باحث اجتماعي عضو زهبي
التخصص : علم اجتماع عدد المساهمات : 1494 نقاط : 3052 تاريخ التسجيل : 01/01/2010 العمر : 54
| موضوع: هاشم كاطع لازم الإثنين فبراير 20, 2017 1:58 am | |
|
هاشم كاطع لازم
تحليل الخطاب من الصعب بلورة تعريف محدد لتحليل الخطاب أو التحليل النقدي بصفته منهجا بحثيا ، حيث يمكن تمييز هذا الحقل اللغوي بصفته وسيلة للتعاطي مع مشكلة ما أو التفكير بشأنها أكثر منه العمل على طرح منهج ما. وفي أطار ذلك لايمكن النظر الى تحليل الخطاب بأعتباره منهجا بحثيا كميا أو نوعيا ، أنما هو منهج يتم بموجبه طرح تساؤلات تتعلق بالأفتراضات الأساسية لمنهج البحث الكمي والنوعي. كما أن تحليل الخطاب لايقدم أجابة ملموسة حيال المشاكل التي تعتمد على البحث العلمي أنما يطرح نفسه مقتربا للأفتراضات الوجودية ontological والمعرفية epistemological التي يستند اليها مشروع ما أو تصريح ما أو منهج بحثي أو نظام للتصنيف أذا شئنا أعطاء مثال من حقل المكتبات وعلم المعلومات. وبعبارة أخرى نستطيع القول أن تحليل الخطاب يعيننا على أماطة اللثام عن الدوافع الخفية التي تقف وراء نص ما أو وراء أختيار منهج بحثي محدد لتفسير ذلك النص. وأذا استعرنا اللغة المتواترة في عصرنا الحاضر نستطيع القول أن تحليل الخطاب أو التحليل النقدي لايشي بأكثر من قراءة تفكيكية deconstructive reading أو تفسير تفكيكي لمسالة ما أو نص (آخذين في الحسبان أيضا أن نظريات مابعد الحداثة postmodernism تنظر الى أي تفسر للواقع ، وبالتالي الواقع ذاته ، بصفته نصا. ثم أن كل نص لابد أن يحمل في طياته مواصفات محددة وأن يكون مدرجا ضمن خطاب ما ؛ ومن هنا يأتي تعبير تحليل الخطاب. تاسيسا على ذلك لايقدم تحليل الخطاب أجوبة مطلقة لقضية محددة أنما يمكّننا من فهم الأوضاع التي تقف وراء مشكلة محددة وياخذ بيدنا لأدراك أن جوهر تلك المشكلة وحلها يكمنان في الأفتراضات المرتبطة بها والمتسببة بوجودها. ويسعى تحليل الخطاب ، من خلال تلك الأفتراضات، الى أتاحة الفرصة أمامنا لمراقبة المشكلة من وضع مناسب وأن نحصل على مشهد شامل لتلك (المشكلة) وكذلك أنفسنا من خلال صلتنا بها. ثم أن تحليل الخطاب يعين على تعميق الوعي بهدف أدراك الدوافع الخفية لدى الآخرين وفي أنفسنا ، وبالتالي تمكيننا من حل المشاكل المحددة ليس من خلال تقديم أجوبة مطلقة أنما من خلال تحفيزنا لأن نطرح أسئلة وجودية ومعرفية. ورغم أن التفكير النقدي أزاء المواقف / النصوص وتحليلها قديم قدم البشرية أو الفلسفة ذاتها فأن تحليل الخطاب يعتبر نتاجا لفترة مابعد الحداثة وسبب ذلك يعود الى حقيقة كون نظريات مابعد الحداثة لاتطرح وجهة نظر محددة للعالم بخلاف الفترات الزمنية الأخرى أو الفلسفات التي تتصف عموما بوجود معتقد تتبناه ، أي نظام أو تفسير ذي معنى للعالم. بمعنى آخر تتميز حقبة مابعد الحداثة عن الحقبات التي سبقتها مثل (النهضة والتنوير والحداثة) بالأعتقاد بعدم وجود معنى ومن أن العالم مجزأ على نحو متأصل وهو متنافر كذلك وأن اي معنى يهدف الى الأيمان بنظام أو معتقد لايعدو كونه أكثر من تفسير ذاتي ، أي أنه محكوم بوسطه الأجتماعي والخطاب المهيمن في الفترة الزمنية التي ينتسب اليها. وعليه تعمد نظريات مابعد الحداثة الى طرح قراءات لاتكاد تحصى تهدف الى (تفكيك) المفاهيم والمعتقدات - الأنظمة ، أو القيم الأجتماعية والأفتراضات السائدة. وترتبط غالبية النظريات المتداولة بأسماء لامعة مثل جاك دريدا Jacques Derrida ، الذي أبتدع تعبير (التفكيك) ، وميشيل فوكو Michel Foucault وجوليا كريستيفا Julia Kristeva وجان فرانوا ليوتارد Jean-Franois Lyotard وفريدريك جيميسن Fredric Jameson ؛ وهذه ، بالطبع، قائمة مقتضبة للغاية لنخبة من المفكرين النقديين الذين لابد أن تطالعنا اسماءهم لدى دراسة نظريات مابعد الحداثة.
