمال الکاملة ، ص256)
هنا نجد المطر الذي هو باعث للحياة يهطل علی وادٍ خصيبٍ يعشب من المطر لکنه يمتلئ بالجياع أيضاً. و ثمة تشابه آخر يقام بين االمطر و ماء الخليج المالح :
و ينثر الخليج من هِباته الكثارْ ،
على الرمال ، : رغوَهُ الأُجاجَ ، و المحار
و ما تبقّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجَّة الخليج و القرار ، (أيضاً، ص257)
هذه نهاية مأساوية، نتيجتها الموت و البعث. فمِثل الغريق الذي يشرب ماء الخليج المالح، تشرب أم الشاعر الميتة ماء المطر في قبرها. ما الفرق إذاً بين المطر باعث الحياة و بين الماء المالح؟ لا فرق الآن. لکن المستقبل خصيب بالأمل :
أكادُ أسمعَ العراقَ يذْخرُ الرعودْ
و يخزن البروق في السّهول و الجبالْ ،
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ. (أيضاً، ص255)
و ثمة تشابه جميل آخر يجري بين قطرات المطر و دموع الجياع و العراة، و قطرات دم المضطهدين:
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ .
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد. (أيضاً، ص256)
کذلک فإن تکرار لفظة« مطر» في هذه القصيدة ثلاث مرات أو أربع مرات متوالية في ثمانية مواضع منها، قد يجعل الصبغة الرمزية للماء تسيطر علی النص لتوحي بمفهوم الإنبعاث و التجدد الدائم.
أما المستقبل المتخَيَّل القادم، عند السياب فهو رحب متسع أخضر، و في العراق الذي « يذْخرُ الرعود و يخزن البروق» - وهي من لوازم المطر(الثورة)- سوف تأتي الثورة و يحدث التغيير، وتنمو حياة جديدة « في عالم الغد الفتي». ثم و في نهاية القصيدة يقول السياب متفائلاً بمجيء «المطر» إلی العراق: و يهطُلُ المطر.

هـ- وفيقة :

« كانت وفيقة هذه من قريباته الجميلات في جيكور. و كان في طور مراهقته يتصورها حبيبة له و رفيقة لحياته فإذ كان يرى فيها شبهاً عظيماً بوالدته، لكنها تزوجت من غيره ثم ماتت في سن أمه وخلفت وراءها طفلة وبيد أن صورتها كمثال أعلى ظلت عالقة بذهنه، و نظم فيها قصائد منها "شباك وفيقة" و "حدائق وفيقة" كلها نزوع إلى مثال أعلى مفقود.» (بلاطة، صخر وحفنة من تراب، ص34-35)
کانت للسياب رغبة في الإجتماع بوفيقة في عالم الموت :
و أنت في القرار من بحارک العميقه
أغوص لا أمسّها، تصکّني الصخور،
تقطّع العروقَ في يديَّ، أستغيث: " آه يا وفيقه
يا أقرب الوری إليَّ أنت يا رفيقه
للدود و الظلام".
