علق العالم آمالا عريضة على ما يمكن أن تحدثه شبكة الإنترنت من ثورة في عالم الاقتصاد والمال والمعرفة، لكن الشكوك بدأت تساور الكثيرين حول إمكانية تحقق تلك الآمال في المستقبل القريب
فقد ظن البعض أن الإنترنت ستقلب حياتنا رأسا على عقب
وقيل إنها ستعيد كتابة قواعد التجارة وستحرر البشر من واجباتهم اليومية المضنية، وإنها ستؤذن بقدوم حقبة جديدة في التطور البشري تزدهر فيها الحرية والمعرفة وتتلاشى فيها الحواجز بين المجتمعات المختلقة وبين أفراد المجتمع الواحد
لكن ذلك لم يتحقق، وحتى إن كانت الإنترنت قد حققت بعض النجاح فإنه لم يتواصل
وقد أصبح من الواضح أن ثمار ما يطلق عليه ثورة المعلومات لم تظهر بعد
حجم التجارة عبر الإنترنت لا يزال ضئيلا
بل إن هناك بعض المؤشرات على انحسار موجة الإنترنت، فالكثير من الشركات القائمة على الإنترنت بدأت تعلن إفلاسها وتوقف الارتفاع الجنوني لأسعار أسهم شركات التكنولوجيا، ولم يقبل المستهلكون على استخدام الهواتف المحمولة المرتبطة بالإنترنت والمعروفة باسم واب، كما أن نشر الكتب على الإنترنت لم يحقق الرواج الذي كان يتنبأ به البعض
وبإمعان النظر تزداد الصورة قتامه
ففي الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي انخفض مؤشر ناسداك لأسهم الشركات الأمريكية العاملة في حقل التكنولوجيا إلى أقل من ألفين وستمئة نقطة، أي أقل من نصف مستوى الذروة الذي وصل إليه في شهر مارس، آذار الماضي، ويرى بعض المحللين أن المؤشر سيواصل انخفاضه
وفي بريطانيا حدث نفس الشيء، فبعد أن وصل مؤشر تيكمارك لأبرز مئة سهم في مجال التكنولوجيا إلى خمسة آلاف وسبعمئة وخمسة وثلاثين نقطة في بداية شهر مارس/ آذار الماضي، تراجع إلى نحو ألفين وأربعمئة وسبعين نقطة
وفي الأسواق الأمريكية تراجعت قيمة أكثر من مئتين سهم للشركات العاملة في مجال الإنترنت إلى عشرين بالمئة من أقصى قيمة وصلت لها
وترجع الارتفاعات الشديدة التي حققتها أسهم شركات الإنترنت إلى الاعتقاد الذي كان سائدا بأن تلك الشركات ستحدث ثورة في أساليب التجارة السائدة، وظن بعض المستثمرين أن مجرد إقامة موقع على شبكة الإنترنت سيضمن تدفق العملاء عليهم
غير أن تلك الأحلام لم تتحقق. وتشير الإحصاءات في الولايات المتحدة إلى أن حجم مبيعات الشركات من خلال الإنترنت لا يمثل سوى واحد بالمئة فقط من إجمالي حجم تجارة التجزئة
الصدمة
وقد أظهر انهيار أسعار أسهم شركات الإنترنت خطأ ما ذهب إليه البعض من أن مجرد انتهاج هذا الأسلوب الجديد للتجارة سيضمن النجاح
لكن النجاح كان حليف الشركات التقليدية التي بدأت تدخل إلى عالم الإنترنت بخطوات حذرة ومحسوبة، فقد ارتفع حجم التجارة من خلال الإنترنت بأكثر من خمسة عشر بالمئة على مدى العام الحالي، غير أن هذا النمو كان من نصيب الشركات الكبرى التقليدية
ويكمن سر نجاح تلك الشركات في أنها تنتج سلعا ذائعة الصيت ولا تحتاج إلى إنفاق الملايين على الدعاية كما فعلت الشركات الجديدة، فإفلاس بعض شركات الإنترنت الجديدة يرجع إلى إنفاقها مبالغ طائلة على الدعاية تجاوزت في بعض الأحيان حجم المبيعات
ولذا فإنه أصبح من المعتقد أن الشركات والمؤسسات التقليدية الضخمة هي التي ستكون أكبر المنتفعين بتكنولوجيا الإنترنت
ويرى الخبراء أن المستثمرين أخطأوا حين ظنوا أن الإنترنت هي مجرد منفذ جديد لتسويق المنتجات
وأن الفائدة الحقيقية للإنترنت تكمن في أنها يمكن أن تستخدم كوسيلة فعالة لخفض نفقات الشركات
.
البشر هم الذين يغيرون الإنترنت وليس العكس
إذ توفر الإنترنت وسائل فعالة ومنخفضة التكلفة لرصد احتياجات وميول المستهلك وبالتالي زيادة المبيعات، كما تمكن الشركات من حسن اختيار مورديها وتسهل الاتصال بهم
ومن الأسباب الأخرى لتفوق الشركات التقليدية على شبكة الإنترنت مقارنة بالشركات الجديدة أن طبائع المستهلكين تتغير ببطء شديد، ففي الولايات المتحدة مثلا فإن عشرة بالمئة من المستهلكين فقط ينفذون سبعين بالمئة من مشتريات الإنترنت
ولذا فإن تحول الإنترنت إلى وسيلة جديدة للشراء يبدو حلما بعيد المنال
وقد خلصت أبحاث أجريت مؤخرا على تأثير الإنترنت على المستهلكين إلى أن شبكة الإنترنت لم تغير أنماط الاستهلاك لكنها ساعدت على نمو أشكال الاستهلاك العادية، وأن التحول إلى البيع والشراء على الإنترنت يحتاج إلى مرور عقد أو عقدين من الزمان
ويرى جون مول، الباحث في مجال الإنترنت في مؤسسة برايس ووترهاوس كوبر أن الوفرة التي تتيحها الإنترنت في أساليب استقاء المعلومات بدأت تحدث تغييرات مهمة، فقد مكنت الإنترنت أي إنسان من صياغة عالمه الذاتي الذي يحصل فيه على ما يريد من أنباء أو معلومات
أي أن شبكة الإنترنت أصبحت تستجيب لميول واحتياجات مستخدميها
وقال إن هذا التغيير يشير إلى حقيقة مهمة وهي أن البشر هم الذين يغيرون الإنترنت وليس العكس