صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن سلسلة "إنسانيات" التي تصدر في إطار مشروع مكتبة الأسرة، موسم عام 2012، كتاب جديد بعنوان "الشباب والحركات الاجتماعية والسياسية"، من تأليف الدكتورة إيمان محمد حسني عبد الله، تتناول فيه تنامي ظاهرة الحركات السياسية والاجتماعية المختلفة في مصر، والاحتجاجات المجتمعية، لا سيما تلك التي قام بها الشباب المصري في السنوات الأخيرة، والتي كانت العامل الأول لاندلاع ثورة 25 يناير 2011.
والمؤلفة من مواليد عام 1977، حصلت على درجة البكالوريوس من كلية الإعلام، بجامعة القاهرة، قسم الصحافة، وتعمل حاليًا مدرسةً في الكلية، ولها العديد من الدراسات والبحوث الإعلامية التي تتمحور حول الحركات الاجتماعية وقضايا الرأي العام والتغيير الاجتماعي، ولها كذلك عدد من البحوث حول الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والصحافة العربية والدولية.
-الكتاب: الشباب والحركات الاجتماعية والسياسية
-المؤلفة: د. إيمان محمد حسني عبد الله
-عدد الصفحات: 365
-النَّاشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب, سلسلة إنسانيات, القاهرة
-الطبعة: الأولى 2012
الإعلام والتغيير
ينقسم الكتاب الذي حمل عنوانًا فرعيًّا "دراسة في الإعلام والرأي العام ترصد إرهاصات ثورة 25 يناير 2011"، إلى ستة فصول رئيسية يعرض الفصل الأول منها، والذي جاء بعنوان "دور وسائل الإعلام في عملية التغيير الاجتماعي.. السياسي، الديمقراطي"، دور الإعلام في عملية التغيير، وكيفية حشد وتوجيه الإرادة العامة للمجموعات البشرية المختلفة، من أجل تحقيق أهداف عملية التغيير والإصلاح.
كذلك يرصد الفصل الأول من الكتاب تحليلاً للأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، والدور الذي لعبته الأنماط الحديثة لوسائل الإعلام والاتصال في صياغة التغيير الذي حدث في مصر.
ويناقش هذا الفصل هذه المسألة من زاويتَيْن، الأولى: دور الإعلام الذي استخدمه النظام السابق في مصر، في تحقيق مجموعة من الأهداف، لتكريس بقائه في السلطة، مثل شق صف القوى الوطنية والمعارضة، والترويج لسياساته وللأوضاع القائمة. أما الزاوية الثانية، فهي الكيفية التي قام الشباب بتوظيف وسائل الإعلام الجديد بها، من أجل تحقيق الحشد الشعبي اللازم للثورة وأهدافها.
في التأصيل للحركات الاحتجاجية
الفصل الثاني جاء بعنوان "الحركات الاجتماعية والسياسية وعلاقتها بوسائل الإعلام"، وقدم عرضًا مختصرًا لمفهوم الحركات الاجتماعية والسياسية، من حيث النشأة والأهداف، والنظريات المفسرة لتكونها وخصائصها وأنواعها وعلاقتها بالكيانات الاجتماعية والسياسية الأخرى.
وتعرّف الكاتبة الحركات الاجتماعية والسياسية على أنها ذلك النشاط الاجتماعي أو السياسي غير المنظم، الذي يبدأ تدريجيًّا في أخذ صورة منظمة بمرور الوقت، عندما يتحول إلى شكل من أشكال الممارسة العامة أو السلوك الجمعي من جانب شرائح واسعة أو بعينها من المجتمع.
وتشير إلى أن التأثير الأساسي لوسائل الإعلام حول هذه الحركات، خصوصًا تلك التي تتبنى الطابع الاحتجاجي، هو التأثير الاتصالي، للحشد وإيصال الفكرة، ولكنها تقول: ليست كل تأثيرات وسائل الإعلام إيجابية في هذا الإطار؛ حيث إن وسائل الإعلام قد تلعب دورًا سلبيًّا في التأثير على الحركات الاحتجاجية الاجتماعية والسياسية.
