مفهوم التنشئة الاجتماعية : إعداد الدكتورة مزوز بركو

مفهوم التنشئة الاجتماعية : إعداد الدكتورة مزوز بركو
1-1 التنشئة الاجتماعية لغة :
إن التنشئة الاجتماعية هي socialisation في اللغة الفرنسية وsocialization في اللغة الإنجليزية ، كما أمكن العلماء من تحديد مصطلح عربي مقابل لها والمتمثل في مصطلح "الجتمعة" ولكنه قليل الاستعمال والتداول .
والتنشئة الاجتماعية لفظ غير معتمد في قواميس اللغة العربية ومعاجمها ولم ترد مجتمعة حيث يمكن أن نجد لفظ تنشأ ونشأ وتنشئة ، وهي معاني تتضمن النمو والحياة وممارسة بعض الحركات والعمليات التربوية التي تعمل في مجموعها على جعل الصغير ينمو ويكبر. فكلمة" تنشئة" تعني" أقام " و نشأ الطفل معناها شب و قرب من الإدراك ، و يقال نشأ في بني فلان أي ربي فيهم و شب "
وبارتباطها بلفظ " اجتماعية " يصبح مدلولها مقترنا بنمو الفرد في حالته الاجتماعية. وبهذا يمكننا استخلاص أن لفظ التنشئة الاجتماعية من الألفاظ المستحدثة في ميدان العلوم الاجتماعية ، وقلما تستخدم في ميدان اللغة العربية.
1-2) التنشئة الاجتماعية اصطلاحا:
يعرف العالم قيروشي G. ROCHER التنشئة الاجتماعية بكونها"الصيرورة التي يكتسبها الشخص عن طريقها ويبطن طوال حياته العناصر الاجتماعية الثقافية"socioculturel" السائدة في محيطه ويدخلها في بناء شخصيته وذلك بتأثير من التجارب والعوامل الاجتماعية ذات الدلالة، ومن هنا يستطيع أن يتكيف مع التنشئة الاجتماعية حيث ينبغي عليه أن يعيش" .
فإذا تمعنا هذا التعريف نجد أن التنشئة الاجتماعية تشمل اكتساب المعارف والنماذج والقيم والرموز المجودة في مجتمعه، حيث تبدأ هذه العملية منذ الولادة وتستمر طوال الحياة. ولا شك في أن الطفولة الأولى هي المرحلة الأكثر تأثيرا وقوة في التنشئة الاجتماعية (الطفل لـه قابلية كبرى للاكتساب)لأنه يكون فيها أكثر طواعية وأكثر استعدادا للتعلم وعلى إثـر التنشـئة الاجتماعيـة تصبح عناصر المجتمع والثقافة جزءا متمما في بناء الشخصية، لدرجة أن هذه العناصر تصبح جزءا في مضمون البنيان، لذلك فليس من الممكن أن نقيس أي قدر من الثقافة أو من النسق الاجتماعي قد اندمج في الشخصية وتكامل معها .
بالإضافة إلى هذا فإن المقدار مختلف من شخص إلى آخر، فضلا عن ذلك فما يمكن تأكيده هو أن الثقافة والنسق الاجتماعي في الوقت الذي يندمجان فيه في الشخصية يصبحان إلزاما أخلاقيا، أو قاعدة وجدانية أو كطريقة طبيعية، أو عادية في الفعل أو في الشعور، بفضل هذا الاندماج وتكامل العناصر الاجتماع- ثقافية في الشخصية.
1-2-1)التعريف النفسي للتنشئة الاجتماعية:
-تعريف " مواري " ( Murray):"العملية التي يتم من خلالها التوفيق بين دوافع الفرد الخاصة و بين مطالب واهتمامات الآخرين و التي تكون متمثلة في البناء الثقافي الذي يتعرض له الفرد.
- تعريف بارشون (Percheron) :" فعل التنشئة الاجتماعية هو التعلم تمثيل المدلول(Signifie) بواسطة واحد من الدالات(Signifiants) العديدة التي تستعمل لتكوين تصور عنه ".
- تعريف دافيد ريد( D.Ride):" التنشئة الاجتماعية هي العملية التي يتم بواسطتها إعداد الأفراد و تعويدهم على قواعد التصرف و السلوك داخل المجتمع ".
- تعريف محمد النجيحي:"التنشئة هي عملية تشكيل وإعداد أفراد في مجتمع معين، وفي زمان ومكان معين حتى يستطيعوا أن يكتسبوا المهارات و القيم و الاتجاهات و أنماط السلوك المختلفة التي تيسر لهم عملية التعامل مع البيئة الاجتماعية والبيئة المادية التي ينشئون فيها".
