فرض النسوية في ظل اطروحات الاعتياد والإسقاط
(قراءة فكرية لواقع المرأة التنموي)
بقلم: أمل الغامدي
في ظل عولمة المفاهيم لا يستثنى أي مجتمع من أن يتعاطى مع أي مفهوم متى ما توفرت شروطه الاجتماعية , وإن اختلفت بنيته الأيديولوجية , وإن اشتغل المعنيون بنقده, وحتى لو تم رفض المفاهيم الإحداثية جملة وتفصيلا؛ فإنه سيتم التعاطي معها وسيكون الفكر رهين سلطة تساؤلاتها .
إلا في حالة واحدة وهي القدرة على فرز مشكلات المجتمع الحقيقية , ورسم صيغة مفاهيم حديثة تنبثق من ثوابت الأمة , وتراعى فيها احتياجاتها, ويحافظ بها على قيمها , وهويتها .
وبالمثال يتضح المقال,ولنأخذ النسوية كأحد المصطلحات التي برزت على السطح الثقافي في مجتمعنا, ولنناقش هذا المصطلح من خلال شروطه وذلك عبر قضية المرأة التي تعد أبرز القضايا الاجتماعية المطروحة اليوم .
فقد كُتب لها أن تناقش عبر أطروحتين كانتا كافية لظهور هذا المصطلح - النسوية - :
الأولى : أطروحة الاعتياديين والذين يرضون بما اعتادوا عليه ويدافعون دوما عن الواقع, بل ويحاولون العودة بالمرأة إلى زمن مضى بلا تصور واضح عن تنوع فئات وطبقات النساء في المجتمع , ولا استشراف لمستقبل المجتمع التنموي الذي تشكل المرأة فيه القوة الحقيقية لبناء المجتمع الفاضل متى تمت العناية بها بدلا من تركها رهن الواقع الاستهلاكي .
الثانية : أطروحة الإسقاطيين والذين يسقطون واقع الرأسمالية بكل عيوبها على المجتمع الإسلامي , ويتغاضون عن كل القيم المترابطة بين المرأة والطفل ,والأسرة والعمل , والمجتمع والنهضة؛ فهم يرون في الغرب الأنموذج المثالي وكأن العقول قد عجزت عن أن تبدع منظومة حضارة ذات قيم .
فكما بدأت الثورة الصناعية بمقولة ( دعه يعمل دعه يمر) فكذلك يفترض للمرأة : دعها تعمل دعها تمر, بلا قيم سوى القيم الباطنية للفرد, وهيهات بعد ذلك أن تصاغ قيم على مستوى الضبط الاجتماعي .
ويبقى السؤال الذي يحدد منطقية ظهور النسوية كاصطلاح أو حتمية تكوينها كمنظومة
وهو : ما موقف المرأة من هاتين الأطروحتين ؟
وإجابة على ذلك فيمكن تقسيم مواقف المرأة عبر عدة فئات :
فئة النساء ذوات مؤهلات, وكفاءات حقيقية, وسيدات أعمال, ومظلومات, يرين في الأطروحة الثانية نفقاً لعبورهن نحو حقوق وطموحات مشروعة في ظل عجز الأطروحة الاعتيادية عن فهمهن,وعليه قد تنتج نسوية راديكالية كرد فعل على الأطروحة الأولى أو نسويه ليبرالية كانفعال بالأطروحة الثانية .
وبالفعل هو ما حصل فهناك من النساء من خضعت لعنف حقيقي أدى بها إلى تجاهل قيم الإسلام غير قيمة العدالة التي حرمت منها والتي طغت بعد ذلك على كل قيمة لديها حتى باتت منظمات الحقوق في الأمم المتحدة لديها هي الرمز , وتطبيقاته هي العدالة .
ويكفي أن نعلم أن إحدى أبرز الحقوقيات السعودية كانت طالبة شريعة وتعرضت للحرمان من ابنتها لمدة تسع سنوات لم تجد شفاعة الشافعين وهي اليوم الحقوقية الأولى التي لا يشق لها غبار, وهي تبنى حركة نسويه ليبرالية وتنحو منحى راديكاليا تجاه أصحاب الأطروحة الأولى.
وفئة من النساء تخضع تماماً لثقافة الاستهلاك فكل طرح جديد هو الأصوب والأنفع وعليه نجدها بكل سطحية ترى في النسوية الليبرالية خصوصا أكبر رمز دون سبر للحقائق .
وفئة من النساء ترفض كلا الأطروحتين التقليدية – الإعتياديون- والحداثية –الإسقاطين – وترى أن المرأة فعلا بحاجة إلى اعتبار لواقعها وفكرها وشخصيتها وتنوعها دون المساس بقيمها وهويتها الإسلامية .وتطالب بحقها في العمل الذي يتناسب مع عطائها الأسري والتنموي, وترفض النسوية اصطلاحا وتطبيقا , وترى أن المرأة جزء من المجتمع الذي يصلح كله ويفسد كله .
ولعلها تصمد أو لا تصمد أمام رفضها للنسوية .
وإن كنت أرى أن ذلك يخضع لحجم التمييز الذي تعانيه أو ستعانيه مستقبلاً مالم يعي المجتمع مسؤولياته التكاملية؛ لأنه متى حصل شرط التمييز وجب الانشقاق وتحقق فرض النسوية.
لذا كان لابد من استعراض أبرز أنواع النسويات في مرحلة الحداثة والتي تستقيها الاتجاهات العربية ماء راكداً, بينما قد أخذت النسوية الغربية طريقها نحو ما بعد النسوية.
