أساليب استثمار موارد التراث الطبيعي والأركيولوجي و انفتاح المدينة
على محيطها البيئي
أ.د. عبد الله العوينة
جامعة محمد الخامس – الرباط
laouina@menara.maالملخص:
تمتد على محيط كل مدينة مجالات تحتوي على موارد ذات القيمة الرفيعة منها موارد من التراث الطبيعي والحيوي وأخرى من التراث التاريخي والأركيولوجي. ويغلب المنطق الاقتصادي في التعامل مع هذه الموارد، حيث تستغل الأراضي الصالحة للزراعة كضيعات انتاجية ولإقامة مساكن ثانوية، وتقام مشاريع سياحية في كل المساحات ذات القيمة القابلة للاستغلال في هذا المجال.
وينتج عن هذا المنطق نزعة نحو التدهور تتخذ مظاهر عدة :
- الاكتظاظ وما ينتج عنه من ضياع للتنوع الحيوي ولقيمة الأراضي وللتراث الأركيولوجي والتاريخي.
- الهجرة نحو المدينة وما ينتج عنها من تخلي عن قطاعات انتاجية وقدرات تدبيرية للأراضي.
- التنافس بين منطق الاستثمار والحفاظ على المواقع الحساسة وذات القيمة الرفيعة.
تمثل مدينة الرباط-سلا، نموذجا حيا للعواصم التي تزخر بتراث تاريخي فريد، ومشاهد طبيعية نفيسة، ونشاط اقتصادي حقيقي ومتنوع. الا أن هناك خصاصا في تقييم الوضع العمراني والبيئي للمدينة وفي تصور منظور شامل للإعداد، يتخطى السلبيات والعوائق الحالية، ويقترح سبلا لبلوغ تنمية مستديمة ومتوازنة.
فهي تضم مشاهد ومواقع طبيعية من مستوى رفيع، من الواجب الحفاظ عليها واستثمارها. فعلى الساحل توجد الكثير من المواقع المتميزة، والواجب، العمل على استثمار البعض منها، اعتمادا على دراسات دقيقة للوقع المحتمل على البيئة، للمشاريع المزمع اقامتها، وبالنسبة للبعض الآخر، الحفاظ عليها في شكلها كرواشم لأصلها الطبيعي بسبب ما لها من تفرد حيوي، يصعب تعويضه. وبجوار المدينة توجد غابات هامة وممتدة، منها غابة المعمورة، وغابة تمارة-سيدي يحى، وغابة سيدي بطاش-كريفلة، وهي تختص بالتنوع النباتي وتميز مشاهدها، وتصلح للاستجمام، وبعضها للقنص، وتمثل على كل حال متنفسا رائعا بالنسبة للمدينة. والتخطيط الحضري مطالب باعتبار هذه الثروة النباتية والحفاظ عليها.
ويتميز مجالان خاصان بوضعهما الفريد، هما الساحل المحيطي ووادي بورقراق، بحيث يضمان مؤهلات طبيعية نفيسة، إلا أنهما يتعرضان لضغط يهدد آفاق استغلالهما، الشيء الذي صار يستدعي التعجيل بوضع قواعد دقيقة، لمعالجة خاصة.
يتقدم التمدين بخطى سريعة على طول الشريط الساحلي وتتسع معه الآثار السلبية الناجمة عن التلوث، من دون ان تنجح الاختيارات الأساسية لإعداد التراب في التخفيف من هذه السلبيات. لكن امكانيات الاستثمار في هذا المجال الساحلي المكتظ تبقى محدودة، بسبب التوجهات غير الموفقة للاعداد في السابق، وتبقى الكثير من الاحياء تشكو من رداءة السكن بها وكثافته المفرطة، الشيء الذي ينتج عنه تشويه في المنظر، إضافة الى تراكم غير منظم للأزبال المنزلية وكسارات البناء، تستدعي مصاريف باهضة من اجل تهيئتها. فاختيار توسيع الطريق الساحلي مثلا، عمد الى تغطية الجرف الصخري المتميز بجماليته تبعا لما نحتت فيه آليات التعرية الكيماوية من أشكال بديعة، تحت فتاتات ترابية، تتحول الى سحب غبار خلال الصيف وقت هبوب الرياح أو تنقل من طرف الأمواج خلال العواصف البحرية، مما ينتج عنه خراب عمل شاق ومكلف.
أما الشواطئ الرملية فهي فريدة و نادرة في المنطقة. ولذا فمن الواجب الحفاظ عليها من الانجراف البحري، وذلك بتلافي كل التجهيزات التي تغير الدينامية الساحلية والتيارات البحرية، وتخلق ظروفا جديدة تقوي من حركية نقل رمال الشاطئ الى الميدان التحتبحري. وهذا ما نتج مثلا بعد انشاء ميناء سيدي العابد، بجوار شاطئ الرمال الذهبية، لانه ركز آثار العباب على رمال هذا الشاطئ، الشيء الذي نتج عنه انطلاق عمليات اقتلاع تلاها بروز القاعدة الصخرية وسط الشاطئ الرملي.و يعرف الساحل حركة تشييد مباني خصوصية من المستوى الرفيع تتميز باتساع مساحتها، الشئ الذي يعني خوصصة الخط الساحلي، الى درجة مفرطة، بينما المنتظر أن يحظى هذا المجال باستمرارية وضعه العمومي، لما يمثله من ثروة فريدة و نادرة، من اللازم أن يستفيد منها كل سكان المدينة، بل كذلك سكان المناطق الأخرى من المغرب.