نلاحظ من خلال التعاريف النفسية المعطاة للتنشئة الاجتماعية أنها تركز على أهمية كل من الدوافع والتوافق ودلالة التصورات وفق ما يتطلبه المجتمع والبيئة الاجتماعية والتي من خلالها يتعلم الفرد أن يوازن بين رغباته ومطالب واهتمامات الآخرين.
1-2-2)التعريف النفس- اجتماعي للتنشئة الاجتماعية :
-تعريف " سيطو "Citau و " بيطريان "Bitrian :" التنشئة الاجتماعية هي مختلف تجارب التعلم الاجتماعي و التي من خلالها يعبر الطفل تدريجيا ، مراحل نمو الشخصي . فهو يتعلم كيف يندمج مع عالمه الأٍسري و استدخال المعطيات الأولى عن الأخلاق والثقافة،و التعرف على معايير و قيم المجتمع الذي يعيش فيه ، أي التصرف وفق الأطر التي تفرضها التربية التي يتحصل عليها حتى يصبح عضوا كامل العضوية في الجماعة الاجتماعية ".
- تعريف كلاوسن Clausen :" التنشئة هي عملية التفاعل المتصل بين الفرد والآخرين الذين يؤثرون فيه و يؤثر فيهم".
-تعريف هدى قناوى:"هي عملية إستدخال ثقافة المجتمع في بناء الشخصية ، فهي تدل على العمليات التي يتشرب بها الأنماط السلوكية التي تميز ثقافة مجتمعه عن ثقافة المجتمعات الأخرى".
- تعريف حامد عبد السلام زهران:"هي عملية تعلم اجتماعي يتعلم فيها الفرد عن طريق التفاعل الاجتماعي و أدواره الاجتماعية و يتمثل ويكتسب المعايير الاجتماعية التي تحدد هذه الأدوار. فيكتسب الاتجاهات النفسية ويتعلم كيف يسلك بطريقة اجتماعية توافق عليها الجماعة ويرتضيها المجتمع".
- تعريف مصطفى زيدان :" تعمل التنشئة الاجتماعية على استمرار ثقافة المجتمع ، بما توفره من أنماط اجتماعية عامة مقبولة يستجيب الأفراد في ضوئها لحاجاتهم البيولوجية والاجتماعية ، فتعمل على إشباع حاجاتهم وهي تنتقل من جيل إلى جيل في المجتمع ، وتتراكم نتيجة هذا الانتقال ، و يكتسبها الفرد في سياق نموه وسط الجماعة "
- تعريف مختار حمزة : " التنشئة الاجتماعية هي عملية تعلم و تعليم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي و تهدف إلى اكتساب الفرد سلوك ومعايير و اتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة و تيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية و هي عملية دينامية تتضمن التفاعل و التغير .
- تعريف محمد سعيد فرح :" التنشئة هي عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية و هي مستمرة تبدأ من الميلاد داخل الأسرة و تستمر في المدرسة و تتأثر بجماعات الرفاق و نسق المهنة ومن ثم تستمر عملية التنشئة باتساع دائرة أنساق التفاعل و هي تسعى لتحقيق التكامل و التوحد مع العناصر الثقافية و الاجتماعية ".
إن قراءة هذه التعاريف تجعلنا نستنتج أن مفاهيم التنشئة الاجتماعية من وجهة نظر نفس-اجتماعية تركز على التعلم الاجتماعي وتجاربه في مختلف مراحل الحياة ، حيث يستدخل الفرد القيم والأخلاق ؛ ويتعرف على المعايير ، ويتصرف وفق الأطر التي يفرضها المجتمع ، ومن جهة أخرى، فإن تعريف التنشئة الاجتماعية من هذا المنظور تحاول أن تشرك الفرد في عملية التفاعل والاتصال ولعب الأدوار وسط محيطه الاجتماعي…
1-2-3) التعريف الاجتماعي للتنشئة الاجتماعية :
-تعريف كلود دبار(Claude Dubar):"التنشئة الاجتماعية هي سيرورة متقطعة،غير مستمرة من البناء الجماعي للسلوكات الاجتماعية".
- تعريف فؤاد البهي السيد :" التنشئة الاجتماعية هي من أهم الوسائل التي يحافظ بها المجتمع على خصائصه ، و على استمرار هذه الخصائص عبر الأجيال ".