«کانت تختلط هذه الرغبة بشبقه الشديد من ناحية، و عجزه الجنسي المتزايد من ناحية أخری. لقد أصبحت الحياة صحراء باردة بالنسبة له و أصبح الحب سراباً. و کانت علاقته الزوجية تزداد فتوراً فلاحت له وفيقة الاُمنية المثالية التي تخلصه و کانت قد توفيت قبل عشر سنوات لکنها ما فتئت المثال الحي في ذهنه». (بلاطه، بدر شاکر السياب، حياته و شعره، ص172)
و هکذا تتضح شيئاً فشيئاً القيمة الرمزية الهائلة التي جعلها بدر في وفيقة، علی الأرجح دونما وعي منه، ليعبر عن آلامه في فترة من حياته ربما کانت حتی تلک الآونة أشد الفترات ظلاماً نفسياً و إحساساً بالخيبة و توقاً إلی الخلاص.(جبرا، ص 59)
« و في نيسان 1961، زار مسقط رأسه جيکور، فعاد إليه حشدٌ من ذکريات الماضي إذ وقف في ساحة القرية. و أثار شباک وفيقة الأزرق أعمق مشاعره و هو ينفتح أمامه علی ساحة القرية الخالية. و کانت وفيقة قد توفيت قبل حوالي عشر سنوات، و لکنها کانت لاتزال حية فی قلبه مثالاً أعلی لايُنال. ولم يذکّره شباکها الأزرق بآماله الخائبة فقط، بل ذکّره أيضاً بفناء الحياة نفسها. فکتب قصيدة فی قسمين عنوانها « شباک وفيقة». و کانت هذه هی المرة الأولی التی يذکر فيها اسم وفيقة في شعره. کان شباکها يبدو کأنه ينتظر أعجوبة، مثل الجليل تنتظر مشية يسوع. کان شباکها مثل إيکار الهارب من المتاهة ليقترب من الشمس محلّقاً بلا خوف ثم يسقط فی قبره البحري. تذکر بدر کيف کان شباکها هو الصخرة التي عرج منها قلبه إلی سماء الحب، و لکنه شعر الآن أنه مثل « عوليس » العائد إلی بيته شيخاً أبيض الشعر. هناک شبابيک مثله محبوبة في لبنان و الهند و اليابان مازالت تحلم بأمل، بينما وفيقة تحلم في قبرها، و شباکها مثل جناحَی إيکار احترقتْ ألواحه إلی الأبد. تمنی بدر لو انشق الشباک الأزرق عن وجهها کما انشق المحار عن عشتروت فسارت من الرغو إلی الشاطئ. و لکن وفيقة لم تحقق أمنيتة، فشعر کأنه طائر عبر البحر و طاف بشباکها الأزرق متعباً يريد التجاء فلم تفتح له.کان بدر يريد أن يعيش في الماضي لا يموت مادامت ذکراه حيةً في الذهن:
شفاهُکِ عندی ألذّ الشِفاه
و ماضيکِ من حاضري أجملُ:
هو المستحيلُ الذي يُذهلُ ،
هو الکاملُ المنتهي لا يريد
و لايُشتهي إنه الأکملُ،
ففي خاطري منه ظلّ مديد
و في حاضري منه مستقبلُ
.(بلاطه، بدرشاکرالسياب(حياته و شعره) ص160-161)
فشباک وفيقة، هو بالنسبة للسياب بمثابة حبلٍ يشدّ حياته إلی الموت( الماضي) حتی لا تفنی هذه الحياة التي أصبحت في هذه الفترة و کأنها تريد أن تودّع الشاعر. و أحياناً يوحّد السياب بين " وفيقة " و بين عشتار، ثم يجعل نفسه مکان تموز، لکنه في هذه الحالة يقلب الصورة الأولية لأسطورة تموز حيث « يلعب هو فيها دور عشتار، فينزل إلی عالم الظلام حيث وفيقة تنتظره انتظار تموز لحبيبته ».(جبرا، ص54)

« و حين التقى "بلوك نوران" و وعدته بزيارة العراق، أحس أن وفيقة انبعثت من قبرها لما رأى عليه الآنسة لوك من مثالية». فأشار بانبعاث وفيقة من القبر إلی هذا الأمل برجوع السعادة و الحياة لأنه وجد فيها تجسيداً لوفيقه و بالتالي حبه المثالي:
لو صحَّ وعدُكِ يا صديقة
لو صحَّ وعدُكِ.. آه لأنبعثت وفيقة
من قبرها، و لعاد عمري في السنين إلى الوراء »(بلاطة ، صخر وحفنة من تراب، ص35)
وفيقة و أيضاً هالة – الفتاة الراعية التي أحبها السياب في طفولته- عند السياب بمثابة رمزٍ لـ« السنين الخضر » و للأيام السعيدة المنصرمة، يقول في قصيدته «جيکور أمي»:
آه لو أن السنين الخضرَ عادت، يوم کنّا
لم نَزِل بعدُ فتيَّين لقبّلتُ ثُلاثاً أو رُباعاً
وجنتَيْ (هالة) و الشعر الذي نشَّر أمواج الظلام
في سيولٍ من العطور التي تحمل نفسي إلی بحارٍ عميقه
و لقبّلتُ، برغم الموت، ثغراً من وفيقه ( الاعمال الکاملة، ص324)
فهو بواسطة هذه التلميحات و الرموز الشخصية، يستحضر الماضي و عهد الصبی الذي يجده سعيداً بالنسبة إلی حاضره المرير، ليهرب من واقعه و يخفّف من آلامه. لکنه في نهاية القصيدة يعود إلی الحاضر و يطلب من الذکريات أن تقرَّ و تنام:
آه لکنَّ الصِّبی ولَّی و ضاع؛
الصبی و الزمانُ لن يرجعا بعدُ،
فقرّي يا ذکريات و نامي.