التهيئة العقلانية تقتضي ايجاد حلول سريعة و مدمجة، تقوم على أساس تحديد دقيق للمجال العمومي الذي تستحيل خوصصته، لأنه يعتبر نوافذ طبيعية و حيوية يجب الحفاظ عليها، و كذا توفير الظروف لتدبير جيد لشبكة التطهير السائل و معالجة مياه المجاري قبل القائها في البحر. كما تتطلب إدماج العنصر الساحلي ضمن مشاريع العمران، بتلافي السكن الدائم في مواقع السياحة، والتشييد الثقيل والعشوائي في مجالات يجب أن تحافظ على طابعها كمواقع استجمام ورياضة لفائدة الجميع. فهناك مواقع من المحتم أن تكون محمية من البناء، لما تمثله من تراث تاريخي و بيئي.
التنمية المتوازنة للمدينة العتيقة، لا يمكن أن ترتكز فقط على المقترحات والحلول الفخمة، المقترحة من طرف الهيئات الحضرية أو الخواص، من أجل إقامة أحياء سكنية عالية الطراز لفائدة أقلية من المجتمع أو مشاريع سياحية مربحة. هذه التنمية المتوازية لا يمكن أن تكون هادفة إلا إذا راعت عدة اعتبارات متشابكة ومتداخلة، نخص منها :
- الانطلاق من منظور شامل يدمج داخله المظهر الحضري، الهندسي، البيئي، الاقتصادي، والاجتماعي.
- الأخذ بعين الاعتبار الجانب المجالي المحيط بالمدينة وذلك بما فيه المراكز والأرياف القريبة، والمتفاعلة معها.
- الاعتماد على العقلنة بهدف الاستمرارية، ضمن اقتراحات إعداد حضري من أجل حماية البيئة والحفاظ على التراث، وتكون في نفس الوقت اقتراحات طموحة ومجددة، لكن بإمكانيات معقولة.
- إشراك مختلف الفاعلين في المدينة، والتشاور معهم، والأخذ برأيهم، ويتلخص كل ذلك في مجموعة من العمليات التوافقية، ينخرط ويشارك ضمنها المجتمع بمنظور يهدف إلى إنجاح هذه العمليات واستمرارها.
- بذل مجهود للخلق والابتكار في الميدانين القانوني والمؤسساتي ضمانا لنجاح هذه الاختيارات المهيئة مسبقا، وذلك بتوفير الإصلاحات الضرورية سواء على مستوى التدبير والتمثيلية، أو على مستوى أدوات التنظيم الحضري.
التلوث وانعكاساته على البيئة الحضرية : مدينة قسطنطينية نموذجا
آسيــا ليفا نحــال
الجــزائر
assianahal@yahoo.frالملخص :
إن مشاكل التلوث عديدة ومتنوعة وانعكاساتها جد سلبية على المجال عموما و البيئات الحضرية خصوصا وقد تتسارع الجهات المعنية الى وضع الحلول وحل المعضلات، الا ان الحل الامثل يبقى دائما بالرجوع الى التنمية المستدامة، والعمل من اجل وضع الحلول بالحفاظ على موادرنا الطبيعية التي هي موارد غير متجددة وأمانة للاجيال اللحقة.
أحدث الإنسان تغيرات على بيئته من اجل تحقيق أهدافه ورغباته.إلا أن هذا التغيير بلغ درجة باتت تنذر بالخطر ، لأن هذا المحيط لم يعد قادرا على الاستيعاب والصمود، وعلى أثر ذلك تزايد اهتمام العلماء والمختصين وصانعي القرار بأمور البيئة ، خاصة بتزليد مشكلة الثلوث التي أصبحت لا تعني فردا أو رقعة محددة ,إنما مشكلة عالمسة على مستوى المدينة والريف على السواء.
والانسان هو المتسبب الاول والرئيسي للخل الذي أصاب البيئة، بسبب متطلباته الضرورية والكمالية .
وتركزت معظم مصادر التلوث " الصناعية، وسائل النقل،مخلفات الانسان، في المدن التي تنمووتتسع باستمرار خاصة سكان العالم النامي اين ينصب اهتمامهم على تحقيق تنمية سريعة دون إعارة الاهتمام بالتوازن البيئي وهذا ما يقال عنه سوء استخدام موارد البيئة.
ولقد شهدت مدينة قسنطينة تحولات كمية وكيفية عبر مراحل التاريخ وصولا الى الوضع الحالي والتي تبلورت في التطور الملحوظ للسكان والشبكة العمرانية والنشاطات التي رسمت صورتها في تطوير المشاريع والصناعات الملوثة.
ولقد أدى عدم عمد الاخد بأسلوب التخطيط الإقليمي في الجزائر، الى نتائج سلبية على المستوى الوطني والمحلي حيث ظهرت أوضاع خطيرة وغير متوازنة بالبيئة الحضرية، فالهواء الملوث والمياه الملوثة والنفايات هنا وهناك والضوضاء تملاء الأجواء.
ويمكن إرجاع الأسباب الأساسية التي أدت إلى ظهور التلوث بمدينة قسنطينة إلى:
تضخم المدينة وهذا بسبب الهجرة الداخلية والخارجية والنمو الديمغرافي، وأزمة السكن واستهلاك المجال بالإضافة إلى تفاقم أزمة المخالفات
• النفايات وتراكمها
• المياه الملوثة ومصيرها المجهول
• الهواء الملوث
وقسنطينة كغيرها من المدن الجزائرية لا تخلو من وحدات صناعية إنتاجية أصبحت بعد اتساع المجال العمراني للمدينة مصدر إزعاج وخطر كبير على السكان والبيئة الحضرية، اضافة مشاكل الوحدات الاستشفائية وطريقة جمع نفاياتها مشاكل النقل والمواصلات وعدد السيارات ونوعية الوقود المستعمل وتاثيها على درجة التلوت على البيئة الحضرية .