ولعلي أُلقي الضوء على الحركة النسوية في مرحلة الحداثة لمن أراد الإستزادة والتوضيح :
• الحركات النسوية
النسوية الماركسية Marxist :
تعتبر النساء في هذا التيار أن القمع الذي تواجهه المرأة بسبب العلاقات الغير متوازنة في مهام الإنتاج – في إشارة إلى الرأسمالية – التي اعتبرها إنجلز أكبر هزيمة للجنس النسائي .
وانطلاقا من هذا المعنى جاءت دعوة المانيفستو الشيوعي 1848م إلى إلغاء نظام الأسرة البرجوازية .
النسوية الليبرالية feminismliberal :
ينتسب هذا التيار إلى خط الثورة الفرنسية وامتداداته الفكرية ويستند إلى مبادئ المساواة والحرية والمطالبة بحقوق للمرأة مساوية للرجل في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية ,ويتميز هذا التيار بإيمانه بقدرة النظام الرأسمالي على ملامسة التغير وتوفير نفس الفرص والحقوق المتساوية للرجل والمرأة كما يعمل المنتمون إلى هذا التيار على تغيير القوانين المميزة بين الجنسين, وتكوين لوبيات ضغط لتغيير الذهنيات على المدى البعيد وتركز النسوية الليبرالية على حاجات الطبقة الوسطى دون الاهتمام بطبقة النساء الشعبية .
النسوية الراديكالية feminismradical :
تعد هذه الحركة أشد الحركات النسوية تطرفا وعنفا إذ تقوم على تفكيك النظام الأبوي من بنية المجتمع واستبداله بالمثلية حيث تؤمن الراديكالية بأن النظام الأبوي الذي تمارس فيه السلطة الذكورية غير قابل للتعديل أو الإصلاح لذا ينبغي القضاء عليه لا على المستوى السياسي والقانوني فحسب؛ بل على المستوى الاجتماعي والثقافي أيضا .
يبقى السؤال : هل هناك نسوية إسلامية ؟؟
¡ أعتقد أن الإجابة المنطقية لن تمانع في ظل العولمة المفاهيمية, وحال المرأة في العالم العربي والإسلامي من أن ينحدر أيضا هذا المفهوم إلى العالم الإسلامي فقد ظهر مصطلح( النسوية الإسلامية) عام 1991م في تركيا في كتاب نوليفير غول ”الحداثة الممنوعة“ .
¡ وأما في الواقع والممارسة فإن الحركة النسوية الإسلامية بدأت بالبروز في ظل تمكين المرأة وتلميع الأنظمة القمعية؛ فقد كانت تونس الأولى عربياً في تمكين المرأة وقمع المجتمع, وأصبحت التجربة النسوية التونسية قابلة للتصدير.
¡ تقوم رؤية النسوية الإسلامية على أن : الرسالة الروحية الإسلامية قد طعنت فبدلا من أن تتحقق المساواة فقد حول النظام الذكوري الأبوي هذه الرسالة إلى أداة قمع؛ وعليه فلابد من تفكيك القراءة الإسلامية للنصوص , وأسلمة التمكين والجندر في ظل الوضع القمعي الذي تعانيه المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية .
ونختم بعدة نقاط مهمة أبرزها:
1- أن الحركات النسوية في الغرب تقوم على ردة فعل عنيفة ضد الرجل وعلى فلسفة الصراع, وتحوي مطالبات عادلة وأخرى متطرفة أيضا.
2- أن الحداثة النسوية الإسلامية لم تكن لتبرز لولا الخلل الكبير في الحقوق والواجبات في المجتمع الإسلامي المعاصر؛ فلم يكن إلا النموذج الغربي رمزاً يحتذى به بالنسبة للحركات الحداثية .
3- أن التعامل مع قضايا المرأة في الحركات النسوية الحداثية والغربية يقوم على فصل المرأة عن المجتمع, والتعامل معها بناء على كونها عنصراً منفصلاً في حركة الحياة .
4- إن التعامل الإسلامي مع المرأة هو تعامل يكامل بين دورها ودور الرجل, والأسرة والمجتمع ويقوم على حقوق وواجبات يعبر عنها بالمسؤولية المرتبطة بالرعاية؛ فكما جاء في الحديث الشريف: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) صحيح البخاري؛ ففي الحديث ربط بين المسؤولية والرعاية, وليس السلطة والعنف كما هو الواقع في أغلبه.
5- أنه ينبغي على مؤسسات الأمة التربوية والإعلامية تفعيل قيم الإسلام المتوازنة في بناء الأسرة والمجتمع وعدم الانسياق خلف فلسفات التفكيك التي ترى أن فك رأس الهرم الأبوي هو بفك أساسه الأولي – الأسرة – من خلال النسوية الراديكالية التي تطغى في الحقيقية على شتى أنواع النسوية .
6- إن رفض النسويات لا يعني تجاهل الواقع للمرأة المسلمة, ولا يعني كذلك أن النصوص الشرعية لم توظف في القمع والتسلط والتهاون في المسؤولية؛ بل هذه جوانب عملية وتطبيقية لا ينبغي إهمالها بل معالجتها بنظرة لا تريد سوى إحقاق الحقوق المرضية في شرع رب البرية .
ختاماً :
لا يسعني إلا الاعتذار عن هذا الجهد المتواضع والذي أحببت لفت الانتباه نحو قضية المرأة من قبل المهتمين بقضايا الهوية الإسلامية .