المؤتمر المغاربي الأول حول
المعلوماتية و القانون
أكاديمية الدراسات العليا
طرابلس/ليبيا
27/30 اكتوبر 2009
عنوان ورقة العمل
" تحديات ظاهرة الجريمة العابرة للأوطان
و الثورة المعلوماتية"
د. أخام بن عودة زواوي مليكة
كلية الحقوق
جامعة سعد دحلب البليدة
الجزائر
213 5 52 34 57 63
benaoudamalika@yahoo.frملخص
يوصف العالم الذي نعيش فيه " بالقرية الصغيرة " و " القرية العالمية" أو " شبكة الانترنت" التي كانت بالأمس القريب مجرد حلم إذ مكّن التطور المذهل في وسائل الاتصالات وتقنية المعلومات ملايير البشر من التواصل فيما بينهم على مدار الساعة لتبادل الرسائل و أنواع المعلومات و الوثائق و الصور، و التسوق بها.
الطفرة الهائلة التي جلبتها الثورة التقنية و شيوع استخدامها خلقت عالما جديدا لا يعترف بالحدود الجغرافية و السياسية للدول و لا بسيادتها، إلى درجة أنها تحولت إلى أداة لا يمكن الاستغناء عنها نظرا لسهولة و سرعة التواصل مع الغير، فلقد أحدث تحولا و تأثيرا في مصير البشرية، إذ يمكن الجزم أن الانترنت أهم متغير تكنولوجي، و اقتصادي و اجتماعي للعقد الأخير.
منذ انطلاق شبكة الانترنت مع نهاية الحرب البادرة شهدت تطورا كبيرا و سريعا إذ أصبحت نظام معلومات ضخمة منفتحة على العالم، تضم في أحشائها سيل من صفحات الويب في كل المجالات، نهيك عن وجود العديد من محركات البحث، محدثة بذلك ثورة في الممارسات و العادات و التقاليد، إذ تغلغلت هذه التكنولوجية في حياتنا اليومية، فاتحة آفاقا جديدة، مؤسسة لعلاقات اجتماعية بين الأفراد لا يجمعهم لا الدين و لا الأصل و لا اللغة بل هم مجموعة غرباء و أجانب في نقاط جغرافية متناثرة من هذا الكون.
ولقد ترتب عن هذه الثورة بروز وزيادة خطورة الجرائم العابرة للحدود وتعقيدها، سواء من حيث تسهيل الاتصال بين الجماعات الإجرامية وتنسيق عملياتها، أو من حيث ابتكار أساليب وطرق إجرامية متقدمة، فإذا كانت للانترنت الكثير من المزايا، فإن المجرمون وجدوا في هذه الوسيلة التكنولوجية ضالتهم لأنها طريقة آمنة للأعمال غير المشروعة، فتحولت خلال بضع سنوات إلى فضاء يعج بالآفات التي نصادفها في العالم الحقيقي ابتداء من الاحتيال والسرقة، إلى انتهاك الحياة الخاصة، مرورا بالتعدي على الحرمات بنشر المواد الإباحية، ، وكذلك الاتجار بالمخدرات والبشر. تطرح الجريمة العابرة للحدود التي تستعمل الوسائل التكنولوجية الجديدة تحديات تكمن في صعوبة تصنيف النشاطات الإجرامية ضمن الجرائم التقليدية المنصوص عليها في التشريعات الجنائية الوطنية، و كذلك في ضعف وسائل الملاحقة القضائية الوطنية التي تعترضها مسائل التسليم و المحاكمة و تنازع الاختصاص الجنائي.
أهداف الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى محاولة استكشاف وتحديد معالم ظاهرة الجريمة العابرة للأوطان التي تعتمد على استخدام الإمكانيات العلمية والتقنية واستغلال وسائل الاتصالات وشبكات المعلومات، وذلك من حيث تحديد مفهوم هذه الجريمة، وبيان أسبابها ودوافعها، وتحديد خصائصها وأهدافها، ومن ثم إبراز أهم مظاهرها وأشكالها، و التحديات التي تطرحها.