وبما ان مصادر التلوت كثيرة ومتنوعة فسوف نتناولها من ثلات أبعاد صلبة، سائلة وغازية.
وبعد تسليط الضوء على مشاكل التلوت وأنواعه بالمدينة لاحظنا ان المدينة تسبح في جو خانق بمختلف انواع الملوثات وازعاجات الحرف المختلفة
وبعد استعراضنا لكل هذه العناصر التي تداخلت وأعطت مستويات متدنية ومتباينة للبيئة الحضرية وانطلاقا من معرفة مكامن المشكلات جاءت التدخلات لاستدراكما يمكن استدراكه من ملامح البيئة الحضرية وذلك باعتماد منهج التنمية المستدامة في تعبيد الدرب لبيئة أفضل وأجمل مستقبلا.
وفي ظل كل هذه الأوضاع يبقى السؤال المطروح.
هل ستعود قسنطينة بلدة الهواء والجمال كما قيل ام سيبقى ضربا من الخيال.
المنهج البحثي المستخدم:
1- المنهج الوصفي التحليلي
2-منهج دراسة الحالة
الكلمات المفتاحية:
التلوث ، البيئة الحضرية ، المخلفات الصناعية، التنمية المستدامة، تدوير النفايات، سوء استخدام موارد البيئة.
مؤشرات من اجل التنمية المستدامة في المناطق الساحلية المتوسطية
المنطقة الساحلية في سوريا
أ.د. محمد إسماعيل الشيخ
جامعة تشرين- سورية
Elcheikh_zeina@yahoo.comالملخص :
أنجز هذا البحث بالتعاون مع منظمة (الخطة الزرقاء Plan Bleu) والمنظمة العالمية لشؤون البيئة UNEP، وبدعم مالي من المجموعة الأوروبية. وقد تم عرض نتائج البحث في سوفياأنتيبوليس-فرنسا عام 2002، ولا تزال المرحلة الثانية من محور البحث مستمرة.
موضوع البحث: استعراض مؤشرات التنمية المستدامة في المنطقة الساحلية في سوريا من كافة الجوانب التالية:
- الموارد الطبيعة المتجددة
- الأنشطة الاقتصادية
- الأنشطة السياحية
- الوضع الديموغرافي
- الوضع الحضري (المديني)
وذلك من خلال المعطيات والمصادر الرسمية ومن خلال الاستبيانات الميدانية.
أهداف البحث:
تم تحديد هدف البحث ضمن إطار التوصيات المقترحة من قبل المفوضية المتوسطية للتطوير المستدام (CMDD) ويتلخص هذا الهدف فيما يلي:
- تحفيز وتشجيع استخدام المؤشرات على مستوى المنطقة الساحلية السورية من أجل تحقيق التطوير المستدام .
- تطوير طريقة مثلى لتحفيز المؤشرات يمكن تعميمها على بقية المناطق الساحلية المتوسطية.
- إعداد خرائط ولوحات اتخاذ القرار تسمح بتحديد مدى التقدم في مجال التطوير المستدام.
منهج البحث:
- قام د. محمد إسماعيل الشيخ بصفته مستشار المشروع consultant بإعداد البحث وإنجازه بالتعاون مع الفريق السوري كما قام بتحرير البحث باللغتين العربية والفرنسية
- مت إدارة مشروع البحث من قبل وزارة شؤون البيئة في سوريا
- تم الدعم الفني من قبل فريق الخطة الزرقاء Plan Bleu في فرنسا
- تم اختيار المؤشرات المدروسة من قائمة مؤشرات الأمم المتحدة وخاصة تلك المرتبطة بالمناطق المتوسطية (52 مؤشر) وهي تشمل كافة الجوانب المشار إليها في موضوع البحث.
المصطلحات العلمية (الكلمات الدالة):
التنمية المستدامة Sustainable Development، مؤشرات Indicators، المفوضية المتوسطية للتطوير المستدام CMDD، صناع القرار Decision Makers، المنطقة الساحلية Coastal Region.
أهم نتائج البحث:
- تم تحديد دور المؤشرات في التنمية المستدامة في المنطقة المدروسة
- تم تحديد الواقع السلبي الذي أظهرته بعض المؤشرات في قطاع الزراعة
- تم تحديد دور القوى البشرية في التنمية المستدامة
- تم التأكيد على الدور السلبي للإنسان من خلال بعض المؤشرات
المحور العلمي للبحث:
تدخل الجغرافية بكافة فروعها بشكل مكثف في هذا البحث وذلك من خلال تحديد مؤشرات الجغرافية الطبيعية: مناخ، تضاريس، تربة، الخ... وربطها بمؤشرات الجغرافية الاقتصادية: زراعة، صناعة، سياحة. وأخيرا تحديد دور الإنسان كعامل أساسي في كل تنمية مستدامة في المنطقة المدروسة.
