تفعيل الجمعيات الخيرية التطوعية في ضوء سياسات الإصلاح الاجتماعي بالمجتمع العربي المعاصر
قضية الإصلاح في المجتمع العربي المعاصر تعكس حاجة حقيقة وليست مفتعلة أو افتراضية ، فالتحولات التي يحملها المستقبل تفرض على المجتمع العربي أن يسعى إلى استقراء أبرز ملامحه والبحث عن الصيغ المناسبة التي من خلالها يمكن الاٍستعداد لمواجهة التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية ، حيث تتنوع هذه التحديات والمخاطر لتشمل كافه مجالات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، وهذا يتطلب ضرورة وجود أوسع تعبئة ممكنة لكافة موارد وإمكانيات المجتمع العربي ، حيث أن التطورات العالمية بما تنطوي عليه من أحداث وقضايا أدت إلي ظهور فعاليات بالغة القوى تتعدى الحدود الوطنية ، ومن ثم فلقد أصبح من المتعين على الدول العربية حين تصوغ إستراتيجية لوضع سياسيات الإصلاح الاجتماعي على أساس اختيارات مجتمعية مقبولة أن تأخذ في اعتبارها علاقات التأثير المتبادل والمتزايد بين الداخل والخارج وان تبني برامجها في هذا الشأن على أسس علمية مدروسة في إطار اتجاهات التغير المستقبلي في البيئة الدولية والعالمية وما قد ينطوي عليه من فرص ومنافع ومن مخاطر وتحديات .
والمجتمع العربي في جملته يمتلك موارد اجتماعية وثقافية هائلة يستطيع من خلالها تأسيس مجتمع عربي قوي ومتماسك ، وهذا يتطلب صياغة سياسيات فعالة للإصلاح تساعد على تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتضمن عدالة توزيع الثروة ، وتساعد في القضاء على ظاهرة التهميش الاجتماعي لفئات عديدة والاحترام القاطع للحريات الإنسانية ، وتمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها وتحقيق أهدافها ، واكتساب المعرفة وتوظيفها بفاعلية في بناء القدرات البشرية وتفعلها في جميع صنوف النشاط المجتمعي (1).
حيث تشير تجارب الدول المختلفة إلى أهمية الاعتماد على المنظمات التطوعية كشريك استراتيجي لدعم سياسات الإصلاح بالمجتمع فالتطوير المستقبلي يتطلب تفعيل الممارسات التعاونية والأنشطة التطوعية في ضوء السياسات الحكومية (2).
ولقد أصبح العمل التطوعي في عالمنا المعاصر منهجاً يتطلب قدرات ومهارات يتعين على المتطوعين اكتسابها والإلمام بتطبيقاتها العملية ، فلقد أصبحت ثقافة التطوع جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمعات المتطورة بما تمثله من منظومة القيم والمبادئ والأخلاقيات والمعايير والرموز والممارسات التي تحث على المبادرة والعمل الإيجابي الذي يعود بالنفع على الآخرين ، فالعمل التطوعي هو استجابة لنداء الواجب والضمير ويأتي في مقدمة أولويات جهود التنمية ، حيث أن أدبيات التنمية الحديثة تصف المشاركة الاجتماعية بأنها راس مال الحكومات الذي تستند إليه لمواكبة الطموحات وتحقيق الإصلاحات والإنجازات(3). فهو ضرورة من ضرورات الحياة لما له من رسالة اجتماعية هدفها المشاركة في البناء والتنمية وتقوية دعائم المجتمع جنباً إلى جنب مع جهود الدولة (4).
والعمل الخيري التطوعي بأسمائه وأشكاله الكثيرة له جذور عميقة في تقاليد عريقة وقديمة من المشاركة في معظم الثقافات ، وسواء فهم بمعنى المعونة المتبادلة ومساعدة الناس الأقل حظاً وتقديم الرعاية والخدمات على المستويات المجتمعية المختلفة ، فهو يأخذ أشكال متعددة ابتداء من الأعراف التقليدية للمساعدة الذاتية ، إلى التجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة والكوارث من خلال مجهودات الإغاثة وتخفيف آثار الفقر ، وتلعب القيم الاجتماعية وخاصة الدينية المتأصلة في المجتمع دوراً هاماً في تعميق روح العمل التطوعي . حيث تشير المشاهدات في المجتمعات المختلفة أن العمل الخيري التطوعي يشكل شبكة الأمان الأبسط والتي لا بديل عنها لحماية من لا قوة لهم ، فالعمل الخيري التطوعي ظاهرة اجتماعية مستمرة على مر العصور منذ بدء الخلق ، ولكنها تختلف في أشكالها ومجالاتها وطريقة أدائها وفق توجهات وعادات وتقاليد تنسجم مع الثقافات والمعتقدات الدينية لكل عصر ودولة .
والعمل الخيري التطوعي في المجتمعات المعاصرة يتم من خلال أساليب أو آليات ذات طابع مؤسسي ، وذلك من خلال مؤسسات ووفق أولويات وجدول زمني ومواءمة بين الموارد والاحتياجات ، ومن أبرز هذه المؤسسات هي منظمات المجتمع المدني بشقيها التنموي والدفاعي ، فهي تعبر عن الشكل المعاصر للعمل الخيري التطوعي وتنمية الموارد(5).
وتعتبر الجمعيات الخيرية التطوعية من المكونات الأساسية في سوق الرعاية الاجتماعية، ففي إطار النسق العام للمجتمع يمكن تصور وجود نسق فرعي لسوق الرعاية الاجتماعية يهدف أساسا إلي توفير فرص اقتصادية واجتماعية للمواطنين ، ويقوم على فكرة المسئولية الاجتماعية المتبادلة بين مواطني البلد الواحد ، ووظيفته الأساسية تبادل المنفعة الاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين مع التسليم بأولوية مسئولية الفرد إزاء نفسه ، ثم يلي ذلك مسئولية الدولة ، فالأجهزة غير الحكومية (6).
ومن بين توصيات مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية سنة 2001م تعزيز مساهمة العمل التطوعي الخيري في التنمية الاجتماعية وتحسين التكافل الاجتماعي وتوفير خدمات الرعاية الاجتماعية ، بما في ذلك تمكين الفئات المحرومة والمعرضة للأذى وزيادة الوعي بالتغيرات الرئيسية والسريعة في مجالات عديدة من الحياة ، بما في ذلك العولمة والتي صار لها تأثير عميق على المجتمعات في كل مكان (7). وعلى هذا فالعمل الخيري التطوعي يمكن أن يكون بمثابة مصدر رئيسي من مصادر الإصلاح و إعادة البناء ، لا سيما إذا كان يتجاوز الحواجز العرقية والدينية والعمرية .
ويعتبر العمل الخيري التطوعي سمة من سمات المجتمع العربي في الماضي والحاضر حيث كان العرف الاجتماعي والعادات والتقاليد والقيم الدينية هي القواعد المنظمة له في الماضي أما في الوقت الحاضر فإنه يخضع إلى منظومة القوانين والتشريعات التي أصبحت تتحكم في تنظيم حياة المجتمع .