فإذا كانت وسائل الإعلام في يد النخبة الحاكمة أو أصحاب النفوذ؛ فإنهم سوف يعملون على إضعاف الحركات الاحتجاجية من خلال وسائل الإعلام، كذلك يعمدون إلى تشويهها، خصوصًا تلك الحركات التي تعمل في مجالات مرتبطة بقضايا خارجية؛ حيث إن هذه الحركات تكون أسهل في اتهامها بباقة الاتهامات الباطلة من جانب الأنظمة الحاكمة، مثل العمالة والخيانة، كما حدث مع 6 أبريل في مصر قبل وبعد ثورة يناير.
الإعلام والشباب
أما الفصل الثالث "تأثير وسائل الإعلام على دور الشباب في عملية التغيير الاجتماعي السياسي الديمقراطي"، فيقدم رؤية نقدية تحليلية لعلاقة الشباب بعملية التغيير في مجالاته المختلفة، من خلال رصد مختلف الاتجاهات البحثية المعنية بفحص دور الشباب في مجال التغيير والابتكار داخل الأنساق الاجتماعية المختلفة.
"تأثير وسائل الإعلام قد يكون تثبيطيًّا أو تضليليًّا فيما يخص طبيعة الأهداف التي تعلنها الجماعات والحركات المجتمعية, لأن القوى المعادية ستواجه هذه المطالب بكل الوسائل والأدوات"
والحقيقة المهمة التي أكدتها الكاتبة في هذا الإطار، أن الشباب هم أصل الحراك الاحتجاجي والتغييري في أي مجتمع، كحقيقة ثابتة تاريخيًّا، إلا أنها تشير إلى أن حركة الشباب في هذا المقام، يجب أن تتم في إطار مجتمعي عام، إذا ما أرادت هذه الحركات تحقيق نجاح لأهدافها وحراكها.
وحول تأثير وسائل الإعلام على الحراك الشبابي والمجتمعي في مجال التغيير، تشير الكاتبة إلى بعض ما أشارت إليه في الفصل السابق، من أن تأثير وسائل الإعلام قد يكون تثبيطيًّا أو تضليليًّا فيما يخص طبيعة الأهداف التي تعلنها هذه الجماعات والحركات؛ حيث إن القوى التي تسعى هذه الحركات لتغييرها أو للضغط عليها لتحقيق التغيير السياسي المنشود؛ من المنتظر أن تواجه هذه المطالب بكل الوسائل والأدوات.
النموذج المصري
أما الفصل الرابع "الخبرة المصرية في الاحتجاج قبل ثورة يناير 2011"، فيتناول المتغيرات التي جرت على صعيد الحركات الاحتجاجية في المجتمعات المختلفة في زمننا المعاصر، ثم دراسة حالة لهذه الحركات في مصر في مرحلة ما قبل ثورة 25 يناير.
من بين النماذج التي تناولتها الكاتبة في هذا الفصل لحركات التغيير السياسي والاجتماعي، جماعة "الإخوان المسلمون"، والحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، بالإضافة إلى بعض الفئات التي تحركت مطالبة بالإصلاح والتغيير، مثل القضاة، والحركات العمالية، وأساتذة الجامعات.
وتشير إلى أن مصر شهدت في المقابل ظهور تيارات اجتماعية وسياسية أيدت الوضع الذي كان قائمًا، مثل حركة "مصر الحرة.. متعاونون"، وتشير إلى أن من بينها حركات أيدت مشروع توريث السلطة من الرئيس المخلوع حسني مبارك لنجله جمال الذي يُحاكم بتهم الفساد في الوقت الراهن.
وبشكل عام فقد تميزت الحركات الاجتماعية والسياسية المصرية بعدد من السمات، من بينها أنها خرجت من رحم أطر لا علاقة لها بالمعارضة التقليدية، وأنها استوعبت شرائح من الشباب لم تكن تشارك من قبل، مع تبنيها لعدد من الآليات في عملها، لم تكن معتادة في مصر من قبل.