رهانات التنمية الريفية المستدامة في أرياف البلاد التونسية
د. نـور الـدين محيــضي
ســوريا
nmhidhi@yahoo.frالملخص :
إن التنمية المحلية المستدامة مفهوم شائك. فمعناها الإجتماعي - الإقتصادي يفترض تخلف المسيرة التنموية وتردي مستوى العيش بين مجموعة بشرية ما، لكن بالنسبة لمن؟ وحسب أية مقاييس؟ ومعناها المجالي يفترض التأزم والركود أو التهميش والإنحباس، في أي مستوى مجالي؟ وضمن أية استراتيجيات تخطيط وأهداف إدماج؟ كل ذلك في إطار طبيعي متنوع، وموارد قد تكون هشة أو نادرة تعسر المحافظة عليها أوتجديدها. فمن هذا المنطلق يمكننا اعتبار التنمية المحلية المستدامة محل رهانات واستراتيجيات تبلورت حولها جملة من المفاهيم(الحاجيات والتشاركية والمسؤولية...) تكرسها كل من المنظمات العالمية والهياكل المركزية والمنظمات غير الحكومية والجماعات المحلية، في خضم تحولات مجالية واقتصادية عالمية. وهي التحولات التي تتجلى في اتساع الهوة بين مجالات متقدمة وأخرى متخلفة، وتنامي الطلب على الموارد وتدهور المحيط الطبيعي.
فبالرغم من أن التنمية المحلية في مفهومها الشامل" تعبير عن تضامن بناء وعلاقات اجتماعية جديدة تكشف عن عزم سكان مجال ما على تنمية مواردهم المحلية"، فإنها من خلال دراسة نماذج من عدة تجارب في البلاد التونسية تبدو في مجملها شأنا عموميا عن طريق الأجهزة المركزية والدواوين والجمعيات، ومواكبة أو محاكاة اختيارات تنموية فرضها الواقع العالمي. وقد تطورت استراجيات وأهداف كل الأطراف المتدخلة من محاولة شد السكان في مناطقهم والسعي إلى تحقيق التوازن الإقليمي، إلى استهداف المجموعات الأقل تنمية، ثم دفع السكان إلى التنمية الذاتية والإندماج مع مجالات أخرى أكثر حركية، خاصة وأن دور الدولة بدأ يتراجع والمحيط الإقتصادي بجميع مستوياته المجالية يشهد تحولات سريعة.
أصبحت انعكاسات هذه التحولات على أبرز مظاهر التدخل من أجل التنمية المحلية في أرياف البلاد التونسية أمرا واقعا. فإلى أي حد ساهمت في تثمين وترشيد استغلال الموارد المتاحة محليا وفي دفع أشكال السعي إلى تجددها(المياه والأراضي الزراعية...) ومقاومة المخاطر الطبيعية؟ وما مدى اعتمادها على مبدأ التشاركية كأحد أهم ركائز الإستدامة باعتبار خصوصيات الأطراف الإجتماعية المستهدفة من حيث التنمية أو الإقحام في منظومة اقتصادية جديدة، والمحافظة على الهوية والتجذر في المجال؟
ولدراسة بعض أوجه التخطيط الريفي ومدى استدامتها في البلاد التونسية اعتمدنا على الأحجام المجالية لكل شكل من أشكال التدخل من ناحية، والخلفيات النظرية لمختلف الأطراف المتدخلة فيما يتعلق بالإلتزام بقواعد الإستدامة وأهداف الزراعة المستدامة من ناحية ثانية:
1. الأطراف "المتشددة" أو الأطراف المدافعة عن"الإستدامة الكاملة" التي تمثلها عادة المنظمات غير الحكومية الوطنية منها والعالمية. وقد كثفت هذه الأخيرة من تدخلاتها النقاطية في المناطق الأكثر تخلفا بغرض إعداد السكان لنمط عيش جديد باعتماد مواردهم المحلية وتجاوز المعوقات، ولعبت دورا بارزا في التخطيط الريفي. اخترنا لذلك عدة نماذج، قيمنا تدخلاتها عن طريق العمل الميداني والإستبيانات مع المنتفعين في مستوى محلي محدود.
2. الأطراف "الأقل تشددا" أو المعروفة "بالإستدامة المتوسطة"، وهي التي تشرف على الدواوين التابعة لوزارة الفلاحة أو البرامج الجهوية للتنمية بهدف تحقيق الإندماج الإقليمي والإنتقال من الإقتصاد المعاشي إلى اقتصاد السوق. وقد درسنا لهذا الغرض الجيل الثاني من برنامج التنمية الريفية المندمجة من خلال تحليل الوثائق الرسمية وأمثلة التخطيط التفصيلية حسب التقسيمات الإدارية التي تعتمد عليها المشاريع.
3. الأطراف التي تعرف "بالإستدامة الضعيفة"، وهي الأطراف التي تضحي بجل أسس الإستدامة من أجل استراتيجيات وطنية مثل مواجهة تفاقم العجز الغذائي في البلاد التونسية. وتمثل أهم اختيار تنموي في التكثيف الزراعي عن طريق المساحات السقوية (الإروائية) العمومية. وهو الإخيار الذي درسناه بمعالجة معطيات إحصائية واستخدام جملة من المقاييس التقييمية(التكثيف والإستعمال...)، لإبراز انعكاسات ونتائج التدخلات التي شملت أغلب الأقاليم، وما رافقها من سياسة مائية شاملة.
