الثورة المعلوماتية والاتصالية في زمن العولمة ومأزق الدول “ “النامية “
لم يعد حاليا من الممكن الفصل بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصال، ذلك أن النظام الرقمي باعتباره من أرقى المعارف والأنظمة التكنولوجية الذي انتهت إليه نظم الاتصال لتقترن بذلك شبكات الاتصال بشبكات المعلومات معلنة عن تدشين عهد جديد تمتزج فيه المعلومات بالاتصالּ
و تعتبر أجهزة الحواسيب) الكومبيوتر( من بين أهم أعمدة هذا النظام بما تتوفر عليه من قدرات هائلة على تخزين المعلومات وترتيبها ومعالجتها ونسخها مع القدرة على الحصول على معلومات جديدة نتيجة تفاعلها مع بعضها ومن ثم إرسالها أو استقبالها باستخدام شبكات اتصال محلية أو إقليمية أو عالميةּ ويفيدنا في هذا الموضوع ما يذهب إليه الدكتور “ نبيل علي“ ) الثقافة العربية الجديدة وعصر المعلومات، سلسلة عالم المعرفة، عدد 276 ( حيث يحدد ثلالة عوامل رئيسية كانت وراء ثورة الإعلام والاتصال ׃
1- العامل الثقني، وهو مرتبط بالتقدم الهائل في تكنولوجيا الكومبيوتر، عتاده وبرمجياته، وتكنولوجيا الاتصالات، خاصة ما يتعلق بالأقمار الصناعية وشبكات الألياف الضوئيةּּּفقد اندمجت هذه العناصر التكنولوجية في توليفات اتصالية عدة إلى أن أفرزت شبكة الانترنيتּ
2- العامل الاقتصادي، المتمثل في عولمة الاقتصاد وما يتطلبه من إسراع في حركة السلع و رؤوس الأموال، وما يستتبعه، أيضا، من تدفق للمعلومات التي أصبحت بدورها سلعة اقتصاديةּ
3- العامل السياسي، والمتمثل في الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام من قبل الأطراف السياسية المختلفة من أجل بث برامجها وتوضيح أهدافهاּ
يعتبر دخول البشرية إلى عصر المعلومات والانترنيت أحد أهم وأقوى المؤشرات التي تعبر عن عمق التحولات الكبرى التي تشهدها المجتمعات المعاصرة، فظهور الشبكة العالمية للمعلومات وضع المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية أمام تحديات كبرى، وشكل قفزة نوعية خارقة، ليس فقط على المستوى التكنولوجي والعلمي، ولكن أيضا على المستويين الاتصالي والمعرفيּ إن تقنية الانترنيت ماضية في طريقها نحو انتشار أوسع بين مختلف مناطق العالم، دولا ومجتمعات، فما هي، إذن، استعدادات الدول “ النامية” لولوج عالم تكنولوجيا المعرفة والاتصال على مستوى الإنتاج والاستهلاك؟ ما هي التدابير المتخذة؟ وماهي الرهانات والتحديات؟
لقد ظهرت العولمة كحقيقة واقعة منذ انهيار جدار برلين، وما ترتب عنه من تلاش لدول المنظومة الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي) سابقا( وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم بفضل قوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والإعلاميةּּּوهو ما أهلها لكي تفرض فلسفتها وقيمها مستفيدة من الوضع الدولي الجديد لما بعد الحرب الباردة، ودفع باقي الدول والمجتمعات نحو منظومة الاقتصاد الحر تمهيدا للاندماج في الأسواق الكبرى بفضل ماتوفره التحولات الكبرى في مجالي الاتصال والمعلوماتּ
وإذا كانت العولمة في بعدها الاقتصادي تعني انفتاح دول العالم على الأسواق الكبرى عبر رفع حواجزها الجمركية وخوصصة اقتصادها وتحرير أسعارها في مناخ اقتصادي تنافسي غير متكافئ يزيد من تأزيم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للدول“ النامية “ ويعمل على ترسيخ استغلالها وتبعيتها، فان العولمة في بعدها الثقافي والفكري هي أداة اديولوجية حاملة لمضامين ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وثقافية، وهي دعوة صريحة لتبني النموذج الحضاري الغربي في حلته الأمريكية بكل ما يحتويه من قيم وسلوكات تختلف، بل وتتعارض مع قيم وسلوكات المجتمعات الأخرى·
لقد أصبحت ثقافة العولمة إحدى الأسس الدعائية التي تقوم عليها مضامين الخطاب الإعلامي الغربي مستفيدة بذلك من تقدمها العلمي واحتكارها للمعرفة التكنولوجية الجديدة، وهو الأمر الذي وضع الدول “ النامية “ في مأزق لا تحسد عليه، حيث وجدت نفسها بين خيارين لا ثالث لهما، فإما أن تنفتح على العالم وعلى ثقافته المهيمنة بكل أبعادها ودلالاتها أو تنغلق على نفسهاּ
ومن دون شك أن انغلاق هذه الدول على نفسها يعني الجمود والموت، في حين أن انفتاحها على الثقافات الأخرى في ظل العولمة هو الخيار الصعب والضروري، شريطة أن يكون انفتاحا واعيا يحقق توازنا ثقافيا وحضاريا، يحفظ لها قيمها وسلوكاتها الأصيلة) الايجابية( وروحها وشخصيتها الوطنيةּ إذن، ماهو السبيل لتحقيق هذا التوازن الصعب بل والمستحيل؟!
يذهب بعض المنظرين إلى القول بأن مجتمعاتنا “ النامية “ لازالت لم تدخل بعد مرحلة الحداثة والعقلانية بكل تجلياتها وتمثلاتها الثقافية والمؤسساتية، فكيف بها أن تدخل مرحلة ما بعد الحداثة بتصورات مهترئة وتجزيئية؟ إن الأمر يبدو في غاية التعقيد، ومن المستحيل أن نعتقد أن التطور التكنولوجي والمعلوماتي قد ظهر فجأة وخارج السياق التاريخي والبنيوي للمجتمعات الغربية، بل جاء تتويجا لمجهودات تمت على مراحل ولعبت فيها سلطة المال والمعرفة دور المحرك الأساسي في إطار مهام ووظائف محددة ومنتجةּ وهذه الحقيقة التاريخية هي مايجعل مجتمعاتنا خارج السياق الموضوعي للثورات المعلوماتية والاتصالية في زمن العولمة، ويضعها في مواجهة رهانات عديدة، لعل أبرزها رهان تأصيل هذه التكنولوجيا) الدخيلة( في شموليتهاּ
ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ خصوصا إذا كانت التكنولوجيا لا تقدم نفسها كأدوات محايدة، بل أيضا، كمجموعة من القيم والسلوكات، الأمر الذي يدعو نخبنا ومفكرينا إلى بذل مجهود تنظيري وعملي أكبر في أفق إيجاد بعض عناصر الحلول لهذا الإشكال الكبيرּ
http://jaidel.maktoobblog.com/1611274/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85%D9%86/