إن التعاريف الاجتماعية للتنشئة الاجتماعية تحاول أن تعطي بعدا كبيرا وأهمية بالغة للبناء الاجتماعي ونسقه ، والتي يجب على الفرد الامتثال لها حتى يتمكن من المحافظة عليه وتمريره للأجيال اللاحقة .
إذن يمكن أن نصل في الأخير إلى اعتبار التنشئة الاجتماعية على أنها عملية الاكتساب والتلقين والتشكيل والتغير التي يتعرض لها الطفل في تفاعله مع الأفراد والجماعات وصولا به إلى مكانته التي تليق به في المجتمع بقيمه واتجاهاته وعاداته وتقاليده، وهي تلك العملية التي يتم فيها التفاعل الاجتماعي وتتيح للفرد اكتساب شخصيته الاجتماعية التي تعكس ثقافة مجتمعه، وهي تتضمن عملية اكتساب الفرد لثقافة المجتمع الواسعة ، وفي مقدمتها اللغة والدين والعادات والتقاليد وبعض القيم "التسامح والتعاون…".

1-3) الدور التربوي للتنشئة الاجتماعية :
تُعد التنشئة الاجتماعية تشكيل للفرد على نحو تتأكد فيه علاقاته بثقافة مجتمعه وبمطالبه الخاصة التي على الفرد أن يؤديها بحسب مركزه الذي يشغله أو سوف يشغله ، والدور الذي تمارسه هذه الثقافة نجدها محتواة في التنشئة الاجتماعية التي تتضمن عمليات ذات مغزى تربوي هام يختلف في بساطتها أو تعقيدها تبعا لبساطة المجتمع وتعقيده ومنه يمكن أن نستشف الدور من خلال :
- تدريبات ضبط السلوك: من خلال التنشئة الاجتماعية يكتسب الطفل من أسرته اللغة ، العادات، والتقاليد السائدة في مجتمعه والمعاني المرتبطة بأساليب اشباع رغباته وحاجالته الفطرية والاجتماعية والنفسية، فالطفل أثناء ذلك يتعرض إلى شتى أنواع الضغوط ويستفيد من توجيهات أسرته بغية تعديل سلوكه وتغييره أو اكتساب سلوك جديد ترضى عنه الأسرة.ومع انتقال الطفل من الأسرة إلى المؤسسات الاجتماعية الأخرى المختلفة، فإنه يكتسب مزيدا من السلوكات والمعاني والرموز والاتجاهات والقيم…الخ، حيث يتعلم الطفل إضافة إلى إشباع حاجاته الأولية كالأكل والشرب والنوم والأمن، والانتماء الاجتماعي ،ومع مرور الوقت تنمو محصلته في معاني الأشياء وتتوسع دائرة توقعاته لسلوك الأفراد والجماعات ويزداد تعلمه وتدربه لضبط السلوك فيزداد بالتالي تفاعله الاجتماعي وتكيفه.
- اكتساب المعايير الاجتماعية: تنبثق المعايير الاجتماعية من أهداف المجتمع وقيمه ونظمه الثقافية بصفة عامة واتجاهاته وكل موروثه الحضاري والثقافي للأفراد، وبالتالي يساعدهم على التوازن والتكيف مع المجتمع ، وجدير بالذكر في هذا المقام أن للتنشئة الاجتماعية ميكانيزمات تقوم على أساسها والمتمثلة في : التعلم، التبطن، الاتصال.
1-4 أشكال التنشئة الاجتماعية :
- تنشئة اجتماعية مقصودة: يتم هذا الشكل من التنشئة الاجتماعية في كل من الأسرة والمدرسة ، فالأسرة تعلم أبناءها اللغة والآداب وحسن السلوك وفق المعايير الاجتماعية السائدة، وتحدد لهم الطرق والأساليب والأدوات التي تتصل بمبادئ هذه الثقافة وقيمها ومعاييرها ، فاكتساب السلوك القويم يكون في العادة مقصودا وذو أهداف وأساليب ونظم ومناهج تتوافق وقيم المجتمع وأفكاره بصفة عامة .
- تنشئة اجتماعية غير مقصودة : يتم هذا الشكل من التنشئة من خلال تعلم الدور الذي تمثله مؤسسات التنشئة الاجتماعية بطريقة غير مقصودة، حيث يمكن أن نجد تأثيرات هذه التنشئة بصورة أكثر خاصة إذا تعلق الأمر بالنموذج الأبوي أو قنوات الاتصال(تلفزة وظاهرة عنف الأطفال…..الخ) .