رغم بعض النتائج الإيجابية- التي سنتناولها بالدرس- تبين لنا أن جل أشكال التدخل في الأرياف التونسية منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود تواجه عدة معوقات، ونتائجها متفاوتة جدا إذا أخذنا أبرز أسس التنمية المستدامة بعين الإعتبار:
1. نقائص واضحة في مستوى "شمولية الإستدامة"، ويبرز ذلك من خلال سوء التنسيق والتكامل بين مختلف البرامج وتناقضها أحيانا، والتشابه بين أشكال التدخلات دون إدراك خصوصيات المجال
2. محدودية "الإستدامة الإجتماعية"، حيث تبين أن مهارات وخبرات المحليين لم تؤخذ بعين الإعتبار في التخطيط الريفي، ويتجلى ذلك في نقص تشريك المنتفعين والإعتماد على خبرات من مجالات أخرى وتنامي مظاهر ردود الفعل المعاكسة، والمراوحة بين تحسين ظروف العيش وإعداد السكان للإنتاج للسوق والإندماج في منظومة استهلاكية
3. صعوبة التوفيق بين الإستدامة والأبعاد الإقتصادية والمجالية، ويبرز ذلك من خلال الإختيارات بين الحد من نقص التجهيز من ناحية وزيادة الإنتاج من ناحية ثانية، واعتماد تمويلات خارجية، الأمر الذي أفضى إلى التركيز على المنتوجات المضاربية لتغطية عجز الميزان التجاري على حساب الأمن الغذائي. وهي المظاهر التي انعكست على التباين المجالي القطاعي من حيث تحقيق الأهداف وتحقيق الإندماج المجالي الإقليمي والوطني
4. محدودية "الإستدامة البيئية" ، حيث أن تثمين الموارد أفضى بدوره إلى مظاهر تصحر جديدة للأراضي الزراعية وبدأت مسألة الأمن المائي تطرح بحدة.
الكلمات الدالة:
المحلي – التنمية – الإستدامة – التشاركية – الاندماج.
متطلبات التنمية المستدامة للترابط الحضري الريفي والمخططات الإقليمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
الدكتور / مسلم فايز أبو حلو
رئيس دائرة الجغرافيا- جامعة القدس / فلسطين
مدير عام الجمعية الجغرافية الفلسطينية
Musallm_helu@yahoo.com الملخص :
استطاعت إسرائيل خلال أربعين عاما من احتلالها لما تبقى من الأراضي الفلسطينية , خلق واقع وظروف صعبة حالت وتحول دون تحقيق أو استدامة النماء والترابط بين أقاليم الأراضي المحتلة أو حتى داخل الإقليم الواحد. فقد ترتب على ممارسات وسياسات الاحتلال للأراضي الفلسطينية السيطرة على نحو 60% من الحيز المكاني و تقطيع أوصال المناطق وتقسيمها إلى كنتونات معزولة وجزر مهمشة ومكنها من وضع اليد على كامل المصادر والموارد الطبيعية للمناطق ومن الهيمنة والنفوذ على نقاط العبور والاتصال مع العالم ومن حصار مفروض على القوي البشرية في ظروف حياتية بائسة. وعلية فان هذه المخرجات وغيرها شكلت ولازالت تشكل عوائق حقيقية وصعبة أمام وضع وتنفيذ خطط تنموية طموحة أو حتى متواضعة تمكن من الحدود الدنيا للرفاة. وفي ظل ذلك بات على المدركين لهذا الواقع والظروف المفروضة على الأرض التفكير في وضع خطط قصيرة الأجل تهدف أساسا لصمود الإنسان رغم قسوة ظروف الحياة.
إن ما تشهده الأراضي الفلسطينية من تسارع في معدلات النمو الحضري وارتفاع في معدلات البطالة والفقر ومن تدني في مستويات الخدمات والصحة ومعدلات الدخل وغيرها من المؤشرات التنموية السلبية وما يقابل ذلك من إجراءات وسياسات ومخططات احتلالية مستمرة ولا يبدو ان لها نهاية يضعنا أمام جملة من الأسئلة تتبناها هذه الدراسة للإجابة عليه وهي:
- ماهي معوقات عدم تحقيق خطط التنمية الفلسطينية أهدافها خلال الفترة من 1996 وحتى الآن.
- ماهي مرتكزات خطط التنمية الإقليمية المتوازنة المستدامة والإقليمية في ظل استمرار الأوضاع الحالية.
- ما مدى نجاح اي خطط تنموية متوازنة مستدامة إقليمية في ظل عدم الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ستحاول هذه الدراسة الإجابة على هذه الأسئلة بهدف تشخيص الوضع الحالي للترابط الحضري الريفي الإقليمي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والكشف عن معيقات التنمية المحلية والإقليمية وتسعى إلى تقدير النتائج الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المترتبة عليها .وأخيرا تحاول الدراسة استنتاج أهم مرتكزات خطط التمكين والصمود للترابط الريفي الحضري الإقليمي في ظل استمرار الظروف الجيوسياسية الحالية للاستفادة منها في عند استكمال خطط التنمية المستدامة بعد زوال الاحتلال.
أن ما يميز واقع الأراضي الفلسطينية المحتلة من وجود طرفين يخططان لأهداف متباينة , احدهما الاحتلال الذي يتولى إدارة الأمور والتحكم بها , والأخر الجانب الفلسطيني الذي لم يتمكن بعد من توفير المستويات اللازمة حتى للصمود يملي تفعيل ما يتوفر من إمكانيات وعناصر متاحة من خلال تنمية مستدامة يتم من خلالها تحقيق توازن في توزيع الاستثمارات بين الريف والحضر وتمكن من توفير البنية الأساسية الملائمة لرفع مستوى معيشة المواطنين. والذي يعد بدورة أهم أولويات صياغة السياسات الإنمائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتستنتج الدراسة أن استمرار الصراع على الحيز المكاني بين الجانبين هو أهم معيقات وعناصر الاختلال في التنمية الإقليمية والمعيق الحقيقي أمام خطط ومشاريع التنمية الحضرية الريفية المستدامة التي تهدف إلى خلق وتوثيق الترابط الريفي الحضري والإقليمي في الأراضي الفلسطينية عموما وان تباينت أثارة من إقليم إلى آخر والذي يستوجب التخلص منة قبل صياغة النماذج والمخططات التنموية . وبغير ذلك ستبقى خطط التنمية المقترحة عرجاء لا تقوى على الصمود ولا تمكن حتى من الصمود في ظل ما يتم تبنية من سياسات ومخططات من قبل الطرف الآخر لنفس المكان دون اعتبار لسكانه.