أنشطة الحركات السياسية والاجتماعية
الفصل الخامس جاء بعنوان "الأطر الإخبارية لأنشطة الحركات السياسية والاجتماعية وعلاقتها باتجاهات الشباب المصري نحوها: دراسة تطبيقية"، وتناول تحليل مضمون الخطاب الخبري لوسائل الإعلام المختلفة، وخصوصًا الوسائل الحكومية، مثل الإذاعة والتلفزيون، وشبه الحكومية مثل الصحف القومية (اختارت الأهرام وروز اليوسف نموذجًا)، حول الأنشطة التي كانت تقوم بها هذه الحركات فيما قبل ثورة 25 يناير.
تشير الكاتبة إلى تباين تعاطي وسائل الإعلام المختلفة في لغة الخطاب المستخدم تجاه الحركات الاجتماعية والسياسية في مصر، ما بين الاتجاه السلبي من جهة وسائل الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية، وما بين الاتجاه الإيجابي كما في حالة بعض الصحف الحزبية والمعارضة، مثل "الدستور".
إلا أنها تقول إن هذه الأحكام ليست مطلقة؛ حيث إن موقف بعض وسائل الإعلام المؤيدة لهذه الحركات، تأثر بنوعية الملكية، مثل "الدستور" التي تحولت في مواقفها بعد بيعها لرئيس حزب "الوفد"، السيد البدوي.
كما تتناول الدراسة التي أجرتها الكاتبة في هذا الإطار، طبيعة علاقة الشباب المصري بوسائل الإعلام، فتقول إنه بالرغم من أن الإنترنت كان له الحضور الأكبر لديهم؛ فإنهم لم ينفصلوا تمامًا عن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، وخصوصًا الفضائيات.
ثورة على ثقافة ومجتمع
الفصل السادس والأخير من الكتاب كان بعنوان "الإدراك المتغير للشباب المصري في علاقته بنماذج الاحتجاج حتى ثورة يناير 2011"، تناول دراسة حالة لخصوصية تجربة الاحتجاج المصرية حتى اندلاع ثورة 25 يناير، وذلك من خلال التعرض لجذور ثقافة الاحتجاج داخل المجتمع المصري.
"وسائل الإعلام الجديد التي استخدمها الشباب لعبت دورًا كبيرًا في موازاة الإعلام التقليدي الموالي للنظام السابق، الذي هاجم الثورة وحاول تشويهها"
ولعل أهم ما تؤكده الكاتبة في هذا المقام، هو أن هناك وجهين للتفاعل الذي جرى بين الشباب المصري وبين وسائل الإعلام، وخصوصًا الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتوظيف الذي جرى لها في الحراك الثوري الأخير في مصر، ما بين سلبي من وجهة نظر البعض، وإيجابي من وجهة نظر البعض الآخر، مع ما قاد إليه من تغيير.
الذين ينظرون سلبًا إلى هذا الحراك، يشيرون إلى أن الثورة التي قامت في مصر، لم تقُم فقط ضد النظام السياسي وممارساته، وإنما ضد المنظومة الثقافية والاجتماعية القائمة ككل.
وتختم كتابها بالقول إن الثورة المصرية بدأت كحراك جماهيري عفوي ليس له قيادة محددة، طارحًا مطالب جماهيرية، اجتماعية وسياسية واقتصادية، ثم تحول إلى ثورة شاملة، بسبب تطورات الأحداث، وخصوصًا بعد استشهاد المئات من الشباب المصريين على أيدي قوات الشرطة، وهو ما حول الاحتجاجات في يناير 2011 من مظاهرات عارمة إلى ثورة حقيقية، بعد نزول جزء كبير من الأغلبية الصامتة إلى الشارع.
وتضيف أن وسائل الإعلام الجديد التي استخدمها الشباب، مثل الإنترنت، لعبت دورًا كبيرًا في موازاة الإعلام التقليدي الموالي للنظام السابق، الذي هاجم الثورة وحاول تشويهها، إلا أنه تبقى نقطة مدى مصداقية الكثير من الصور والأخبار والمواد التي يتم تداولها من خلال وسائل الإعلام الجديد تلك.
المصدر : الجزيرة نت