(أيضاً، ص341)
و حين ذهب إلی لندن من أجل العلاج الذي لم يحصل عليه أبداً، تذکر وفيقة و ذکر کيف أن زواجها من شخصٍ آخر بعثر و واری أيامه الخضراء، في قصيدته "أم کلثوم و الذکری" يقول بعد ما يتصوّر أنه يشرب صوت الفنانة "أم کلثوم":
و أشربُ صوتَها.. فکأنَّ زورقَ زفَّةٍ و أنينَ مزمارِ
تجاوبُه الدرابکُ، يعبرانِ الروحَ في شفقٍ من النارِ
يلوح عليه ظلُ وفيقة الفرعاء أسودَ يزفر الآها
سحائبُ من عطورٍ، من لحونٍ دون أوتارِ.
(أيضاً، ص343)
فهذه الزفّة و" الدرابک" و " أنين المزمار" کلها تُکوّنُ ذکری زواج وفيقة الأليمة في خاطر السياب. ثمّ يتحسر علی السعادة التي فاتته اثر هذا الحدث و يتمنی لو کانت ألحان العُرس أصوات قرع المعاول و هي تحفر قبره :
... أوّاها
علی أيامي الخضراء بعثرها و واراها
زواجٌ. ليت لحن العُرس کان غناء حفّارِ
و قرعاً للمعاول و هي تحفر قبريَ المرکومِ منه القاعُ بالطين.( أيضاً، ص343)

ثانياً: الأقنعة

القناع لغةً : هو ما يستعمل لتغطية الوجه، أو الرأس أو كليهما معا. (ابن منظور، ص204) و هو في الاصطلاح الأدبي : « تقنية مستعارة من الأداء الدرامي، تقوم على استعارة شخصية يتّحد بها الشاعر لتكون ناطقةً بلسانه، ومعبرة عن حالهِ، وحاملة لمواقفه. والشاعر يضفي على هذه الشخصية من ملامحه، ويستعير من ملامحها، لينتج من ذلك (القناع) الذي هو ليس الشخصية، ولا الشاعر، إنما هو الشاعر والشخصية معاً». (المديهش،المجلة الإلکترونية)
« والقناع أحد أشكال الرمز، التي تشترط التحاماً بالمبدع، فالأديب، يرمز في شعره إلى الذات و إلى الموضوع؛ فقد يقصد بالرمز ذاته، و قد يقصد الموجودات والأحداث و الكائنات حوله، أما القناع فهو وسيلة فنية للتعبير عن الذات فقط، ومثلما هو المعنى الحسي للقناع الذي يتستر خلفه الوجه الحقيقي للإنسان، فكذلك القناع الأدبي؛ صورة ظاهرية تتخفّى تحتها ذات الشاعر».(أيضاً، الموقع السابق) و القناع تقنية أدبية « تمنح الشاعر مجالاً للتعبير، ليفصح عن أفکاره علی نحو فني يُبعد القصيدة عن المباشرة و السطحية و ينأی بالشاعر عن أن يکون عرضة للأذی و الملاحقة ». (حداد، ص76) لکن القناع ليس مجرد صوت يأتي به الشاعر، أو مجرد غطاء يتستر به خوفاً من السلطات، « و انما هو نتاج علاقة تفاعلية بين قطبين: «أنا» الشاعر، و « اناهُ » المغاير ( الواحد او المتعدد) تتم في اطار تجربة رؤيا داخلية يحكمها ديالكتيك تماهٍ يتمظهر في ديالكتيك تناص يتجاوب معه و يوازيه». (ناصر، المجلة الإلکترونية )
و يأتي القناع في شعر السياب علی شکلين: القناع البسيط و القناع المرکّب، أما في القناع البسيط يعتمد الشاعر علی شخصية رمزية واحدة مفردة فيسقط تجربته المعاصرة بجميع هواجسها و آلامها عليها و يحصل ذلک بعد تقمص تلک الشخصية الرمزية لفترة ما. فيتحد أنا الشاعر بـ«أنا » شخصية الغير التي هي مفردة واحدة.