استدامة نظم البيئة الريفية نظرياً وتطبيقياً
أ.د/ صلاح عبد الجابر عيسى
أستاذ الجغرافيا بكلية الآداب- جامعة المنوفية
D_salah_eisa@hotmail.comالملخص :
برز فكر التنمية المستدامة Sustainable development عالميا إبان الربع الأخير من القرن العشرين منذ قدم نادي روما Roma club نموذجاً لـ " حدود النمو " يتمحور حول التنمية المستدامة التي تستهدف تحقيق التوازن بين احتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل، وكان علماء البيئة والمهتمون بالتنمية أكثر المعنيين بهذا الفكر ، نظراً لما تعرضت له البيئة العالمية والبيئات المحلية من تهديدات وأخطار من أهمها التلوث واستنزاف الموارد وإفساد النظم البيئية.
ويمثل الريف بيئة مستهدفة للتنمية منذ فترة ليست بعيدة على الأصعدة المكانية المختلفة، فقد كان نصيبه ملحوظاً من الاهتمام في فكر التنمية المستدامة ، التي أضحت الصيحة الأخيرة التي يتبناها الدارسون ، على حساب توجهات سابقة للتنمية المتكاملة والتنمية الشاملة والتنمية القطاعية وتنمية الأقطاب .
وتهدف الدراسة الحالية إلى وضع فكر استدامة النظم الريفية في موضعه الصحيح ، من خلال المعالجة الجغرافية للريف ، حتى يتيسر للمهتمين بتنمية الريف من الباحثين والتنفيذيين الوقوف على أسس واستراتيجيات هذا التوجه التنموي المعاصر
واتبع الباحث منهجاً استقرائياً واستنتاجياً ، حيث قام بعرض ومناقشة المفاهيم المتصلة بالموضوع ، والجهود البحثية المبذولة من لجان الاتحاد الجغرافي الدولي ذات الصلة ، ثم استعرض وناقش بعض الدراسات التطبيقية عن استدامة عدد من النظم الريفية ، ثم توصل إلى نموذج مقترح يحقق الاستدامة في نظم السكن الريفي . ومن ثم ترتبت نقاط البحث في :
- الريف وتوصيفه ، من حيث المدلول اللغوي والاصطلاحي ، وتم تصنيف مكونات البيئة الريفية إلى أربع مجموعات : عناصر نابعة ، عناصر تابعة ، عناصر رابطة ، عناصر شارطة .
- النظم الريفية ، ولكل منها خمسة عناصر : أرض الريف ، سكان الريف ، الأنشطة الإنتاجية الريفية ، الأنشطة الخدمية الريفية ، التنمية الريفية .
- فكر الاستدامة في التنمية ، ومتابعة وروده في الماضي ، ومحاولات تعريف الاستدامة في مجال التنمية ، وصيغة مقترحة من الباحث في هذا الصدد ، ثم إبراز أهداف الاستدامة .
- استدامة النظم الريفية والاهتمام الجغرافي بها ، وتمثل ذلك في إنجازات مجموعة ، ومن بعدها لجنة ، استدامة النظم الريفية بالاتحاد الجغرافي الدولي ، في صورة مؤتمرات وإصدارات .
- نماذج تطبيقية في استدامة النظم الريفية ، حيث تم عرض ومناقشة استدامة النظم الزراعية، والتنمية المستدامة للغابة المدارية المطيرة في أمازونيا ، وتقديم نموذج مقترح لاستدامة نظم الاستيطان ومواضع السكن الريفي .
أهم نتائج البحث
- الكشف عن آفاق جديدة في توجهات التنمية الريفية تحتاجها البيئات الريفية المحلية في المنطقة العربية.
- إضافة صياغات تعريفية وتوصيفية مقترحة من الباحث في مجال التنمية الريفية المستدامة
- اقتراح نموذج يحقق استدامة نظم الاستيطان ومواضع السكن الريفي
- الدعوة إلى تشكيل مجموعات أو لجان بحثية وطنية لاستدامة النظم الريفية بالجمعيات الجغرافية العربية.
الكلمات الدالة :
1- الريف : مصطلح حضاري بيئي شامل ، بمعنى أنه نمط حياة ، مقوماته أرض وسكان الريف وإنتاجهم الثابت والمستهلك ، أو محصلة العلاقات القائمة بين السكان الريفيين وعناصر بيئتهم .
2- النظم الريفية : تشتمل على استخدام الأراضي الريفية في الزراعة والغابات والمحميات والنشاط التعديني والصناعي ، والنقل ، والخدمات ، وقوة العمل ، والسكن ، والسياحة والترويح.
3- التنمية المستدامة : التنمية المستدامة تنمية في الحاضر لا تضعف إمكانات التنمية في المستقبل .