مقدمة
واكب تسارع الأحداث السياسية الذي رافقه ثورة معلوماتية، و علمية و تكنولوجية هائلة منذ نهاية القرن 20، تحول حضاري و ثقافي دعمه انفتاح العالم على مصراعيه الخاضع لرياح العولمة الهادفة إلى إنشاء مجتمع تختفي فيه الحدود الجغرافية بتشجيع حرية تنقل الأشخاص، و المعلومات و الأفكار و البضائع ، فضلا عن التدفق الإعلامي التلفزيوني الآتي من الأقمار الصناعية، و التكنولوجيا المعلومات و شبكتها الرقمية التي حصرت العالم في " قٌرية كونية صغيرة ". طبيعي أن تتكيف العصابات مع الوضع الجديد الذي خلف أشكال إجرامية جديدة سماتها الأساسية اختراق حدود الدول بعد ما كانت إلى وقت قريب تتميز بالطابع المحلي، مهددة في طريقها استقرار الأنظمة السياسية و أمن المجتمع الدولي، بعبارة أخرى انتقلت الجريمة من المستوى القطري إلى المجال العالمي، ومن القوقعة الداخلية إلى الفضاء الخارجي، الأمر الذي دفع فقهاء القانون الجنائي الدولي إلى اعتبار " كل عمل يكون خلفه جماعات معينة تستخدم العنف لتحقيق نشاطها الإجرامي و تهدف إلى الربح " جريمة منظمة " . على هذا الأساس تعد مثل هذه الجرائم من المسائل التي تهدد الأمن و السلم الدوليين، بالنظر للخطر الذي تشكله على المجتمعات البشرية، لأن عصابات الإجرام المنظم الموزعة عبر المناطق الجغرافية المختلفة من العالم تتعاون فيما بينها للتصدي للأنظمة السياسية للدول التي تسعى جاهدة لمكافحتها، مستغلة الفجوات القانونية التي حتى و إن وجدت لا تتلاءم و التشريع الدولي.
يبدو جليا أن تدويل الحياة المرافق لسهولة الاتصالات و حركة الأشخاص ساعد في تفاقم و انتشار الجريمة التي أضحت ممارستها في نطاق عدد من المناطق الجغرافية المختلفة و من قبل جماعات من الأفراد ينتمون إلى دول متعددة. فضلا عن ذلك أن تعميم استخدام الكمبيوتر (الحاسوب) على نطاق واسع أحدث ثورة في مجال الاتصال والمعلومات، عادت بالنفع لصالح البشرية لما توفره التكنولوجية من فوائد و رفاه على الإنسان، إذ سمحت الشبكة العنكبوتية باختزال المسافات و كسر الحواجز الجغرافية محولة العالم إلى شبكة المعلومات تعرف تحت تسمية مجتمع المعلومات . لكن في المقابل و بالموازاة مع عائدات الخير تطورت قوى الشر بقدر ما ازدهرت الوسائل التقنية، إذ أدركت العصابات ما يمكن أن تحققه من أرباح بفضل استخدام الوسائل التكنولوجية، فظهرت ما يعرف اليوم بالجرائم الالكترونية التي أصبحت تشكل تهديدا للأمن القومي للدول، نهيك عن انتهاكات الواقعة على حياة الخاصة للأفراد المؤدية في كثير من الأحيان إلى المساس بالأخلاق و الآداب.
بالعودة للواقع التشريعي في المغرب العربي يبرز للعيان عدم مواكبة هذا الأخير مع النوع الجديد من الجرائم الموصوفة بالمعلوماتية التي تتطور بسرعة البرق فحين أن المنظومة القانونية لا زالت تقليدية تسير على أقل من مهلها عاجزة عن التصدي للخطر المحدق الماس بكل مكونات النظم السياسية و الاقتصادية و البشرية، لأن خطورة الجريمة العابرة للحدود تكمن في دقة تخطيطاتها باستغلالها و استخدامها لأساليب متطورة للغاية مما يحتم مواجهتها بوسائل لا تقل تطورا عن أساليب ارتكابها، لهذا أضحى من المستعجل على دول المنطقة أن تتعاون فيما بينها لإرساء قواعد قانونية ملائمة تستجيب لمتطلبات الحياة الرقمية لمواجهة الأنشطة الإجرامية العصرية، لأنه بات مؤكدا أن الدول منفردة عاجزة عن مكافحتها إذ أن أنشطة المنظمات الإجرامية تستند إلى تحالفات إستراتجية مع سواها، يتطلب قدر من التضامن بين الدول فيما بينها للتعاون لإسقاط قوى الإجرام.
تعالج ورقة العمل تأثير الثورة المعلوماتية على توسيع الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود، إذ ساعد الفضاء الرقمي العصابات على العمل في راحة و طمأنينة بعيدا عن أعين أجهزة الأمن الساهرة على ملاحقتهم القانونية، فالتين بذلك من الملاحقة و العقاب. أكد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أن نشاط العصابات العابرة للحدود يغطي 18 مجالا، هي كالتالي:
السرقة و الخطف و القتل، و الاتجار بالأسلحة و المخدرات و البشر و الأعضاء البشرية، و تبيض الأموال، و الفساد و رشوة الموظفين، جرائم الإرهاب، سرقة الأعمال الفنية، خطف الطائرات و القرصنة البحرية، سرقة السيارات، الاحتيال على شركات التأمين، جرائم الكمبيوتر، جرائم البيئة... على هذا الأساس سنتعرض لبعض أوجه الجريمة العابرة للحدود.
ضع ردا ليظهر الرابط