تفسير الفقر لخصائص فردية مكتسبة (ثقافية وقيمية) :
تعد الرؤية القائمة على رد الفقر لخصائص فردية مكتسبة (ثقافية وقيمية)، من أكثر الرؤى، حيث تروج لها النظم الرأسمالية والمدرسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة والقديمة، وتنظر شيوعا إلى الفقر كنتيجة لجوانب قصور مكتسبة ناتجة عن أوضاع اجتماعية تجعل الأفراد يعجزون عن العمل بكفاءة في المجتمع الحديث. ويركز أنصار هذه الرؤية في تفسير الفقر على التنشئة الاجتماعية في سياق ما يسمونه حضارة الفقر، ومن السياقات، التي يكتسب فيها الأفراد تلك الملامح، الأسر التي تعاني من الحرمان، وتفتقر إلى الرعاية الوالدية السليمة، وتتسم بتدني الطموح، فحين يصل أطفالها إلى سن الشباب تكون قدراتهم متواضعة، وطموحهم منخفضا، واستعدادهم لقبول الفقر والعيش فيه كبيرًا.
ومن أهم خصائص هذه المرحلة أنها إذ تتوارث من جيل لجيل من خلال التنشئة الاجتماعية تعيد إنتاج نفسها، أي تضمن استمرارها، وتحقق لنفسها قدرًا من الاستقلال والتأثير يقترب عند البعض من الحتمية الاجتماعية، كما أنها تعيد إنتاج الفقراء. ومن هنا فإن كسر حلقة الفقر يقتضى تعديلات جوهرية في نسق القيم، والدافعية والتصورات وأنماط السلوك وغيرها.
ويذهب البعض إلى أن هذه الرؤية تنطوي على نقاط ضعف وقصور عديدة، منها: أنها لم تقدم شواهد مقنعة تقوم على تعريفات إجرائية للمفاهيم الأساسية فيها تدعم دعواها المختلفة، والثانية أن دراسات جادة كثيرة قد انتهت إلي نتائج تناقض ما تقول به. كما يشار إلي انه إذا كان الفقر يعيد إنتاج نفسه بصفة مستمرة في مناطق أو أحياء بعينها، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للأسر المعيشية والفقر ليست علاقة حتمية. أي أنه يمكن تغيير واقع الفقراء لو تم تغيير ما يقدم لهم من خدمات وليس حتمًا أن يظلوا فقراء، وإلا لما كان لبرامج مكافحة الفقر أي فائدة تذكر بهذه الصورة.