4- استدامة النظم الريفية : عملية تبدأ بتبين النظم الريفية في إطارها البيئي ، والتعرف على التغيرات التي طرأت عليها وتقويمها ، ثم صيانة تلك النظم وتنميتها تنمية مستدامة.
مراكز النمو ودورها في التنمية الريفية في السعودية
د. محمود بن سليمان العقيلي
قسم الجغرافيا – جامعة الإمام محمد بن سعود
ukayli@yahoo.comالملخص :
بدأت المملكة العربية السعودية بالتخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية منذ منتصف الستينات الميلاديه من القرن الماضي ، حيث أنشأت الهيئه المركزية للتخطيط في عام 1965م ، ثم تحولت الى وزارة في عام 1975م(1395م) . ولكن بدأ التخطيط الشامل والمنظم في عام 1970م (1390هـ) حين وضعت الدولة الخطة الخمسية الاولى 1970-1975م (1390-1395هـ) . ثم توالت بعد ذلك الخطط التنموية حتى وصلت الى الخطة الثامنة للتنمية 2000-2005م
(1425-1430هـ) .
ومنذ أن بدأت التنمية في المملكة حتى بدأت بعض المراكز الحضرية تستأثر بالنصين الأكبر من المشاريع التنموية ، وبدأت هذه المراكز تنتعش اقتصاديا نتيجة لتركز الخدمات والتجارة والصناعة والادارات الحكومية وفروعها ، أخذت هذه المراكز تستقبل اعدادا كبيرة من المهاجرين من المدن الصغيرة ومن المناطق الريفية ، ومع تزايد هذه الهجرة وزيادة كبيرة في عدد سكان هذه المراكز والتي تحتل النطاق الاوسط من المملكة ( الرياض ، جدة ، الدمام ) وبعض المدن الأخرى كالمدينة المنورة التي استقبلت أعداد كبيرة من المهاجرين من المناطق الريفية ضمن المنطقة ، وكذلك من ابناء البادية الذين هجروا حياتهم البدوية الى المراكز الحضرية مباشرة .
إن معظم المهاجرين من المناطق الريفية يشكلون عبئأً كبيرا على المراكز الحضرية بسبب انخفاض المستوى التعليمي ، وقلة المهارة والخبرة ، كما أنهم يعيشون في المدينة بعقلية لا تتلائم مع الحياة الحضرية وتحتاج الى وقت طويل للتأقلم ، لذلك بدأت المدن الرئيسة تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية .
إن تفريغ المناطق الريفية من سكانها ونزوحهم إلى مناطق أخرى يِِِِِِِِِؤدي إلى اختلال كبير في التوزيع السكاني فتصبح هناك مناطق خالية من السكان ومناطق مزدحمة ، وحيث أن المملكة ذات مساحة واسعة ، والسكان يجب ان يتوزعوا بشكل متناسق بين مناطقها المختلفة ، إذا أخذ بالاعتبار أن المناطق الريفية التي فقدت كثيرا من سكانها تشكل نطاقا واسعا على الحدود المشتركة للمملكة مع الدول العربية المجاورة .
ونتيجة لهذا الخلل الذي حدث في التوزيع السكاني والعمل على الحد من الهجرة فقد بدأت المملكة في الأخذ بمبدأ التخطيط الإقليمي لتحقيق التوازن في التنمية بين مناطق المملكة المختلفة اقتصاديا واجتماعيا ، وزيادة مساهمتها في التنمية الشاملة وذلك من خلال اتخاذ مراكز نمو كأساس للتنمية الاقليمية وتحقيق الهدف في الحد من الهجرة المحلية أو الإقليمية . ونتيجة لذلك فقد بدأت المجالس المحلية في كل منطقة في تحديد مراكز نمو تكون نواة لمركز حضري مستقبلاً يسهم في التوطن السكاني واعادة التوطن للكثير من سكان المنطقة الذين هاجروا في أوقات سابقة .
وتهدف الدراسة إلى إبراز الدور الأساسي لمراكز النمو الجديدة وما هو الأثر المترتب على قيامها ، كما تهدف الدراسة إلى معرفة الايجابيات والسلبيات في اختيار مراكز النمو وعوامل القوة والضعف في هذا الاختيار ، كما تهدف الدراسة إلى التعرف على محددات التنمية في المنطقة وفي مراكز النمو التي تم أو سيتم اختيارها ، ومعرفة مدى التكامل وتناسق التنمية بين المراكز العمرانيه المختلفة داخل المنطقة وبينها وبين المناطق الاخرى
وتخلص الدراسة إلى تقديم بعض المقترحات والتوصيات التي ستتمخض عنها الدراسة بعد إتمامها ، وخاصة في معرفة أفضل المراكز العمرانية في المنطقة صلاحية ليكون مركز نمو حضري في المستقبل وتتوفر فيه الإمكانات ليكون مركز جذب سكاني يسهم في إعادة التوازن في توزيع السكان في المنطقة .