إن ما يميز الشخصية في القناع البسيط « کونها شخصية خالصة، تتفرد بصياغة التجربة الشعرية و تمثُّل بؤرتها، إذ تغدو رمزاً مقنّعاً يروي و يتحرک و ينجز کامل مکونات القصيدة، و هو في هذا کله، يتطابق مع المبدع موافقة أو مخالفة». (الصکر، ص 226) نستطيع أن نعتبر قصائد « سفر أيوب » و « تموز جيکور» و خاصة « المسيح بعد الصلب » للسياب، من ضمن الأقنعة البسيطة.
أما في القناع المرکب، قد يلجأ الشاعر إلی توظيف أکثر من شخصية في تجربة شعرية واحدة، « إذ يحدث تجاذب من نوع ما بين الشخصيات، و تسعی مکونات کل منها إلی الهيمنة علی النص، و عندها يقف المتلقي حائراً متردداً في إسناد الضمائر، ونسبة الأقوال و الأفعال، و يکون – عندها – إزاء قناع مرکب». (کندي، ص 202)
تقدم " تقنية القناع المرکب " تسلسلاً غلافياً مضاعفاً، فلا يکتفي الشاعر بوجود صوته و صوت قناعه، بل يقتنع بصوت آخر، لايشترط فيه مطابقة الشخصية المقصودة، ليصل من خلاله إلی قناعه المقصود. (الصکر، ص 226) فيضفي، عن طريق تغليف القناع، مزيداً من التداخل و الغموض علی أجواء القصيدة و شخصياتها، و هو ما يدل علی نضج " تقنية القناع" و تطورها. و عمق التجربة و تعقدها، من جهة، وشدة التوتر الذي يعانيه المبدع من جهة ثانية. (کندي، ص 202)
قصيدة « رسالة من مقبرة » لبدر شاکر السياب، خير مثال لهذا النمط المرکب من القناع.

المسيح ( القناع البسيط)

إن قصيدة « المسيح بعد الصلب » قد تُعدّ من « أوائل القصائد المؤسسة علی تقنية القناع ».(أيضاً،ص185) لقد استدعی السياب في هذه القصيدة، شخصية المسيح (ع) فوظف حادثة صلبه- کما يعتقد أتباعه- و صوّر بعثه و قيامه من جديد، ليری قاتليه و مدينته و يهوذا الخائن. فأن الشاعر في المقطع الأول من القصيدة – التي تتألف من سبعة مقاطع- يصوّر لنا نهاية عملية الصلب، ويتکلم عن لسان المسيح(ع) مرتدياً قناعه:

بعد ما أنزلوني، سمعتُ الرياحْ
في نَواحٍ طويل تسفّ النخيل،
و الخُطی وهي تنأی. إذن فالجراحْ
و الصليب الذي سمّروني عليه طَوالَ الأصيلْ
لم تُمتني. و أنصتُّ کان العويلْ
يعبر السهلَ بيني و بين المدينهْ
(الاعمال الکاملة، ص246)

« فالسياب يتخذ من شخصية السيد المسيح(ع) رمزاً وقناعاً يعبر به و من خلاله، عما لحقه هو من أذی و آلام و عذاب، و يشي - في الوقت نفسه – بالأمل الکبير الذي ظلّ يحمله، حتی آخر حياته، في أن تحدث معجزة کبری، کقيامة المسيح بعد موته، تعيد إلی السياب حياته و حيويته، « إذن فالجراح، والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل، لم تُمتني » لذلک « سمعت الرياح، في نواح طويل، تسفّ النخيل».(کندي، ص188) نری ايضاً في هذا المقطع أن ملامح شخصية المسيح بارزة بشکل واضح. کما أن الأقوال و الأحداث التي تخص المسيح وحده، بارزة دون أي التباس مع شخصية أخری. فهذا الإنفراد في صوت المسيح وملامح شخصيته يؤکد لنا وجود القناع البسيط في هذه القصيدة. فکلمات: « أنزلوني، سمعتُ، الجراح، الصليب، سمروني، لم تمتني، أنصتُ» کلها تدلّ علی أنها لشخصية المسيح دون غيره في هذا المقطع.