أستخدامات تحليل الخطاب
كان من أسهامات تحليل الخطاب لفترة مابعد الحداثة تطبيق الفكر النقدي في دراسة المواقف الأجتماعية وكشف الغطاء عن السياسة المخفية (أو المخفية الى حد ما) ضمن أطار الخطابات السائدة أجتماعيا وغيرها من الخطابات (تفسيرات العالم والأنظمة المتصلة بالمعتقد وغيرها). ويمكن أستخدام تحليل الخطاب للتعاطي مع أي نص كان ، اي لأية مشكلة او موقف. ولكون تحليل الخطاب يمثل قراءة تفسيرية وتفكيكية فأنه لاتوجد ثمة نقاط دالة يمكن أن نهتدي بها. مع ذلك يمكن الأستعانة بنظريات كل من جاك دريدا وميشيل فوكو وجوليا كريستيفا وفريدريك جيميسن وغيرهم من المفكرين النقديين ومفكري مابعد الحداثة.
مرة أخرى نؤشر هنا أن تحليل الخطاب لايسعى لطرح أجوبة محددة أنما يروم توسيع آفاقنا الشخصية ويجعلنا ندرك مواضع الخلل فينا وكذلك برامجنا ودوافعنا غير المعلنة وكذلك برامج الاخرين ودوافعهم. بأختصار ، يسعى تحليل الخطاب للكشف عن مايجري وراء ظهورنا وظهور الآخرين والتي تقرر أفعالنا.
أن تحليل الخطاب الذي يطبق على نظرية علم المكتبات ، على سبيل المثال ، لن يتجه الى الوقوف مع أو ضد مصداقية و صحة منهج بحثي معين (سواء كان كميا أو نوعيا) أو تصريحا أو قيمة مثل لائحة الحقوق المتعلقة بأستخام المكتبة أو السياسات ذات الصلة بحرية الكلمة ، أنما يعمد الى التركيز على وجود تلك النصوص والرسائل التي تحملها في طياتها ومن ثم يقوم بوضعها في سياقيها التاريخي والأجتماعي. من هنا يهدف تحليل الخطاب الى الكشف عن الدوافع وكذلك السياسات المترتبة على الوقوف مع منهج بحثي معين أو بيان أو قيمة ما أو ضدهما. أما النتيجة الملموسة التي سوف تتبلور عن كل ذلك فتتمثل في معرفة مايتمتع به كل واحد منها من صفات وعيوب وكذلك الشروع بجدال مجدي. ورغم أن مثل هذا الجدال لن ينتهي أبدا فأنه يتيح الفرصة أمام تصحيح أية توجهات منحازة وكذلك العمل على تضمين أقليات ضمن أطار الجدل والخطاب الذي يتم تحليله.
أنواع تحليل الخطاب
توجد في الساحة الفكرية والثقافية اليوم (أنماط) كثيرة جداتتفرع عن نظريات تحليل الخطاب ، أهمها (التفكيكية) التي أبتدعها جاك دريدا وهناك أيضا نظرية ميشيل فوكو المتصلة بعلم الأنساب والنقد الأجتماعي وكذلك تحليل استخدامات الخطاب للتعاطي مع المواقف المختلفة مثل تحليله للكيفية التي تبتدع فيها (المعرفة) في مجتمعاتنا وهدف تلك المعرفو وأثرها. ويقدم التحليل الماركسي لمابعد الحداثة الذي أنتهجه فريدريك جيميسن قراءة ممتعة أخرى أزاء الخطاب السائد في عصرنا مثلما هو حال تفسيرات جوليا كريستيفا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين فيما يتصل بالممارسات الأجتماعية القائمة في الوقت الحاضر. وتوجد أضافة لذلك نظريات كثيرة جدا أخرى وكذلك قٌراءات يمكن للمرء أن يختار مايشاء منها.
ترجمة: هاشم كاطع لازم / أستاذ مساعد | |
|