التنمية البشرية في الوطن العربي بمنظور التنمية المستدامة(قياس كمي)
أ. د. محمد أزهر سعيد السمّاك
جامعة الموصل - العراق
Azhar_alsammak@yahoo.comالملخص :
تعد التنمية البشرية جزءا من نظريات التنمية ونظريات النمو الاقتصادي. وقد تطور مفهومها خلال أربعة عقود ونيف من الزمن. وقد تم استخدام عدة تعابير للدلالة على مفهوم التنمية البشرية. منها تنمية "العنصر البشري" ، "وتنمية رأس المال البشري" ، "وتنمية الموارد البشرية" ، "والتنمية الاجتماعية". إلى أن توج باستخدامه "التنمية البشرية" في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في "تقرير التنمية البشرية" ، مع مطلع التسعينات. وكان من البداهة أن تتباين مضامين هذا المفهوم بتباين التسميات. ففي الخمسينات ارتبط هذا المفهوم بـ "مسائل الرفاه الاجتماعي" ثم انتقل إلى التركيز على "التعليم والتدريب" ثم "على إشباع الحاجات الأساسية" ثم "تشكيل القدرات البشرية" وكذلك مضمون "تمتع البشر بقدراتهم المكتسبة في بيئات ملئوا أجواءها الحرية السياسية واحترام حقوق الإنسان"( ).
وإذا كان ما تقدم يشير إلى أن البشر صانعوا التنمية منهجا ووسيلة فهم هدفها . ذلك ما كان معروفا منذ قرون خلت. فقد قال أرسطو: أن الثروة لا تمثل الخير الذي يسعى لتحقيقه فهي مجرد شيء مفيد للوصول إلى شيء آخر( ) . أو كما ذكر ابن خلدون في مقدمته: أن الإنسان غاية جميع ما في الطبيعة ، وكل ما في الطبيعة مسخر له( ) . وقد جاء في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي : أن للتنمية البشرية جانبان هما : تشكيل القدرات البشرية كتحسن مستوى الصحة والتعليم والمهارات ، وانتفاع الناس بقدراتهم أما للتمتع بوقت الفراغ أو في الأغراض الإنتاجية والثقافية والاجتماعية والسياسية ، وما لم تستطيع مناهج التنمية البشرية تحقيق توافق أو توازن بين هذين الجانبين فإن الشعور بالإحباط يصبح نتيجة طبيعة( ) .
وهكذا بدأ الاهتمام بتقييم الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف ، فبرزت مسألة "قياس التنمية البشرية" كي تكون المعين الرئيسي لصناع القرار في التخطيط والإدارة ورسم السياسات التنموية. وتجسدت ثمار "قياس التنمية" في العديد من بيانات الأمم المتحدة التي تضمنها" تقرير التنمية البشرية لعام 2005"( ) . والتي شكلت المادة الرئيسية لتحليلات هذه الدراسة .
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن قياس التنمية يخدم الباحثين في الوقوف على حقيقة برامجها المختلفة . فضلا عن المقارنات التي يمكن من خلالها الكشف عن مواطن القوة أو الضعف في أي وحدة سياسية .
من هنا بدء التفكير بدراسة مشكلة هذا البحث ، التي تتلخص في : أن واقع التنمية البشرية في الوطن العربي يعاني من التواضع في الأداء مقارنة بدول أخرى ، وتناقض واختلالات هيكلية مكانية فيما بينها لاسيما إذا نظرنا للتنمية البشرية من خلال "مناهج الرفاهية البشرية للشعوب العربية" كمستفيدين من عملية التنمية ، فضلا عن كونهم مشاركين فيها. وتتمثل الفروض العلمية لمشكلة هذا البحث في :
1. وجود فجوة متنامية بين مؤشرات: دليل واتجاهات التنمية البشرية والسياسة العامة للإنفاق وتوزيع الدخل وإشباع الحاجات الأساسية (الحرمان البشري) والمؤشرات الديموغرافية ومؤشرات الفقر في الوطن العربي مقارنة مع دول متقدمة وفيما بين أقطاره رغم الطاقات الموردية الكبيرة المتاحة مما يعني وجود خلل في الأداء الاقتصادي.
2. إن تباطؤ التنمية البشرية في الوطن العربي يقترن بغياب التوازن في الإنفاق العام وتفاقم الإنفاق العسكري ، فضلا عن طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة.
3. إن الملامح المستقبلية يمكن أن تكون أفضل مما عليه لاحقا في ضوء العديد من الخيارات التي يمكن طرحها في هذا المجال وتشكل التنمية المستدامة العمود الفقري للخيارات المطروحة.
وترتيبا على ما تقدم تضمنت الدراسة ما يلي:
1. واقع التنمية البشرية في الوطن العربي في ضوء مؤشرات القياس
1–1 دليل التنمية البشرية.
1–2 اتجاهات دليل التنمية البشرية.
2. موارد الثروة والأداء الاقتصادية
2–1 مؤشرات السياسة العامة للإنفاق وتوزيع الدخل.
2–2 مؤشرات إشباع الحاجات الأساسية (الحرمان البشري).
2–3 المؤشرات الديمغرافية.
2 – 4 مؤشرات الفقر.
3. إشكالية الواقع واستشراف المستقبل
3–1 النتائج بمنظور مناهج تحليل القوة.
3–2 الخيارات المطروحة.
ومن الجدير بالإشارة إلى أن منهج التحليل الكلي (الاستنباطي) كان الطابع الطاغي على تحليلات هذا البحث ، متخذا من البيانات المتاحة في تقرير التنمية البشرية لعام 2005 ، وتقرير الأمين العام السنوي (منظمة أوابيك) لسنة 2005 المادة الرئيسية التي غذت غالبية بيانات هذه الدراسة .
وقد انتهينا إلى أن الصورة المنتظرة للوطن العربي يمكن أن تكون أكثر تفاؤلا لاسيما إذا شهد هذا الإقليم ما نسميه "نهضة امة" كما سنرى.
الكلمات الدالة :
القياس الاستدامى / التغير / الطاقة الاستيعابية / البصمة البيئية / الإدارة البيئية .