في المقطع الثاني يظهر استخدام هذا القناع( البسيط) بشکل أوضح، لإن الشاعر يعتمد علی أقوال المسيح ، في ما يخص التضحية من أجل الغلبة و الإنتصار علی قوی الشر. يقول المسيح:« الحق أقول لکم: أن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقی وحدها ولکن إن ماتت تأت بثمر کثير، من يحب نفسه يهلکها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها».(البطل، ص90) فيقول السياب في المقطع الثاني من القصيدة:
قلبيَ الأرضُ، تنبضُ قَمحاً، و زهراً، و ماءً نميرا
قلبي الماء، قلبي هو السُنبلُ
موتُهُ البعثُ: يحيا بمن يأکلُ
في العجين الذي يستدير
ويُدحی کنهدٍ صغير، کثدي الحياة
(الاعمال الکاملة ، ص246)
فالکلام عن لسان المسيح و الحضور من خلال صوته مشهودٌ في أثناء القصيدة، کما يقول السياب في نهاية المقطع نفسه:
متُّ، کي يُؤکلُ الخبزُ باسمي، لکي يزرعوني مع الموسمِ،
کم حياة سأحيا، ففي کلِّ حُفره
صرتُ مستقبلاً، صرتُ بذره
صرتُ جيلاً من الناسِ. في کل قلبٍ دمي
قطرةٌ منه أو بعضُ قطره.
(أيضاً، ص246)
***

سِيزِيف (القناع المركب)

سيزيف أو سيسِفيوس كان أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا الإغريقية، حيث إستطاع أن يخدع إله الموت " ثانتوس " و تكبيله، مما أغضبَ كبيرَ الآلهة (زيوس)، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى إصعادها إلى القمة،« حيث تعود الصخرة إلى النزول متدحرجة بفعل وزنها. لقد رأوا بشيء من الحق أن ليس من عقوبة أشد فظاعة من جهد بلاجدوى ولاأمل». و رأی « ألبير كامو» في مقاله المنشور عام 1942 و المسمّى " أسطورة سيزيف"، أن سيزيف يجسّد هراء وسخف و لامنطقية و لا عقلانية الحياة الإنسانية، و لكنه يختم بقوله أن المرء لابد أن يتخيل أن سيزيف سعيد مسرور تماماً كما أن النضال و الصراع و الكفاح ذاته نحو الأعالى و المرتفعات كاف وكفيل بملأ فؤاد الإنسان. و طبقا لذلك فإن الأنشطة العديمة الهدف أو اللامتناهية توصف بأنها سيزيفية.
في قصيدة «رسالة من مقبرة» يتحدث السياب عن لسان حال أحد الشهداء الجزايريين بعد انتصارهم على الفرنسيين المحتلين:
وعند بابي يَصرُخ المخبرون:
وعرٌ هو المرقى ألى الجلجله
والصخرُ يا سِيزيفُ، ما أثقله!
سِيزيف..أنَّ الصخرةَ الآخرون!

فهنا يرتدي الشاعر قناعين في آن واحد معاً؛ قناع الشهيد و قناع سيزيف. يشير السياب- بواسطة نداء «المخبرون» له- إلى نفسه و يجعل من شخصية سيزيف الأسطورية قناعاً، ليصور خطورة الطريق لنيل الانتصار و الحرية فالمخبرون أو الذين يعيشون على موت الآخرين، يهوّلون الموقف للثوار(الشهداء) و يصفون وعورة الطريق حتى (سيزيف/ السياب) الذي مهمّته تكون حمل الصخرة إلى قمة الجبل- الذي سمّاه السياب جلجلة، و هو الجبل الذي حمل المسيحُ صليبَه إلى قمّته قبل موته و لكن السياب يأتي بقناع سيزيف مرة أخرى في آخر القصيدة و يبشّر مدينة وهرانَ بالبعث و الإنتصار؛
بشراك يا وهرانُ أصداء صورْ
سيزيف ألقى عنه عِبءَ الدهورْ
و استقبلَ الشمسَ على الأطلس !
(أيضاً، ص215)
و هكذا يردّ السياب واضحاً قناع سيزيف على المخبرون الذين كانوا في صدد تضعيف ارادته، فلم يعد بعد الآن يحمل سيزيف صخرته، فانتصرت الثورة و ألقى عنه عبء الدهور. و هكذا يُخرج السياب اسطورةَ سيزيف عن نطاق الدلالة الأولية و يلبسها دلالةً جديدةً عصرية، لتناسب معنى انتصار ثورة الجزائريين على المحتلين. فالشهيد يَرقى إلى (الجلجلة)كما يرقى المسيحُ (ع) ليضحي بنفسه من أجل ميلاد جديد يُكلّله النصر.
قناع تمّوز
تقوم أسطورة تموز ( أدونيس ) علی الإعتقاد بأنه يموت في کل عام، و يطويه الظلام في عالم الجحيم حيث تعيش " ألاتو " أو "برسيفون" الإغريقية، و تنهض خليلته " أفروديت " للبحث عنه بهمة و نشاط، و تُعيده مرّة أخری إلی سطح الأرض السعيدة، و تکون عودتهما بداية الربيع. و في الأساطير الإغريقية أن تموز کان يقوم باصطياد خنزير متوحش، ففتک به هذا الخنزير، فحزنت عليه أفروديت حزناً شديداً، و أخذت ترثيه و تندبه بحرارة. أما في الأساطير الآشورية – البابلية فأن تموز إله الخصب و الحصاد.
اتخذ السياب من تمّوز ( إله الخصب في الأسطورة البابلية) قِناعاً (بسيطاً) ليُسقِط تجربته المعاصرة علی ملامح هذه الشخصية الرمزية، فجائت في هذا السياق قصيدة «تموز جيکور». فيقول السياب عن لسان تموز :
نابُ الخنزيرِ يشقّ يدي
و يغوصُ لظاهُ إلی کبدي،
و دمي يتدفّقُ، يَنسابُ:
لم يغد شقائقَ أو قمحا
لکن ملحا (أيضاً، ص223)
في تعبيره عن أحواله النفسية و أزمته المعيشية و أيضاً في التعبير عن حالة الوطن المتردية، استخدم السياب قناع تموز في هذه القصيدة استخداماً عکسياً، لأنه کان قد تردد في الإيمان بالإنبعاث داخل الوطن العربي کما أنه کان « شاکاً في القدرة علی تغلب "تموز" المعاصر في نفض أکفان الموت». (کندي، ص290)
"عشتار".. و تخفقُ أثوابُ
و ترفّ حيالي أعشابُ
من نعلٍ يخفقُ کالبرقِ
کالبرق الخُلَّبّ يَنسابُ
لو يومض في عرقي
نورٌ، فيضيء لي الدنيا!
لو أنهض، لو أحيا!
لو أُسقی! آهٍ لو أُسقی!
لو أن عروقي أعنابُ!
هذه الصور تبرز استغاثة « تموز/ السياب » بقرينته "عشتار" فهو يخاطبها عن قرب أو في صيغة المنادی، ثم يصف حالة يأسه و إحباطه « و لا تخفف الأماني من ذلک الإحباط، إذ تتضح النتيجة منذ البداية «کالبرق الخلب ينساب» فالبرق الخلب يُشير إلی عدم جدوی المحاولة، و يحکم عليها بالفشل». (أيضاً، ص292)
و تقبّلُ ثغري عشتارُ،
فکأنّ علی فَمها ظُلمه
تَنثالُ عليَّ و تَنطَبقُ،
فيموتُ بعينيَّ الألقُ
أنا و العَتمه.
ثم ّ تأتي عشتارلتبث الحياة ثانية في تموز القتيل « لکن جهودها تذهب أدراج الرياح، لأنها لم تعدْ کما کانت- کما يراها تموز المعاصر- أو ربما لأن «تموز / السياب» لم يعدْ قادراً علی الحياة، و التجدد فيها، بسبب ما اعتراه من هموم و آلام » (أيضاً، ص293)لکن لماذا عندما يعتمد السياب تقنية القناع في شعره قد يوظّف رموز هذه الأسطورة توظيفاً عکسياً؟ لأنه « شاعرٌ مفجوعٌ، يعيش أزمة مستمرة و متراکبة، تبدأ من ذاته و تشمل کل ما يحيط به، و يشغل اهتمامه، مما أوقعه فريسة ظروف نفسية قاهرة، جعلته يؤمن بأن التناقضات القائمة في الواقع المعاصر، غير قابلة للتغير».(أيضاً، ص294)
***
قناع أيوب :
« لقد عاش السياب – آخر أيام حياته – حالة مأساوية، دفعته إلی تمني الموت، علی الرغم من تشبثه بالحياة. و قد ردّد أمنية الموت في کثير من قصائده الأخيرة». (أيضاً، ص306)
و قد عثر السياب علی تلک الشخصية المناسبة التي يمکن أن يتخذها قناعاً، تحمل معاني الآلام المشوبة بالرضی و القبول، و تُحقق للشاعر بعض آماله- تعويضياً- في العودة سالماً معافیً إلی أهله، کم تضرّع السياب مناجياً ربّه من أجلها :
يا ربّ أرجِعْ علی أيوب ما کانا:
جيکورَ و الشمسَ و الأطفالَ راکضةً بين النّخيلات
و زوجةً تتمرَّی و هي تبتسمُ
أو ترقبُ البابَ، تعدو کلَّما قُرِعا :
لعلَّهُ رَجَعا
مشّاءةً دونَ عُکّازٍ به القَدَمُ! (أيضاً، ص307)
و في قصيدة « قالو لأيوب » يظهر دور هذا القناع البسيط بشکل أوضح في شعر السياب إذ يبدأ القصيدة بـ«قالو لأيوب» و هو يعني نفسه :
قالو لأيوب: "جَفاکَ الإلهْ!"
فقال "لا يجفُو
من شدَّ بالإيمان، لا قبضتاه
تُرخَی و لا أجفانُهُ تغفُو".
کتب هذه القصيدة في مدينة درم ببريطانيا بتاريخ 6/1/1963وهو في شدة المرض لکنه في أمل إلی الشفاء والرحمة و الخلاص:
سيُهزم الداءُ: غداً أغفو
ثمّ تفيق العينُ من غفوَه
فأسحبُ الساقَ إلی خَلْوَه
أسأل فيها الله أن يعفو.
(الاعمال الکاملة ، ص170)
ثم يستمرُّ في تقمّص شخصية النبي أيوب(ع) و يتکلم عن لسان هذه الشخصية الصابرة مردِّداً أمنياته و کلما يتمناه من أمل بالشفاء و الحرکة و السير الطبيعي علی قدمَيهِ دونما عکّاز:
عکازتي في الماء أرميها
و أطرقُ الباب علی أهلي.
إن فتحوا الباب فيا ويلي
من صرخةٍ، من فرحةٍ مسّت حوافيها
دوامةَ الحزن.. أأيوب ذاک؟
أم أنّ أمنيّه
يقذفها قلبي، فألفيها
ماثلة في ناظري حَيّه؟ (أيضاً، ص170)
بعد ذلک يناجي أيوب / السياب ربَّه و يبرز هنا الإستسلام الإسلامي لمشيئة القدر الإلهي:
يا ربِّ لا شکوی و لا من عتاب،
ألست أنت الصانع الجسما؟
فمن يلوم الزارع التَمّا
من حوله الزرع، فشاء الخراب
لزهرة و الماء للثانيه؟
هيهاتَ تشکو نفسي الراضي
ه.(أيضاً، ص171)
فيمزج ملامحه بملامح النبي أيوب متخذاً من هذا الإمتزاج قناعاً لنفسه و لما يريد التعبير عنه. کما أنه يؤکد هذا الإستسلام عبرالقناع أيضاً و في قصيدته «سِفْر أيوب »:
و لکنَّ أيوبَ إن صاحَ صاحْ:
"لک الحمدُ، أنّ الرزيا ندی،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرموز الشخصية و الأقنعة في شعر بدر شاکر السياب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دلال بنت طاهر الخميس: اختبارات وقياس الشخصية
» 100 سؤال وجواب حول الشخصية القوية
» التغير الاجتماعي والتحديث وعلاقته بتغير الشخصية في المجتمع القروي
» الشخصية الحضرية للحفصية وصورتها الرمزية
» خوارق اللاشعور .. أو أسرار الشخصية الناجحة - علي الوردي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربي للعلوم الاجتماعية والانسانية :: مكتبة العلوم الانسانية والاجتماعية :: منتدي نشر الابحاث والدراسات-
انتقل الى: